مهمّة بيدرسون

23 مارس 2019
+ الخط -
منذ عُيّن غير بيدرسون مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، وهو يدلي بتصريحاتٍ أقل ما يقال فيها إن صدورها عن مسؤول أممي مستغرب، بما أنه مكلفٌ بتطبيق القرارات الدولية، الخاصة بإيجاد حل سياسي دولي ينهي الصراع في سورية. قال أخيراً: قرار مجلس الأمن 2254 واضح... أن أعمل مع الحكومة والمعارضة على حد سواء، لتطوير العلاقة معهما وبينهما، لجمع الطرفين، وإطلاق مفاوضات جوهرية. إن تفويضي بموجب القرار هو العمل على إصلاح دستوري، وانتخابات تدار بإشراف الأمم المتحدة، ولكن من الضروري ألا أصدر أحكاماً حول نتائج المفاوضات... هذا قرار سيادي.
بصراحة، هذا التصريح يثير القلق، لأسباب أولها أن بيدرسون لم يسأل سابقيْه، الأخضر الإبراهيمي وستيفان دي ميستورا، عن خبرتهما في "جمع الطرفين وإطلاق مفاوضات جوهرية"، ومن هو الطرف الذي رفض ستة أعوام ونيف إطلاق المفاوضات، جوهرية أم سطحية. وامتنع، في ثماني جولات تفاوضية، عن أي بحثٍ في تطبيق القرارات الدولية، أو إجراء مفاوضات، وحمّل أول مبعوث أممي إلى سورية، كوفي عنان، المسؤولية عن فشله في إحراز أي نجاح. ولمّح الأخضر الإبراهيمي في عديد من تصريحاته إلى دور هذا الطرف في فشل مهمته. وحمّل دي ميستورا الطرف نفسه المسؤولية عن إخفاقه في إيجاد نقاط تقاطع بينه وبين المعارضة، أو إقناعه باللجنة الدستورية والانتخابات الحرة.
ثاني أسباب استغراب هذا التصريح، أن بيدرسون ربما يكون نسي أن هناك مرجعية للقرار 2254 هي بيان جنيف والقرار 2218، وكلاهما يحدّدان الانتقال الديمقراطي هدفاً وحيداً للتفاوض وللمبعوث الدولي، المكلف بتحقيقه حصراً، لكونه لا ينتمي إطلاقاً إلى المسائل السيادية، ما دام رفضه يخالف القرارات الدولية التي يفترض أن بيدرسون مكلف بتطبيقها حرفياً، وليس من صلاحياته منح حقوقٍ سياديةٍ لمجرمٍ مارس أفظع إرهاب دولة منظم ضد قطاعاتٍ واسعةٍ جداً من شعب سورية الأعزل، وقتل من مواطنيه عددا تقدّره الأمم المتحدة بمئات الآلاف، على أقل تقدير، دع عنك الجرحى والمشوّهين، ومن فقدوا أطرافهم وأخفتهم أجهزة الأسدية أو ألقتهم في المحارق التي زوّدته بها إيران، ودفنتهم في مقابر جماعية، وقصفتهم بالغازات السامة والأسلحة الكيميائية... إلخ، ووثقت مقتلهم لجانٌ دولية رسمية، تابعةٌ، مثل بيدرسون، للأمم المتحدة، وصفت ما ارتكب ضدهم من فظاعات، وأوصت بإحالة بشار الأسد وعديد من قادة نظامه، إلى محكمة مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية في لاهاي.
إذا كان تطبيق القرارات الدولية مرتبطاً بسيادة الأسد ونظامه، وكنت تعتقد أن القرار 2254 يبطل بقية القرارات، بما فيها التي تحدد آلية الحل الذي يبدأ بتشكيل هيئة حاكمة انتقالية، فلماذا تتعب نفسك وتواصل مهمتك التي كان يجب أن تعلم رفض الأسد لها بنداً بنداً، وتدرك أن وليد المعلم يسخر منك، حين يبدي استعداده للتجاوب مع مهمتك، كما يُفهم من أحد تصريحاتك، وأن هدفه كسب ما تمنحه له من وقتٍ، كي يفرض سيده الأسد حله العسكري/الأمني الذي أعلن وكرّر، مرات متعدّدة، أنه لا يقبل أي حل سواه. ولذلك، قال في خطبة بثها تلفزيونه قبل أيام إنه يرفض اللجنة الدستورية والانتخابات، بذريعة أنهما، كما تعتقد أنت، مسألة سيادية!
أخيراً، سيد بيدرسون، أنت تنتمي إلى مجتمع ديمقراطي، وتعلم أن السيادة للشعب، وأنه مصدرها الوحيد. أما سيادة الحكام فهي إما أن تستمد من قبول الشعب الطوعي بهم، أو أنها لا تكون سيادة، بل استبدادا قاتلا، كما هو النظام الأسدي.
سيد بيدرسون: لا يريد السوريون غير تطبيق القرارات الدولية، وبلوغ حل سياسي، فهل هذا كثير، بعد حرب الأسد عليهم، وتعطيله القرارات الدولية حول السلام ثمانية أعوام؟
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.