رسائل داعشية من الأردن

21 اغسطس 2018
+ الخط -
تؤكّد العملية الإرهابية في الأردن خلال الأسبوع الماضي أن تنظيم داعش ما زال قائما وقادرا على توجيه ضربات انتقامية، ما يعني أننا ما زلنا أمام خطر حقيقي، ينبغي مواجهته.
وتشير جملة من العوامل إلى أن "عملية السلط" تعكس وجود خلايا، من خارج الأردن ربما، خططت قبل أن تضرب، ويدلل على هذا الأمر حجم العملية، ونوعية التكتيك الذي استعملته هذه الخلية في التفخيخ والتفجير، ما يفيد بأن "القاعدة" وأخواتها ما زالت خطرا محدقا بأمن المنطقة. كما يكشف إخفاق المقاربة الأمنية وحدها في القضاء على هذه الجماعات ضرورة مكافحتها بفكر بديل وسطي معتدل، وتعزيز قيم الديمقراطية، فعلى الرغم من نجاح الحملات الأمنية في العراق وسورية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أن تقريرا أصدرته الأمم المتحدة يوم 13 أغسطس/ آب الحالي يبين أن ما بين عشرين ألفا وثلاثين ألفا من مقاتلي التنظيم لا يزالون في العراق وسورية، ولا يزال "داعش" قادرا على شن الهجمات.
والمتتبع لأسس تجنيد هذه التنظيمات الشباب، فإنها تقوم على دعاية من شقين: الأول، إقامة الدولة الإسلامية الموعودة بديلا من "الأنظمة الكفرية"، وتبنّي "الجهاد المقدس" ضد المحتل الأجنبي، ومواجهة الدعاية الأولى تكون بتعزيز قيم الديمقراطية، وإفساح المجال للإسلام الوسطي المعتدل، للعمل وامتصاص العواطف الدينية الموجودة لدى الشباب، وتحويلها إلى طاقات إيجابية في بناء الأوطان، فضلا عن عدم تكرار التجارب السابقة في عداء الدين، وفرض العلمنة فرضا، كالقانون الذي يجري نقاشه الآن في تونس، والذي يساوي بين الرجل والمرأة في الميراث، لأنه باختصار يولّد ردات فعل معاكسة وغاضبة، وتشدّدا مقابلا ردّا على التشدد العلماني، وينبغي عدم تكرار أخطاء الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي وتجربته.
ويواجَه خطر "داعش" وغيره بتعزيز الاستقلال الوطني، وتعزيز الحوار الأممي على قاعدة العيش المشترك والمصالح المشتركة، وإنجاح التجارب الديمقراطية، لأنها البديل الوحيد من الفوضى الهدّامة التي تسعى التنظيمات الإرهابية إلى الإفادة منها، حال حدوثها في أي بلد، والنفاذ إلى عضد الدول، فإطلالة سريعة على أماكن تغلغل التنظيم تعكس فهما لأسباب نشأته، ففي سورية ظهر عقب إفشال الثورة الشعبية هناك، وتمكّن (أو تمكين) النظام الاستبدادي القمعي من الاستمرار، في ظل حالة اللامبالاة الأميركية والدولية، والتفرّج على شلال الدم هناك من دون فعل شيء. أما في العراق، فاستغل التنظيم حالة المظلومية وشكوى واحدة من طوائف المجتمع من التهميش والإقصاء. وفي ليبيا، أفسح إصرار بعض القوى المحلية على تأجيج الصراع، ورفض أي حلول توافقية تعبر بالبلاد إلى الأمن ولاستقرار، المجال لهذه التنظيمات للاستمرار في العمل. وأخيرا، ولاية سيناء في مصر التي ولدت عقب إجهاض التجربة الديمقراطية هناك.
صحيحٌ أن التنظيمات الجهادية القاعدية تتبنّى خطابا جهاديا أيديولوجيا، لكنه خطاب يخفي تحته مصالح ومظلومية خفية، وفقا لدراسات أكاديمية وتقارير صحافية أجنبية كثيرة، ففي العراق أوضحت أكثر من دراسة أجنبية أن تنظيم داعش هناك تكوّن على أيدي قيادات بعثية، بعيدة كل البعد عن الفكر الديني، لكنها لجأت له وسيلة عاطفية للتجنيد والتحشيد، ردا على ممارسات الحكومة الطائفية التي كانت قائمةً برئاسة نوري المالكي. كما أن ما تكشفه الصحف الأجنبية عن خلفيات بعض الذين انضموا لتنظيم الدولة في سورية والعراق، وعدم وجود أي ميول دينية لديهم قبل ذلك، يؤشّر على أن المشكل ليس في التشدّد فقط، كما تحاول نظم الاستبداد ترويجه، بل أيضا في غياب الفكر الراشد، ومحاصرة الدعاة المعتدلين، جرّاء الإصرار الحكومي على تأميم المساجد ومراكز الدعوة، وتحويلها إلى مراكز أمنية تتبع للدولة، ومصانع تعلب الأفكار الحكومية في قوالب دينية، تخفق دوما في إقناع الناس بما تدعو إليه. ونتيجة لذلك، تتصيّد هذه التنظيمات الشباب الغاضب والمحبط.
أخيرا بطبيعة الحال، التردي الاقتصادي، وغياب التنمية، وتغوّل الفساد، عوامل بالغة الأهمية في إحباط الشباب، وجعلهم عرضة للوقوع في شبك تلك التنظيمات.
C2A96DF8-EEBE-40B9-B295-1C93BEABA19C
محمد أمين
كاتب وإعلامي فلسطيني مقيم في لندن، أكمل الماجستير في الإعلام في جامعة برونل غرب لندن.عمل صحافياً ومنتجاً تلفزيونياً لعدد من البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية لصالح عدد من القنوات العربية والأجنبية، يكتب حالياً في شؤون الشرق الأوسط ويختص في الشأن الفلسطيني.