27 مارس 2018
الدبلوماسية المغربية والأزمة الليبية
جمعة القماطي
ناشط سياسي وأكاديمي ليبي، تولى مهمة منسق المجلس الوطني الانتقالي الليبي في بريطانيا خلال شهور الثورة الليبية عام 2011، عضو لجنة الحوار السياسي وأحد الموقعين على الاتفاق السياسي الليبي (الصخيرات) في ديسمبر 2015، ويرأس حزب التغيير في ليبيا.
عادت جهود الدبلوماسية المغربية الهادئة في التقريب بين الفرقاء الليبيين، حيث استضافت الرباط، في الأيام الماضية، اجتماعات مهمة بين رئيس مجلس النواب في طبرق، عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة في طرابلس، خالد المشري. كما اجتمع صالح مع وفد من مدينة مصراتة، يضم أعضاء مجلس النواب من المدينة المقاطعين جلسات المجلس، طوال السنوات الماضية.
وهذه ليست المرة الأولى التي يستضيف فيها المغرب حواراتٍ ومفاوضاتٍ على مستوى عال بين أطراف الصراع الرئيسة في ليبيا، فقد أشرفت الأمم المتحدة على الحوار السياسي الليبي الذي انطلق، في سبتمبر/أيلول 2014، من داخل ليبيا، ثم انتقل إلى جنيف والجزائر، وكانت مراحله الأخيرة في مدينة الصخيرات المغربية، حيث تم توقيع الاتفاق السياسي الليبي هناك، في ديسمبر/كانون الأول 2015، والذي أصبح يُعرف باتفاق الصخيرات.
ليس المغرب دولة جارة مباشرة جغرافيا بحدود مشتركة مع ليبيا، لكنها قريبة جدا سياسيًا وثقافيًا وتاريخيًا، فالمغرب وليبيا ينتميان، مع أشقائهما في تونس والجزائر وموريتانيا، إلى الفضاء المغاربي الواحد، وإلى اتحاد المغرب العربي، الكيان الذي وُلد في 17 فبراير/شباط عام 1989، وهي الذكرى نفسها من كل عام لاندلاع الثورة الليبية لاحقًا عام 2011. ولم ينل اتحاد المغرب العربي نجاحا كثيرا في تفعيله ككتلة سياسية واقتصادية، تمتلك عوامل قوة كامنة من التجانس والتكامل.
تاريخيًا، ارتبطت ليبيا في الحقبة الملكية (1951-1969) تحت قيادة الملك الراحل، إدريس السنوسي، بعلاقات قوية مع المملكة المغربية، خصوصا بقيادة الملك الراحل الحسن الثاني الذي اعتلى العرش عام 1961، ولكن العلاقات الرسمية بين ليبيا والمغرب ساءت كثيرًا بعد وصول القذافي إلى السلطة عام 1969، حيث سعى إلى إطاحة حكم الحسن الثاني، بدعم ما عُرفت بمحاولة انقلاب الصخيرات الشهيرة عام 1971. وعادت الصخيرات لاحقًا إلى الارتباط مع ليبيا، وكأنها على موعد مع التاريخ، من خلال احتضان التوافق والاتفاق السياسي الليبي عند توقيع اتفاقية الصخيرات.
دعم المغرب الثورة الليبية، خصوصا من خلال التعاطف والتأييد الشعبي الكبير، وتنفّس الصعداء بنهاية نظام القذافي الذي كان داعمًا رئيسيًا قويًا لجبهة البوليساريو في صراعها مع المغرب في قضية الصحراء، كما أصبح المغرب يعوّل على استقرار ليبيا بنظام وتوجه سياسي جديد، يمنحه فرصة كسب حليف سياسي، وربما تحوّل استراتيجي لصالحه في قضية الصحراء، بالإضافة إلى ذلك تشكل ليبيا بالنسبة للمغرب شريكَا اقتصاديًا مهمًا كمصدر للنفط والطاقة، وسوقًا مهمًا للأيدي العاملة المغربية الماهرة، وأيضًا الاستثمارات الليبية في المغرب، كما يعتبر المغرب وجهة سياحية للزائرين الليبيين.
يرى بعضهم أن هناك صراعًا خفيًا بين الجزائر والمغرب بشأن الاستحواذ بدور محوري فاعل في الملف الليبي، ومحاولة تهميش كل منهما الآخر والحد من دوره، غير أن المعطيات الجيوسياسية والدوافع في التعامل مع الملف الليبي مختلفة بين الدولتين، فالجزائر تربطها حدود مشتركة مباشرة مع ليبيا بطول 700 كم تقريبا، الأمر الذي يشكل تهديدا أمنيًا مباشرًا عليها، من خلال تهريب السلاح وحركة الجماعات الإرهابية، لا سيما بعد التأكد من تسرّب أسلحة من ليبيا إلى جماعاتٍ قامت بعمليات إرهابية داخل الجزائر. كما تحرص الجزائر على المحافظة على توازن استراتيجي مهم داخل ليبيا، بحيث لا يسمح لدول، مثل مصر والإمارات وفرنسا، بالسيطرة الكاملة على المشهد الليبي، وعلى القرار السياسي والعسكري في ليبيا، وبالتالي إيجاد تهديد مباشر للجزائر على حدودها الشرقية.
لقد جلب حرص الجزائر على وجود توازن في ليبيا لها تهمًا مجحفة، على أنها منحازة إلى الطرف السياسي الليبي في طرابلس، على حساب الطرف الليبي المدعوم من الإمارات ومصر وفرنسا في شرق ليبيا، وينظر هذا الطرف إلى الجزائر على أنها ليست محايدة تماما. وفي المقابل، تحرص الدبلوماسية المغربية على توظيف النظرة السائدة لدى كل أطراف الصراع في ليبيا تجاه المغرب بأنه طرف محايد، يمكن أن يلعب دورا إيجابيا نموذجيا في حل الأزمة الليبية، كما تحرص الدبلوماسية المغربية دائما على تأكيد محافظتها على الحياد الإيجابي في الأزمة الليبية، والوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف. كما يرى محللون سياسيون أن المغرب يحظى بثقة فاعلين دوليين في الملف الليبي، كفرنسا ودول خليجية أصبح لها تدخّل مباشر في ليبيا.
يعتبر المغرب اتفاق الصخيرات إنجازا تاريخيا مهما، يحسب لدبلوماسيته الهادئة، البعيدة عن الأضواء والصخب الاعلامي. ويُحسب لقدرته كذلك على المحافظة على قنوات تواصل فاعلة مع كل أطراف الصراع الليبي، ومنها التشكيلات العسكرية، وكسب ثقة هذه الأطراف. ومما يؤكد هذه الثقة تصريحات رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، قبل أيام، في 24 إبريل/نيسان، في الرباط، بعد ختام اجتماعه أخيرا مع رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، هناك، أن المغرب سيكون له دور ريادي أكبر في ما يخص تسريع وتيرة تسوية الأزمة الليبية. وقد صرّح صالح، قبيل مغادرته الرباط، أنه طلب من الحكومة المغربية أن تحثّ الأطراف الليبية، وأيضًا مبعوث الأمم المتحدة غسّان سلامة، على العمل على تسريع وتيرة حل الأزمة، والتقدم بالاقتراح المطلوب لتعديل الاتفاق السياسي، حتى تخرج ليبيا من أزمتها الراهنة.
هل سيسجل التاريخ نجاحًا باهرًا للدبلوماسية المغربية الناعمة في استكمال ما أنجز في اتفاق الصخيرات، بإحداث الانفراج المنشود في الانسداد السياسي، بحيث تتوصل الأطراف الليبية إلى حل نهائي، ويحسب ذلك لصالح المغرب بلدا تم على أرضه صنع السلام الذي قاد إلى استقرار ليبيا؟ ستكشف الأسابيع والشهور المقبلة مدى تحقق هذا الأمل المنشود.
وهذه ليست المرة الأولى التي يستضيف فيها المغرب حواراتٍ ومفاوضاتٍ على مستوى عال بين أطراف الصراع الرئيسة في ليبيا، فقد أشرفت الأمم المتحدة على الحوار السياسي الليبي الذي انطلق، في سبتمبر/أيلول 2014، من داخل ليبيا، ثم انتقل إلى جنيف والجزائر، وكانت مراحله الأخيرة في مدينة الصخيرات المغربية، حيث تم توقيع الاتفاق السياسي الليبي هناك، في ديسمبر/كانون الأول 2015، والذي أصبح يُعرف باتفاق الصخيرات.
ليس المغرب دولة جارة مباشرة جغرافيا بحدود مشتركة مع ليبيا، لكنها قريبة جدا سياسيًا وثقافيًا وتاريخيًا، فالمغرب وليبيا ينتميان، مع أشقائهما في تونس والجزائر وموريتانيا، إلى الفضاء المغاربي الواحد، وإلى اتحاد المغرب العربي، الكيان الذي وُلد في 17 فبراير/شباط عام 1989، وهي الذكرى نفسها من كل عام لاندلاع الثورة الليبية لاحقًا عام 2011. ولم ينل اتحاد المغرب العربي نجاحا كثيرا في تفعيله ككتلة سياسية واقتصادية، تمتلك عوامل قوة كامنة من التجانس والتكامل.
تاريخيًا، ارتبطت ليبيا في الحقبة الملكية (1951-1969) تحت قيادة الملك الراحل، إدريس السنوسي، بعلاقات قوية مع المملكة المغربية، خصوصا بقيادة الملك الراحل الحسن الثاني الذي اعتلى العرش عام 1961، ولكن العلاقات الرسمية بين ليبيا والمغرب ساءت كثيرًا بعد وصول القذافي إلى السلطة عام 1969، حيث سعى إلى إطاحة حكم الحسن الثاني، بدعم ما عُرفت بمحاولة انقلاب الصخيرات الشهيرة عام 1971. وعادت الصخيرات لاحقًا إلى الارتباط مع ليبيا، وكأنها على موعد مع التاريخ، من خلال احتضان التوافق والاتفاق السياسي الليبي عند توقيع اتفاقية الصخيرات.
دعم المغرب الثورة الليبية، خصوصا من خلال التعاطف والتأييد الشعبي الكبير، وتنفّس الصعداء بنهاية نظام القذافي الذي كان داعمًا رئيسيًا قويًا لجبهة البوليساريو في صراعها مع المغرب في قضية الصحراء، كما أصبح المغرب يعوّل على استقرار ليبيا بنظام وتوجه سياسي جديد، يمنحه فرصة كسب حليف سياسي، وربما تحوّل استراتيجي لصالحه في قضية الصحراء، بالإضافة إلى ذلك تشكل ليبيا بالنسبة للمغرب شريكَا اقتصاديًا مهمًا كمصدر للنفط والطاقة، وسوقًا مهمًا للأيدي العاملة المغربية الماهرة، وأيضًا الاستثمارات الليبية في المغرب، كما يعتبر المغرب وجهة سياحية للزائرين الليبيين.
يرى بعضهم أن هناك صراعًا خفيًا بين الجزائر والمغرب بشأن الاستحواذ بدور محوري فاعل في الملف الليبي، ومحاولة تهميش كل منهما الآخر والحد من دوره، غير أن المعطيات الجيوسياسية والدوافع في التعامل مع الملف الليبي مختلفة بين الدولتين، فالجزائر تربطها حدود مشتركة مباشرة مع ليبيا بطول 700 كم تقريبا، الأمر الذي يشكل تهديدا أمنيًا مباشرًا عليها، من خلال تهريب السلاح وحركة الجماعات الإرهابية، لا سيما بعد التأكد من تسرّب أسلحة من ليبيا إلى جماعاتٍ قامت بعمليات إرهابية داخل الجزائر. كما تحرص الجزائر على المحافظة على توازن استراتيجي مهم داخل ليبيا، بحيث لا يسمح لدول، مثل مصر والإمارات وفرنسا، بالسيطرة الكاملة على المشهد الليبي، وعلى القرار السياسي والعسكري في ليبيا، وبالتالي إيجاد تهديد مباشر للجزائر على حدودها الشرقية.
لقد جلب حرص الجزائر على وجود توازن في ليبيا لها تهمًا مجحفة، على أنها منحازة إلى الطرف السياسي الليبي في طرابلس، على حساب الطرف الليبي المدعوم من الإمارات ومصر وفرنسا في شرق ليبيا، وينظر هذا الطرف إلى الجزائر على أنها ليست محايدة تماما. وفي المقابل، تحرص الدبلوماسية المغربية على توظيف النظرة السائدة لدى كل أطراف الصراع في ليبيا تجاه المغرب بأنه طرف محايد، يمكن أن يلعب دورا إيجابيا نموذجيا في حل الأزمة الليبية، كما تحرص الدبلوماسية المغربية دائما على تأكيد محافظتها على الحياد الإيجابي في الأزمة الليبية، والوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف. كما يرى محللون سياسيون أن المغرب يحظى بثقة فاعلين دوليين في الملف الليبي، كفرنسا ودول خليجية أصبح لها تدخّل مباشر في ليبيا.
يعتبر المغرب اتفاق الصخيرات إنجازا تاريخيا مهما، يحسب لدبلوماسيته الهادئة، البعيدة عن الأضواء والصخب الاعلامي. ويُحسب لقدرته كذلك على المحافظة على قنوات تواصل فاعلة مع كل أطراف الصراع الليبي، ومنها التشكيلات العسكرية، وكسب ثقة هذه الأطراف. ومما يؤكد هذه الثقة تصريحات رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، قبل أيام، في 24 إبريل/نيسان، في الرباط، بعد ختام اجتماعه أخيرا مع رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، هناك، أن المغرب سيكون له دور ريادي أكبر في ما يخص تسريع وتيرة تسوية الأزمة الليبية. وقد صرّح صالح، قبيل مغادرته الرباط، أنه طلب من الحكومة المغربية أن تحثّ الأطراف الليبية، وأيضًا مبعوث الأمم المتحدة غسّان سلامة، على العمل على تسريع وتيرة حل الأزمة، والتقدم بالاقتراح المطلوب لتعديل الاتفاق السياسي، حتى تخرج ليبيا من أزمتها الراهنة.
هل سيسجل التاريخ نجاحًا باهرًا للدبلوماسية المغربية الناعمة في استكمال ما أنجز في اتفاق الصخيرات، بإحداث الانفراج المنشود في الانسداد السياسي، بحيث تتوصل الأطراف الليبية إلى حل نهائي، ويحسب ذلك لصالح المغرب بلدا تم على أرضه صنع السلام الذي قاد إلى استقرار ليبيا؟ ستكشف الأسابيع والشهور المقبلة مدى تحقق هذا الأمل المنشود.
جمعة القماطي
ناشط سياسي وأكاديمي ليبي، تولى مهمة منسق المجلس الوطني الانتقالي الليبي في بريطانيا خلال شهور الثورة الليبية عام 2011، عضو لجنة الحوار السياسي وأحد الموقعين على الاتفاق السياسي الليبي (الصخيرات) في ديسمبر 2015، ويرأس حزب التغيير في ليبيا.
جمعة القماطي
مقالات أخرى
27 فبراير 2018