15 نوفمبر 2024
تركيا والاستنفار السعودي
منذ إطلاق العملية العسكرية التركية في سورية، انقسمت الآراء بشأن كيفية التعاطي معها، وإلى أي مدى من الممكن تأييدها أو معارضتها، خصوصاً أنها حرب سيذهب ضحيتها مدنيون، وقد تخلّف عشرات آلاف النازحين السوريين الجدد، لتزيد المعاناة السورية المستمرة منذ ثماني سنوات. ومهما حاول الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تزيين الأهداف التي من أجلها شنّ ما أطلق عليها اسم "نبع السلام"، على الرغم من أن الحروب لا تأتي بالسلام، إلا أنه في النهاية لا بد من تساؤلاتٍ عديدة عن الأهداف الحقيقية للعملية التركية، ومدى ارتباطها بالتفاهمات الإقليمية والدولية، وخصوصاً مع الشريكين، الروسي والأميركي، واللذين دافعا عن العملية خلف الأبواب المغلقة لمجلس الأمن، على الرغم من الانتقادات العلنية التي يوجهها المسؤولون الأميركيون، وفي مقدمتهم الرئيس دونالد ترامب، ونظراؤهم الروس، وفي طليعتهم وزير الخارجية، سيرجي لافروف.
بناء عليه، فإن اتخاذ موقف سياسي واضح من العملية التركية، بعيداً عن الموقف الأخلاقي الطبيعي الرافض للقتل والتدمير، سيكون بعد تبيان مآلاتها، وما إذا كانت فعلاً تحمل أجندات خفية، قد تكون مرتبطةً بإدلب، أو بالتمدد الجغرافي التركي في الداخل السوري، أو التغيير الديمغرافي في المنطقة المنوي تحويلها "آمنةً"، وكيفية توظيف هذه المنطقة في الحسابات الدولية والإقليمية المتصارعة في الداخل السوري، وهي كثيرةٌ ومتشعبة، وهو ما تشير إليه المواقف اليومية الصادرة من عواصم عالمية على تماسّ مع الوضع السوري، سواء في شقه السياسي أو الاجتماعي المرتبط باللاجئين، خصوصاً أنه سيكون لتداعيات العملية التركية تأثير مباشر على العملية السياسية، أو تدفق مزيد من اللاجئين إلى الدول الأوروبية.
مواقف هذه الدول ومعارضتها العملية التركية يمكن تفهّمها، ولكن وسط هذا الصراع السياسي الدولي، يبرز الموقف السعودي، والذي لا ناقة له ولا جمل في الوضع السوري، ولا يقدّم ولا يؤخر فيه، ليظهر استنفاراً كاملاً ضد العملية التركية، سواء عبر الإعلام الموالي له أو عبر تجنيد الدول التي تدور في فلكه، لإصدار مواقف تدين هجوم شرق الفرات. إدانة بالتأكيد لا تنبع من الحرص السعودي والإماراتي والمصري على وحدة الأراضي السورية أو على سيادة البلاد ورفض التدخل الأجنبي فيها، على الرغم من أنها باتت مرتعاً لجيوش الأرض، ولا هو خوف على السوريين الذين دخلوا طوراً جديداً من الحرب عليهم من الممكن أن يزيد معاناتهم، وهم الذين يعانون منذ سنوات حرب إبادة غضت السعودية الطرف عنها، بل وكانت أحد عناصر تأجيجها، قبل أن تنسحب وتنشغل في حروب أخرى. موقف السعودية ووكلائها لا يمكن فهمه إلا في إطار المناكفة مع "الخصم" التركي، ومحاولة إضعافه، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، مع أن قدرة الرياض على ذلك أقل مما تظن، لاعتباراتٍ لها علاقة بالموقع التركي الجيوسياسي والمحوري بالنسبة إلى الدول الغربية.
اللافت أن الموقف السعودي أعلى بدرجات من المواقف التي تصدر عن النظام السوري، وباقي محور الممانعة، والتي لا تبدو متأزمةً من العملية التركية الحالية، إذ ربما تخدم مصالحها في وقت لاحق، على عكس الحال بالنسبة إلى الرياض، المستمرّة بالخسارة اقتصادياً وعسكرياً، وحتى بالثقل السياسي الذي لم يعد موجوداً، في نظر الغرب، إلا بقدر الأموال التي تدفعها، وهي باتت شحيحة.
هذه الهجمة السعودية الواضحة تلقفها الرئيس التركي، ولكن ليس من باب تفنيد أهدافها والتشكيك بالمشروع السعودي بالمطلق، بل بتعيير السعودية بالحرب التي تشنها في اليمن وقتل سكانه وتهديد وحدة أراضيه، وهو أمر ليس في صالح الخطاب التركي ودفاعه عن عمليته العسكرية، إذ كأن لسان حال أردوغان يقول "نحن نفعل كما تفعلون، وبالتالي لا يحق لكم لومنا". تعيير لا يمكن تبريره، إذ لا شرعية للقتل لا في سورية ولا اليمن.
مواقف هذه الدول ومعارضتها العملية التركية يمكن تفهّمها، ولكن وسط هذا الصراع السياسي الدولي، يبرز الموقف السعودي، والذي لا ناقة له ولا جمل في الوضع السوري، ولا يقدّم ولا يؤخر فيه، ليظهر استنفاراً كاملاً ضد العملية التركية، سواء عبر الإعلام الموالي له أو عبر تجنيد الدول التي تدور في فلكه، لإصدار مواقف تدين هجوم شرق الفرات. إدانة بالتأكيد لا تنبع من الحرص السعودي والإماراتي والمصري على وحدة الأراضي السورية أو على سيادة البلاد ورفض التدخل الأجنبي فيها، على الرغم من أنها باتت مرتعاً لجيوش الأرض، ولا هو خوف على السوريين الذين دخلوا طوراً جديداً من الحرب عليهم من الممكن أن يزيد معاناتهم، وهم الذين يعانون منذ سنوات حرب إبادة غضت السعودية الطرف عنها، بل وكانت أحد عناصر تأجيجها، قبل أن تنسحب وتنشغل في حروب أخرى. موقف السعودية ووكلائها لا يمكن فهمه إلا في إطار المناكفة مع "الخصم" التركي، ومحاولة إضعافه، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، مع أن قدرة الرياض على ذلك أقل مما تظن، لاعتباراتٍ لها علاقة بالموقع التركي الجيوسياسي والمحوري بالنسبة إلى الدول الغربية.
اللافت أن الموقف السعودي أعلى بدرجات من المواقف التي تصدر عن النظام السوري، وباقي محور الممانعة، والتي لا تبدو متأزمةً من العملية التركية الحالية، إذ ربما تخدم مصالحها في وقت لاحق، على عكس الحال بالنسبة إلى الرياض، المستمرّة بالخسارة اقتصادياً وعسكرياً، وحتى بالثقل السياسي الذي لم يعد موجوداً، في نظر الغرب، إلا بقدر الأموال التي تدفعها، وهي باتت شحيحة.
هذه الهجمة السعودية الواضحة تلقفها الرئيس التركي، ولكن ليس من باب تفنيد أهدافها والتشكيك بالمشروع السعودي بالمطلق، بل بتعيير السعودية بالحرب التي تشنها في اليمن وقتل سكانه وتهديد وحدة أراضيه، وهو أمر ليس في صالح الخطاب التركي ودفاعه عن عمليته العسكرية، إذ كأن لسان حال أردوغان يقول "نحن نفعل كما تفعلون، وبالتالي لا يحق لكم لومنا". تعيير لا يمكن تبريره، إذ لا شرعية للقتل لا في سورية ولا اليمن.