هذه ضربات انتفاضة العراق

19 اغسطس 2018
+ الخط -
تستمر انتفاضة العراق التي بدأت في الشهر الماضي (يوليو/ تموز)، وتتطور في مختلف مدن الجنوب، لتتوسع فيها نقاط الأحتجاجات في الضواحي وأنحاء المدن، وتنظم الاعتصامات الليلية في أماكن عديدة، فيما ينظم شبابها ورجالها تنسيقيات إدارة التظاهرات والاحتجاجات فيها، ويتجهون إلى انتخاب قيادة عامة لها. والأهم أن الإصرار في مواجهة المنطقة الخضراء واسترداد حقوق الشعب قد حل محل المطالب الخدمية، ووضعها جانبا، ليطالب برحيل ساسة المنطقة الخضراء وبرلمانها، وليصبح المطلب الأول والأخير هو استرداد العراق من براثن من جاء بعد 2003. هذا التطور النوعي في أنتفاضة شباب العراق نقلة تاريخية في مسار الاحتجاجات التي يشهدها العراق منذ 15 عاما، نقل المواجهة الشعبية مباشرة مع رجال المنطقة الخضراء، ليهتف المتظاهرون "إما نحن أو أنتم"، ليس ذلك فحسب، فهذه الأنتفاضة قد حققت نجاحاتٍ مهمة، لم تصل إليها سابقاتها، منها كسر حاجز الخوف تماما، المتمثل بما تسمى في العراق "الخطوط الحمراء"، من المرجعية وممثليها والأحزاب الإسلامية، ليس فقط حزب الدعوة، صاحب أكبر رصيد من الفساد والفاسدين، والمسوؤلية الكبيرة في ما وصل إليه حال البلاد والعباد منذ 2003، بل وصل الغضب والسخط إلى التيار الصدري، ومعه كتلة سائرون.
وتساءل شباب التظاهرات: أين هم المطالبون بالتغيير والإصلاح والمدنية؟ لماذا لم ينزلوا معنا؟ لماذا لا يتظاهرون مع المحرومين والمظلومين؟ في إشارة إلى المدنيين والشيوعيين الذين جيروا، كالعادة، بعض التظاهرات لصالحهم، وخصوصا في الخارج، وليرفعوا فيما بعد صورهم من صفحات التواصل الاجتماعي، لإخفاء خروجهم في تظاهراتٍ ضد أصدقائهم في المنطقة الخضراء.
الخط الأحمر التالي الذي سقط سقوطا مروّعا هو إيران، وكل مشروعها، في هتاف "إيران برّه برّه بغداد تبقى حرة". أسقطت التظاهرات في بضعة أيام صرح إيران الذي بنته صحيفة 
أطلاعات، وحرسها الثوري وإعلامها وقنواتها الإعلامية ومكاتبها التي تبث سموم الفتنة والطائفية، بمعية أدواتها المنتشرة في العراق، بأشكال متنوعة وفعالة منذ دخول الغزاة. لقد انتشر شعار هذا الهتاف، وتلقفه المتظاهرون والبسطاء الذين خرجوا يطالبون بحقوقهم، وبوطن أضاعوه، ليعبروا عن مشاعر غضب طفح بها الكيل، يعيشونها في حياتهم اليومية، ويعانون منها، بسبب الوجود والنفوذ الإيرانيين. وهكذا أنهارت أحلام إيران وأطماعها التي ترى العراق إيرانيا.
وللمرة الثانية، ينتصر الشعب العراقي للعراق وللأمة العربية من "تصدير الثورة الإيرانية"، ويواجهها برفض شعبي، خرج هذه المرة من أعماق المعاناة والمجاورة للعقلية العنصرية واللصوصية التجارية الإيرانية الخاصة والغريبة على الشارع العراقي . لقد تحطّم مشروع إذلال الشعب العراقي وإخضاعه، حينما ردّد شبابٌ اعمارهم بين 18- 26 عاما: "الشعب العراقي ما ينذل". أعاد هذا الجيل الذي كانت أعمار أبنائه لا تتجاوز 5-10 سنوات إبّان الغزو مفهوم الوطنية، والدفاع عن الوطن، حينما هتف وكتب لافتات "لا نريد لا ماء ولا كهرباء نريد وطنا".. ومزّقت شعاراته وهتافاته المحاصصة والطائفية التي نخرت مؤسسات الدولة والمجتمع العراقي، وأسّست لتفرقة وطبقية مقيتة، أحرقت تقاليد وعادات مجتمع اعتدّ على الدوام بترابطه الاجتماعي وعلاقاته الوشيجة بين أبنائه "بعد ما نسكت مو عوايدنا السجود"، ليهشّم واحدةً من أخطر أدوات الاحتلال الأميركي والإيراني وأحزابه السياسية.
من رحم معاناة أبناء شعب العراق، خرجت كل هذه الأصوات المقهورة والغاضبة والهادرة، ترفض العراق الأميركي – الإيراني، وتبعاته الكارثية التي عاشها في وجوده لتقود حركة وطنية، تعتبر واحدة من المعارك الكبرى أمام أقوى القوى العسكرية والأستعمارية وأعتاها في العالم، أجساد ضعيفة وأطفال تحرّكهم النخوة على شعبهم وبلدهم، يواجهون الهيمنة الإيرانية والمنطقة الخضراء، وماكنتها العسكرية والدبلوماسية الضخمة الموجودة على أرض الرافدين بشعار "لن.. لن نتراجع عن مطالبنا وحقنا في التغيير حتى الموت". .. بهذه العزيمة، ترفد هذه الانتفاضة، بشكل قوي، المعارضة الوطنية للاحتلال، وتلتحق بالمقاومة الأم التي بزغت مبكرا ضد الاحتلال، والتي لم يتصور أحدٌ خروجها، بعد معاناة الشعب العراقي المريرة تحت الحصار، والحرب الأميركية المستمرة منذ 1991. هذه الأنتفاضة هي أخت انتفاضة المحافظات الغربية التي خرجت ضد الظلم والتعسّف والقهر والقتل والطائفية وبيع الوطن، كلاهما انتفاضتان تسيران في خط المقاومة العراقية الوطنية لتحرير العراق، وتخليصه من الاحتلال واستعادة سيادته.
065C781D-CEC8-48F5-8BB1-44AD7C46983D
065C781D-CEC8-48F5-8BB1-44AD7C46983D
ولاء سعيد السامرائي

كاتبة وصحفية عراقية مقيمة في باريس

ولاء سعيد السامرائي