هل انتهى "داعش" حقاً؟

29 مارس 2019
+ الخط -
أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قبل أسبوع، القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بنسبة مائة بالمائة! وذلك بعد هزيمة التنظيم المتطرّف في آخر معاقله في مخيّم الباغوز في ريف دور الزور الشرقي (في سورية). وحسب الأنباء المتواترة، سيطرت "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) الكردية على الباغوز، وطهّرتها من جيوب "داعش"، وما تبقى منه، وذلك بعد أن استسلم عدد من عائلات وأهالي التنظيم لـ"قسد" على مدار الأسابيع الماضية.
الإعلان عن نهاية تنظيم الدولة الإسلامية، بالطريقة التي تحدث بها ترامب، لا يختلف كثيراً عن إعلان الرئيس الأميركي الأسبق، جورج دبليو بوش، عن نهاية الحرب في العراق عام 2007، وذلك حين قال عبارته الشهيرة: "المُهّمة اكتملت" (أو mission accomplished)، على الرغم من أن الأوضاع في العراق لم تستقر منذ ذلك الحين. كما أنه محاولة من ترامب لتحقيق مكسب سياسي، يضيفه إلى قائمة "إنجازاته" الانتخابية، ويبرّر به قراره سحب قواته من سورية، والذي كان قد اتخذه بشكل منفرد ومفاجئ، قبل حوالي شهرين.
ربما جرت هزيمة "داعش" عسكرياً، وذلك بعد أن خسر التنظيم كل معاقله في منطقة شرق الفرات، ومن قبلها في الموصل في العراق، وفي بقية أرجاء أرض خلافته المزعومة في سورية. لكن التنظيم، أفكارا وإيديولوجيا، لم ينته بعد. بل على العكس، قد تساعد هزيمته في تحويله إلى "شهيد"، وتكسبه تعاطفاً من كثيرين من الشباب العربي والمسلم، خصوصا في ظل ما يُقال عن عمليات قتل عشوائي لمدنيين، بينهم أطفال في الباغوز في أثناء مطاردة فلول التنظيم.
ومن جهة أخرى، ثمة 800 مقاتل أوروبي، اعتقلتهم قوات "قسد"، ولا يزال مصيرهم ومستقبلهم مجهوليْن، ولا يعرف أحد أين سينتهي بهم المطاف، وما إذا كانوا سيعودون إلى بلدانهم التي جاءوا منها، أم ستتم محاكماتهم وكيف وأين. ولا يزال كثيرون من هؤلاء يعتنقون أفكار "داعش"، وليست هناك ضمانات بإعادة تأهيلهم ودمجهم في مجتمعاتهم. وفي الوقت نفسه، يطرح بعضهم عقد محاكمات دولية لهؤلاء. وثمّة تخوف من أن تتم محاكماتهم في أحد بلدان الشرق الأوسط بشكل غير عادل، ما قد يؤدي إلى جذب تعاطفٍ كثيرين، وتجنيد آخرين في صفوف التنظيم. ومن جهة ثالثة، لا يزال الصف الأول في قيادة التنظيم، وفي مقدمته أبو بكر البغدادي، هارباً، ولا يعرف أحد أين مكانه، وهو ما يعني أن التنظيم لم يفقد قيادته الملهمة والمحرّكة له. وإذا تم قتل البغدادي، سوف يتحول إلى شهيد لدى أتباعه، ما قد يدفع بعضهم إلى القيام بعمليات إرهابية انتقاماً له. ومن جهةٍ رابعة، ثمة خلايا نائمة للتنظيم في دول عربية وأوروبية وأميركا. وهؤلاء لم يلتحقوا تنظيميا بداعش، ولكنهم يتبنون أفكاره وإيديولوجيته وأهدافه. ولربما يقومون بعمليات إرهابية في هذه البلدان. وقد كشفت بعض الوثائق التي نشرتها صحيفة التايمز البريطانية، قبل أيام، عن مخططاتٍ وضعها أحد قياديي التنظيم، يُدعي أبو طاهر الطاجيكي، لتنفيذ هجمات في أوروبا، وضد المصالح الغربية في بلدان أخرى، فمن المعروف أن شبكة تنظيم داعش، والمتعاطفين معه، تمتد من أفغانستان وحتى نيجيريا، وهو ما يعني أننا مقبلون على مرحلةٍ ساخنة، فيما يخص الهجمات التي قد تشنها فروع التنظيم في البلدان المختلفة.
أكثر من ذلك، فإن العوامل البنيوية التي ساهمت في ظهور "داعش"، ابتداءً، لا تزال على حالها، إن لم تكن قد زادت سوءاً، فالتدخل الغربي في شؤون البلدان والشعوب العربية أصبح أكثر وضوحاً وسوءاً مما كان من قبل، جديدها اعتراف ترامب بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان المحتلة. كما أن معدلات الإسلاموفوبيا وكراهية المسلمين في الغرب في ازدياد، وكان جديدها مذبحة نيوزيلندا التي راح ضحيتها خمسون مسلماً ومسلمة قبل أسبوعين. وجميعها عوامل قد تدفع إلى ظهور تنظيماتٍ أكثر تطرفاً من "داعش" وأخواته.
A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".