رسائل إيران التطمينية إلى إسرائيل

29 مايو 2018
+ الخط -
لم تأخذ إيران وقتاً طويلاً في دراسة المطالب الأميركية الاثني عشر، والتي تنحصر النقاط الأهم فيها بما يتعلق بحماية الأمن الإسرائيلي، لجهة وجود قوات إيرانية على الحدود السورية الأردنية والسورية "الإسرائيلية"، ولجهة تطوير برنامجها النووي والصاروخي، وبدأت الرد الجاد والفوري، بأقرب الطرق إلى قلب إسرائيل برسالة "طمأنة" نشرتها عبر لقاء السفير الإيراني في الأردن، مجتبي فردوسي بور، مع صحيفة الغد الأردنية، حيث أوضح أن توزيع قوات إيران في سورية لا يشمل منطقة الجنوب، أي أن قوات الممانعة الإيرانية لم ولن تقترب من خطوط التماس مع إسرائيل، لا سابقاً ولا مستقبلاً، ما يجعل الطلب الأميركي المتعلق بوقف التهديدات الإيرانية لجيرانها حلفاء الولايات المتحدة، والتوقف عن التهديد بإزالة إسرائيل قيد التنفيذ الفعلي والفوري من إيران "المقاومة والممانعة".
وربما ليس من قبيل المصادفة، أو توارد الأفكار أن يتزامن الرد الإيجابي من إيران على إسرائيل مع تصريحاتٍ سوريةٍ بأن انسحاب القوات الإيرانية وحزب الله من سورية غير مطروح للنقاش، ما يعني أن اتفاقاً من تحت الطاولة مرّر، من الجهتين المعنيتين بالمطالب الأميركية (إيران وحزب الله) مع إسرائيل، يلتزم به المعنيان بحماية الحدود الإسرائيلية، بدلاً من تهديدها، ويصبح وجودهما في سورية ضمن اتفاق الهدنة المعمول به سورية منذ حرب
أكتوبر/ تشرين الأول 1973، وهو بالضمانة الروسية الحليفة للطرفين، السوري والإسرائيلي، ما يفتح الخيارات من جديد أمام آلية تنفيذ ما تبقى من البنود الإثني عشر التي يقع معظمها في خانة المصالح الإسرائيلية، بما فيها البرنامج النووي والصاروخي، ودعم المنظمات الإرهابية. ولعل هذا ما يجعل التزامن في الرّدين، السوري على المطلب الروسي بشأن إخراج القوات الأجنبية من سورية، والإيراني على المطلب الأميركي بوقف التهديد لإسرائيل.
يبدو أن النظام السوري التقط اللحظة المناسبة له، ليدخل بازار المساومة الدولية. من جهةٍ، مع إيران وروسيا، لتوسيع حصته داخل التفاهمات التي تعقدها روسيا مع تركيا، ومن جهةٍ ثانيةٍ، مع إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة، فالإعلان عن شرعية الوجود الإيراني المساوية لشرعية الوجود الروسي في سورية، بعد أيام من لقاء بوتين بالأسد في سوتشي (17 مايو/ أيار الجاري)، وبعد يومين من إعلان الولايات المتحدة استراتيجيتها تجاه إيران، يفيد بأن ثمة خياراتٍ موضوعة على طاولة النظام السوري، منها الحفاظ على دوره الوظيفي في تطويع عملية خلط أوراق التحديات في المنطقة، وتبديل الأولويات، من الصراع ضد إسرائيل إلى الصراع ضد الإرهاب، ما يجعل من هذا الدور محورياً في عملية تقارب إيران وحلفائها مع إسرائيل، وهو في الوقت نفسه يمثل مصلحةً روسيةً في إبعاد خطر الحرب عن مناطق نفوذها في سورية، كما أنه يمثل رسالة تهدئة للولايات المتحدة، تمنحه بعض الوقت لمتابعة تغييره الواقع الميداني في سورية التي لن يتركها لخريطة "اتفاقات أستانة" التي تمنح تركيا حصته في إدلب.
لذلك ليس من الصواب الاستعجال في تقدير واقع خلاف روسي إيراني قادم في المنطقة، كما أنه من المبكر جداً قراءة الرد السوري على أنه يدخل العلاقات السورية الروسية في مرحلة تأزم ومواجهة، بقدر ما يمكن قراءة تصريحات نائب وزير الخارجية، فيصل المقداد، على أنها تلاعب روسي بالرد على المطالب الأميركية الإثني عشر، والتي قرأت روسيا فيها ما يقلل من احترام نفوذها في المنطقة، وبالتالي يخرجها من أي دور مستقبلي في عملية المقايضة على ملف الوجود الإيراني في سورية، وهو ما هيأ لرد إيراني، عبر الإعلام الأردني، يحمل بين طياته رؤيةً لمستقبل العلاقات الهادئة مع إسرائيل.
يمكن القول إنه من جديد تلعب إسرائيل دور الحكم في المنطقة عامة، وفي الصراع على سورية خصوصا، وتمارس من خلال الضربات المركزة والفاعلة على مراكز نفوذ إيران
العسكرية في سورية الضغوط اللازمة لتحجيم دورها، وردع أدواتها عن التحرّك خارج المساحات المرسومة لهم، ما يعني أن أي وجود إيراني، بعد المطالب الأميركية في سورية ولبنان، هو بموافقة إسرائيلية، وتحت الحماية الأميركية، ليسقط كلياً عنها قناع المقاومة والممانعة، وتتحول بدورها الوظيفي، من التخريبي والطائفي الذي مارسته في كل من العراق ولبنان واليمن وسورية، إلى دور الشرطي الذي يحمي إسرائيل من جهة، ويكون بمثابة العصا الأميركية في المنطقة من جهة ثانية.
رسائل التطمين الإيرانية إلى إسرائيل بابتعادها عن حدودها ستعقبها رسائل عديدة، كما سبقتها رسالة تدمير مخيم اليرموك في جنوب دمشق، وتحويله إلى أثرٍ بعد عين، ثم ملاحقة ما بقي من ذلك الأثر "بالتعفيش" لكل ما يمكن الاستناد إليه في ذاكرة الفلسطينيين، من حق العودة إلى الجغرافيا التي تجمعهم في مخيمٍ إحدى أهم علاماته تمسّك ساكنيه بهويتهم، وابتكارهم وطناً مصغراً يرسمون فيه أحلام وطنهم فلسطين، أي أن مقدّمات إيران كثيرة، لكن مهر رضا إسرائيل على ما يبدو أكثر، ولا يمكن التكهن بمدى القبول بهذه التطمينات، إلا عندما ترفع إسرائيل جاهزيتها القتالية إلى أقصى درجاتها، أو تنهيها إلى حالة الأمان والاستقرار الذي تضمنه لها إيران، بالتحاقها بحرس حدود إسرائيل، سورياً ولبنانياً.
930EB9D8-8BB0-4CDA-8954-FE630C4A380F
سميرة المسالمة

كاتبة وصحافية سورية، رئيسة تحرير جريدة تشرين سابقاً، نائب رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية