06 أكتوبر 2024
إسرائيل في غضب وخيبة أمل
على الرغم من تصريحات الرسميين الإسرائيليين بأن قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، سحب قواته من سورية، جاء بمعرفةٍ منهم، وبعد التنسيق معهم، فإن التحليلات والتعليقات الإسرائيلية منذ صدور القرار تُظهر العكس، وتكشف الحيرة وخيبة الأمل والغضب المكبوت حيال الخطوة المفاجئة التي بعكس مواقف سابقة لترامب، يعتبرونها مدروسةً وبعيدة المدى، وتعبّر عن تغير حقيقي في الاستراتيجية الأميركية، وفقدان الاهتمام الأميركي بمنطقة الشرق الأوسط.
وليس المهم داخل إسرائيل ما يقال عن تخلّي الأميركيين عن حلفائها وتصوير الانسحاب الأميركي خيانة لهؤلاء، فإسرائيل لا تزال الحليفة التي تحظى بدعم عسكري ومالي وسياسي واسع للغاية من إدارة ترامب، شأن كل الإدارات الأميركية السابقة، وهي لا تخاف من تغير ذلك في المستقبل المنظور، لكن مشكلة إسرائيل الفعلية تكمن في انعكاسات هذه الخطوة على أمرين أساسيين: حربها ضد الوجود العسكري الإيراني في سورية؛ وحرية عملها العسكري في الأجواء السورية واللبنانية، بعد القيود التي فرضها الروس على سلاح الجو الإسرائيلي في أعقاب إسقاط طائرة الاستخبارات الروسية بصاروخ سوري.
ثمة قناعة عميقة لدى الإسرائيليين بأن سحب ترامب قواته من سورية من دون الحصول على مقابل حقيقي من الروس جعله يخسر ورقة مقايضة مهمة في مفاوضاته مع الروس، بالنسبة لمستقبل سورية السياسي. وهم كانوا ينتظرون من ترامب أن يشترط سحب القوات الأميركية، كما كانت روسيا تطالب بشدة، بانسحاب القوات الإيرانية من هناك. وفي رأي أكثر من محلل إسرائيلي، كان من المحتمل أن تستجيب روسيا لهذا المطلب، لأنه سيعزّز هيمنتها الإقليمية في المنطقة، ويساعدها على تحقيق استقرار نظام الأسد. وعدم قيام ترامب بذلك في نظرهم تضييع لفرصةٍ حقيقيةٍ للضغط على الروس، وإخراج إيران من سورية.
تدرك إسرائيل، مثل سائر دول المنطقة، أن خروج القوات الأميركية من سورية يجعل الملف
السوري برمته في يد روسيا، ويزيد من قدرة الأخيرة على فرض مواقفها، وربما تشديد القيود المفروضة على أي تحرّك جوي إسرائيلي في الأجواء السورية، وليس مستبعدا أن تشمل هذه القيود الأجواء اللبنانية أيضاً. ويشكل هذا مشكلة حقيقية لإسرائيل في المرحلة الحالية التي تعتبر نفسها في ظل تهديد مباشر من القوات العسكرية الإيرانية الموجودة في سورية والمليشيات الشيعية الموالية لها هناك، ومن جانب حزب الله في لبنان. كما لا بد أن ينعكس هذا التطور على العقيدة العسكرية التي عكفت إسرائيل على تطبيقها في السنوات الأخيرة، والمعروفة باسم "معركة بين الحروب". وثمّة شكوك في أن إسرائيل ستبقى قادرةً على تطبيق هذه النظرية بحرية من دون إثارة غضب روسيا بعد انسحاب القوات الأميركية.
صحيح ما قاله ترامب من أن إسرائيل ليست في حاجةٍ إلى وجود قوات أميركية في سورية، وهي تواجه ما تعتبره أخطاراً تُحدق بها، لكن خطوة ترامب أكّدت لإسرائيل عدم رغبته في الدخول في أي مواجهةٍ عسكريةٍ مباشرة مع الإيرانيين في سورية. صحيح أيضاً أن الولايات المتحدة تتولى مواجهة إيران على الصعيد الاقتصادي، بفرض العقوبات الاقتصادية عليها، لكن تعظيم ترامب تأثير هذه العقوبات، وذهابه إلى حد القول إنها دفعت إيران إلى تغيير سياستها، هو ما يقلق الإسرائيليين الذين لم يلمسوا أي تغيير في السياسة الإيرانية، سواء في استمرار سعيها إلى إقامة ممر بري ينطلق من إيران، ويمر بالعراق وسورية ويصل إلى لبنان، والذي من المحتمل جداً أن يسرّع خروج الأميركيين، وتراجع القوات الكردية في بعض المناطق في تحقيقه؛ أو من خلال مواصلتها دعم تنظيماتٍ معادية لها، مثل حزب الله، والسعي إلى إيجاد موقع عسكري متقدم لها في هضبة الجولان السورية في مواجهة إسرائيل.
تتعلم إسرائيل من حسابها الخاص ثمن التعامل مع رئيس أميركي، هو رجل أعمال بنى ثروته من تجارة العقارات والصفقات التجارية، ولا يفقه شيئاً في التاريح السياسي، وليس لديه إيديولوجيا فكرية أو رؤية معينة، بل فقط أجندة اقتصادية. وفي ظل تحكّم المصالح المالية والاقتصادية فقط في سياسات هذا الرئيس، لا يستبعد الإسرائيليون مجيء يوم يرى فيه ترامب فائدة اقتصادية من التعامل مجدّداً مع إيران، ويرفع العقوبات الاقتصادية عنها، ويترك إسرائيل فعلاً في مواجهة الوحش الذي خلقته بنفسها، وسمّته "الخطر النووي الإيراني".
وليس المهم داخل إسرائيل ما يقال عن تخلّي الأميركيين عن حلفائها وتصوير الانسحاب الأميركي خيانة لهؤلاء، فإسرائيل لا تزال الحليفة التي تحظى بدعم عسكري ومالي وسياسي واسع للغاية من إدارة ترامب، شأن كل الإدارات الأميركية السابقة، وهي لا تخاف من تغير ذلك في المستقبل المنظور، لكن مشكلة إسرائيل الفعلية تكمن في انعكاسات هذه الخطوة على أمرين أساسيين: حربها ضد الوجود العسكري الإيراني في سورية؛ وحرية عملها العسكري في الأجواء السورية واللبنانية، بعد القيود التي فرضها الروس على سلاح الجو الإسرائيلي في أعقاب إسقاط طائرة الاستخبارات الروسية بصاروخ سوري.
ثمة قناعة عميقة لدى الإسرائيليين بأن سحب ترامب قواته من سورية من دون الحصول على مقابل حقيقي من الروس جعله يخسر ورقة مقايضة مهمة في مفاوضاته مع الروس، بالنسبة لمستقبل سورية السياسي. وهم كانوا ينتظرون من ترامب أن يشترط سحب القوات الأميركية، كما كانت روسيا تطالب بشدة، بانسحاب القوات الإيرانية من هناك. وفي رأي أكثر من محلل إسرائيلي، كان من المحتمل أن تستجيب روسيا لهذا المطلب، لأنه سيعزّز هيمنتها الإقليمية في المنطقة، ويساعدها على تحقيق استقرار نظام الأسد. وعدم قيام ترامب بذلك في نظرهم تضييع لفرصةٍ حقيقيةٍ للضغط على الروس، وإخراج إيران من سورية.
تدرك إسرائيل، مثل سائر دول المنطقة، أن خروج القوات الأميركية من سورية يجعل الملف
صحيح ما قاله ترامب من أن إسرائيل ليست في حاجةٍ إلى وجود قوات أميركية في سورية، وهي تواجه ما تعتبره أخطاراً تُحدق بها، لكن خطوة ترامب أكّدت لإسرائيل عدم رغبته في الدخول في أي مواجهةٍ عسكريةٍ مباشرة مع الإيرانيين في سورية. صحيح أيضاً أن الولايات المتحدة تتولى مواجهة إيران على الصعيد الاقتصادي، بفرض العقوبات الاقتصادية عليها، لكن تعظيم ترامب تأثير هذه العقوبات، وذهابه إلى حد القول إنها دفعت إيران إلى تغيير سياستها، هو ما يقلق الإسرائيليين الذين لم يلمسوا أي تغيير في السياسة الإيرانية، سواء في استمرار سعيها إلى إقامة ممر بري ينطلق من إيران، ويمر بالعراق وسورية ويصل إلى لبنان، والذي من المحتمل جداً أن يسرّع خروج الأميركيين، وتراجع القوات الكردية في بعض المناطق في تحقيقه؛ أو من خلال مواصلتها دعم تنظيماتٍ معادية لها، مثل حزب الله، والسعي إلى إيجاد موقع عسكري متقدم لها في هضبة الجولان السورية في مواجهة إسرائيل.
تتعلم إسرائيل من حسابها الخاص ثمن التعامل مع رئيس أميركي، هو رجل أعمال بنى ثروته من تجارة العقارات والصفقات التجارية، ولا يفقه شيئاً في التاريح السياسي، وليس لديه إيديولوجيا فكرية أو رؤية معينة، بل فقط أجندة اقتصادية. وفي ظل تحكّم المصالح المالية والاقتصادية فقط في سياسات هذا الرئيس، لا يستبعد الإسرائيليون مجيء يوم يرى فيه ترامب فائدة اقتصادية من التعامل مجدّداً مع إيران، ويرفع العقوبات الاقتصادية عنها، ويترك إسرائيل فعلاً في مواجهة الوحش الذي خلقته بنفسها، وسمّته "الخطر النووي الإيراني".
دلالات
مقالات أخرى
21 سبتمبر 2024
06 سبتمبر 2024
13 اغسطس 2024