للشعب لا للمعارضة

02 يونيو 2018
+ الخط -
السوريون في مزاج سيئ، لأنهم يخافون الخروج صفر اليدين من ثورةٍ قدموا ملايين الشهداء والجرحى فيها لتحقيق وعودها: الحرية والعدالة والمساواة.
... وقد ترك سقوط الغوطة الشرقية، ثم ريف حمص الشمالي، أثراً سلبياً عليهم، وأرهقتهم صور الأطفال والنساء، وهم يُهجّرون إلى خارج مناطقهم، وأتعبتهم مشاهد البؤس على وجوه من حملوا السلاح بالأمس، ويقفون الآن في طابور العائدين إلى "حضن وطنٍ"، يعدهم بأحد خيارين: أن يحاربوا رفاقهم في المناطق الأخرى، أو يقتلهم، وليس في قاموسه كلمة شعب، كي يحترم حياته وممتلكاته، أو يتوقف عن التباهي بـ "تحريره" من الذين دافعوا عنه وحموه طوال أعوام عجاف من عصابات القتل والتعفيش.
وزاد من تعب السوريين القتل المنهجي الذي تمارسه دولتان تتباريان في العدوان عليهم، لم تُقرّا يوماً بشرعية أيٍّ من مطالبهم، أو تتعاطفا معهم، بل نافستا الأسد في اتهامهم بالإرهاب، وارتكبتا جرائم منظمة ضدهم، انسجاماً مع تاريخ استبدادي مديد وسم حكم أكاسرة فارس وقياصرة روسيا!.
لا ينسى السوريون أيضاً دور المذهبية/ المتعسكرة في هزائمهم، وتقويض سعيهم إلى مجتمع حر ونظام ديمقراطي. ولَكَمْ عبّروا عن رفضها في التظاهرات التي طالبتها بالرحيل عنهم، واستهدفت قادتها بأسمائهم في هتافات اتهمتهم بالخيانة، وبالقضاء على تفوّق الثورة الأخلاقي والقيمي على النظام، وهو تفوقٌ لعب دوراً بارزاً في إخراج الأسدية من ثلثي سورية، بالضغط الشعبي، قبل أن يعيده طيران الروس ومرتزقة إيران، والإرهابيون المحسوبون زوراً وبهتاناً على ثورةٍ هم ألدّ أعدائها.
هل ضاعت فرصة بلوغ ما أراده السوريون من ثورة تكالب عليها حلف دولي/ إقليمي/ محلي، استقدم أرهاطاً من مجرمي أفغانستان وباكستان والعراق ولبنان وإيران وروسيا إلى سورية لمحاربتهم وارتكاب أشنع الفظائع ضدهم؟. لا أعتقد شخصياً أنها الفرصة، لو كانت حقوقنا مرتبطةً بالمعارضة السياسية والعسكرية، وما هما فيه من تهافت وعجز، لقلنا: نعم خسرنا المعركة، وضاعت منا سانحة الحرية التي صنعها ملايين مواطناتنا ومواطنينا بتضحياتهم، خصوصاً وأن العالم لا ولن يقر بالحق في الحكم أو بالسيطرة على المجال السياسي الوطني لمعارضةٍ أثبتت، خلال سبعة أعوام ونيف، أنها ليست، ولا تنوي أن تكون ثورية، ولا ترغب في امتلاك نهجٍ يقرّبها من الواقع ومصالح الشعب العليا، تخبطت طوال هذه المدة الطويلة نسبياً في أخطاء ترفض تصحيحها، وأدمنت الارتجال، وتبنّي سياسات متقطعة ولحاقية، جزئية ومليئة بالأخطاء.
لكن الثورة لم تكن هذه المعارضة التي همشت نفسها إلى حدٍّ جعل أصدقاءنا القلقين على حقوقنا يتساءلون بمرارة: هل ما زالت المعارضة موجودة حقاً جهة تمثل السوريين؟. لم تتطابق الثورة مع المعارضة، ولم تكن المعارضة مساويةً للثورة أو ممثلة لها في معظم سنوات النضال في سبيل الحرية. الثورة هي الشعب الذي هتف للحرية، وهي أيضاً الحرية التي عبرت عن نفسها في هتافات وتضحيات الملايين الذين نزلوا إلى الشوارع، مطالبين بها للشعب السوري الواحد الذي لن يستطيع أحد تجاهل تضحياته من أجل حقوقهم، وطول المدة التي قاوم خلالها الأسدية، وواجه خلالها حملات الإبادة، لكنه استمر في ثورته، على الرغم من افتقاره قيادة ثورية.
لن يستطيع العالم تجاهل تضحيات الشعب السوري. ولن يغامر أحد بإخراجه صفر اليدين من تمرّد سقى خلاله ورود حريته بزكيّ دمائه، وواجه سنواتٍ استبداداً لم يواجه أحد قبلهم ما يماثله، من دون أن يستسلموا، فهل يعقل أن يقبلوا الرضوخ من جديد، ومن دون مقاومة نظام أخرجوه من أنفسهم وواقعهم، لا تعني عودته إلى مناطقهم إطلاقاً عودتهم إليه.
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.