القمة الأميركية – القطرية.. تعزيز العلاقات المؤسسية وسقوط رهانات دول الحصار

15 ابريل 2018

أمير قطر وترامب في البيت الأبيض.. تفاهمات متقدمة (10/4/2018/الأناضول)

+ الخط -
مثّل لقاء القمة الذي جمع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في 10 نيسان/ أبريل 2018 في البيت الأبيض، محطة فارقة في طريق العلاقات بين البلدين عمومًا، والتحول التدريجي في موقف ترامب من الأزمة الخليجية على نحو خاص. وجاءت القمة على خلفية تطورات كبيرة ومهمة في المنطقة؛ منها فتح الملف النووي الإيراني والأزمة السورية.

خلفيات تغيير ترامب موقفه
مع بداية الأزمة الخليجية وحصار قطر، اتخذ ترامب موقفًا مؤيدًا لدول الحصار. بل ألمح، حينها، إلى أنه أدّى دورًا شخصيًّا في القرار خلال زيارته الرياض، في أيار/ مايو 2017. ففي 6 حزيران/ يونيو 2017، أي بعد يوم من إعلان الدول الخليجية الثلاث، إضافة إلى مصر، قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، غرّد ترامب على حسابه على "تويتر" قائلًا: "خلال زيارتي الأخيرة للشرق الأوسط، قلت إنه لا يمكن أن يستمر تمويل الفكر المتطرّف. فأشار الزعماء إلى قطر". ثمَ ألحق ترامب هذه التغريدة باثنتين متتاليتين، قال فيهما: "من الجيّد أن نرى أن زيارة المملكة العربية السعودية واللقاء مع الملك و50 دولة بدآ بإعطاء نتائجهما. لقد قالوا إنهم سيتبنّون موقفًا أشد حزمًا في التعامل مع تمويل التطرّف، وكانت كل التلميحات تشير إلى قطر. ربما سيكون هذا الأمر بداية نهاية الإرهاب".

غير أن موقف ترامب أخذ يتغير تدريجيًا تحت ضغوط وزارتي الخارجية والدفاع، وكذلك مع قراءته التقارير الواردة من مؤسساته، وتطور استيعابه للموضوع. وبحسب مراقبين، فإن موقف ترامب تغير نحو الدوحة في الأشهر الأخيرة تغيّرًا كبير؛ وصولًا إلى الاعتراف بها "حليفًا رئيسًا". وبحسب مسؤول كبير في الإدارة الأميركية، أصبح ترامب اليوم أشد "تعاطفًا" مع موقف قطر ضد الحصار الذي فرضته عليها الدول الأربع.
اتبعت قطر إستراتيجية فصلت فيها بين علاقتها بالولايات المتحدة الأميركية وعلاقتها بدول الحصار، فركزت على إيجاد حل للخلافات مع الولايات المتحدة، وتذليل الصعوبات والعقبات التي تحول دون ترتيب العلاقات مع البيت الأبيض، وقد نجحت في إستراتيجيتها هذه.
بدأ التغيير في موقف ترامب من قطر، منذ أيلول/ سبتمبر 2017، وذلك بعد اللقاء الذي جمعه بأمير قطر على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، فقد أشاد ترامب بالشيخ تميم، ووصف العلاقة بينهما بـ "الصداقة الطويلة". كما أكد حينها التزامه حل الأزمة الخليجية "سريعًا جدًّا"، معتبرًا أن العلاقات الأميركية مع قطر ليست محصورةً في الأزمة الخليجية، بل تشمل "التجارة المتبادلة وقضايا أخرى كثيرة. ونحن لدينا علاقات ممتازة". وقد مهد لقاء القمة بين الزعيمين، في أيلول/ سبتمبر 2017، الطريق أمام تدشين الحوار الإستراتيجي الأميركي - القطري أواخر كانون الثاني/ يناير 2018، والذي جرى في واشنطن، برعاية وزراء الخارجية والدفاع من البلدين. وعلى الرغم من أن ذلك الحوار كان الأول من نوعه بين الطرفين، فإنه تمَّ الاتفاق على تحويله إلى منتدى حوارٍ إستراتيجي سنوي بينهما. واعتبر البلدان حينها أن عقد ذلك الحوار ومأسسته دليلٌ على قوة العلاقات الثنائية بينهما، و"أسس لرؤية مشتركة مستقبلية لشراكتهما الإستراتيجية". في حين اعتبر مراقبون أن عقده يعني أن قطر قد تمكّنت بنجاحٍ من الالتفاف على جهود دول الحصار الرامية إلى عزلها عن الولايات المتحدة وتوتير علاقاتها بها. غير أن أهم مخرجات الحوار الإستراتيجي الأميركي - القطري حينها تمثّل في إعلان الولايات المتحدة رسميًّا "استعدادها للعمل مع قطر لردع ومواجهة أي تهديد خارجي للسلامة الترابية لدولة قطر، بما يتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة"، وهو ما اعتُبِر رسالة تحذير لدول الحصار من مغبة الإقدام على أي مغامرة عسكرية ضد قطر.

وقد تبيّن أن محاولات دول الحصار إبراز بدائل ضعيفة وهزيلة من أسرة آل ثاني للحكم في دولة قطر قد أثارت امتعاض البيت الأبيض، إلى درجة أن ترامب قال صراحة لدى استقبال الشيخ تميم بن حمد أنه يحظى بشعبية في بلده. ولكن ما الأسباب التي دفعت ترامب إلى تغيير مقاربته للأزمة الخليجية؟
إضافة إلى ضغوط وزارتي الخارجية والدفاع، يمكن الإشارة إلى ستة أسباب:
• تنامي القلق في الولايات المتحدة من أن يزيد الفشل في حل هذه الأزمة من عدم الاستقرار الإقليمي، خصوصًا أنها سمحت لقوى دولية وإقليمية، مثل روسيا وإيران، بالنفاذ إلى المنطقة، وجذب حتى تركيا إلى مثلثٍ فاعلٍ في الأزمة السورية، جرّاء الانطباع السائد بتراجع النفوذ الأميركي هناك.
• مع تراكم أزمات منطقة الشرق الأوسط، والتورّط الأميركي المتصاعد فيها، فإن حاجة الولايات المتحدة إلى قاعدة العُديد العسكرية في قطر أصبحت أشد. وتُعدّ العُديد أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط، ويقيم فيها نحو 11 ألف جندي أميركي، ويحتضن مركز العمليات الأميركية الجوية المشتركة في هذه القاعدة مهمات القيادة والسيطرة على القوة الجوية الأميركية في العراق وسورية وأفغانستان، فضلًا عن 18 دولة أخرى. كما تحتضن هذه القاعدة مقرًا متقدمًا للقوة الجوية للقيادة الوسطى الأميركية، ومركز العمليات الجوية والفضائية المشترك، وغيرها من الوحدات الجوية الأميركية.
• العامل الإيراني؛ من المتوقع أن يعلن ترامب، في منتصف أيار/ مايو 2018، انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، إن لم يتم تعديله لسد فجوات فيه كما يرى الرئيس الأميركي. وتعكف إدارة ترامب حاليًّا على تشكيل تحالفٍ في المنطقة، يشمل بعض دول الخليج وإسرائيل، لاحتواء النفوذ الإيراني المتصاعد. وكان مستشارو الرئيس الأميركي قد حذروه، منذ أشهر، من أن انحيازه إلى دول الحصار وإطالة أمد النزاع يفيدان إيران، وهذا ما دفعه، في أيلول/ سبتمبر 2017، إلى تشجيع دول الحصار الخليجية وقطر على محاولة حل الخلاف بينها عبر الحوار.
• نجاح الجهود القطرية في توظيف جماعات ضغطٍ تعمل لصالحها في واشنطن، مضادة لجماعات الضغط التي وظفتها السعودية والإمارات لتشويه صورة قطر.
• تراجع نفوذ صهر الرئيس الأميركي، ومستشاره، جاريد كوشنر، في البيت الأبيض، خصوصًا بعد أن سُحب منه التصريح الأمني عالي التصنيف. ومن المعروف أن كوشنر كان أحد أكبر داعمي حصار قطر داخل البيت الأبيض جرّاء تحالفاته السعودية - الإماراتية.
• تدهور سمعة دولة الإمارات أميركيًا، خصوصًا في ضوء المعلومات التي يُكشف عنها تباعًا في الولايات المتحدة عن علاقاتٍ مشبوهةٍ للإمارات بحملة ترامب الانتخابية وروسيا، عبر عميلها الأميركي من أصول لبنانية، جورج نادر. وقد ساهمت تسريباتٌ من البريد الإلكتروني للسفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، في تأكيد دور الإمارات السلبي والمحرّض في الدوائر السياسية والإعلامية والبحثية في واشنطن على قطر. وقد تلقت الإمارات هزيمتين قضائيتين في نيسان/ أبريل 2018. الأولى في واشنطن، حين رأى قاض فيدرالي أن ثمّة مؤشرات معقولة بأن الإمارات قرصنت البريد الإلكتروني لرجل أعمالٍ دولي لتشويه سمعته. في حين رد قاضٍ آخر في كاليفورنيا دعوى قضائية من إليوت برودي، وهو أحد كبار جامعي التبرعات للحزب الجمهوري ولترامب، وعلى علاقة وطيدة بالإمارات، زعم فيها تورّط قطر في قرصنة بريده الإلكتروني. وقد كشفت الرسائل المسربة من إيميل برودي دوره في العمل لصالح الإمارات، وتحريض ترامب على قطر، وعلى وزير الخارجية المقال، ريكس تيلرسون. ورأى القاضي أن القضية تفتقر إلى أدلةٍ على تورّط قطر في القرصنة. وقد دفعت تلك المعطيات ترامب، بحسب مسؤول في إدارته، إلى الاستنتاج بأن من يعوق تسوية الأزمة الخليجية ليس قطر، وإنما ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد.

خلاصة
لا يعني تغير موقف ترامب من الأزمة الخليجية بالضرورة انتهاءها، كما لا يعني انتفاء إمكانية حلها. فمن ناحية، كان من المقرّر عقد قمة خليجية - أميركية في واشنطن في أيار/ مايو 2018، غير أن تصميم الرياض وأبو ظبي على مواصلة حصار قطر دفع الولايات المتحدة
إلى تأجيل القمة إلى أيلول/ سبتمبر 2018. ومن ناحية أخرى، نقلت وكالة رويترز عن مسؤولَين أميركيَين مطلعَين أن ترامب طالب العاهل السعودي في مكالمة هاتفية، في 2 نيسان/ أبريل 2018، بأن تنهي المملكة وشركاؤها العرب سريعًا النزاع مع قطر. وبحسب المسؤولَيْن، فإن ترامب يريد تسوية الخلاف من أجل استعادة الوحدة بين دول الخليج العربية، وتوحيد الجبهة أمام إيران التي ينصبّ تركيز ترامب على برامجها النووية والصاروخية. وأكد ترامب "أن خصومة السعوديين والإماراتيين مع قطر لا منطق لها". وبحسب مصادر أميركية، أصر الرئيس الأميركي على حل الخلاف بين دول الخليج العربية خلال مهلة ثلاثة أسابيع، لأسبابٍ من بينها قرار وشيك بشأن إيران. كما أجرى ترامب، في 6 نيسان/ أبريل 2018، اتصالًا بولي عهد أبو ظبي، للغرض ذاته.
وعلى الرغم من جهود ترامب الحثيثة لرأب الصدع الخليجي، جرّاء تداعياته السلبية على الإستراتيجية الأميركية في المنطقة، خصوصًا لناحية احتواء إيران، فإن من غير الواضح إن كان سيكتب لها النجاح مع غياب مؤشراتٍ على تغير موقف دول الحصار. كما أن الفوضى المتنامية في البيت الأبيض لا تساعد على حل ملفات إقليمية ودولية كثيرة، فالتنسيق يكاد يكون معدومًا بين أجنحة الإدارة الأميركية في أهم القضايا السياسة الأمنية والخارجية وأشدّها حساسية. وحتى الآن، لم تعيّن إدارة ترامب سفراء في السعودية والإمارات وقطر، وعشرات من الدول الأخرى، فضلًا عن الشواغر الكثيرة في مناصب حكومية حساسة في واشنطن.
ومن هنا، يصعب التنبؤ بما ستفضي إليه جهود إدارة ترامب لحل الأزمة الخليجية، إلا أن الأمر الوحيد الذي يبدو مؤكدًا هنا هو أن قطر اليوم، بل منذ أيلول/ سبتمبر 2017، في وضع أفضل وأقوى مما كانت عليه منذ بداية أزمة قرصنة موقع وكالة الأنباء القطرية في أيار/ مايو 2017، وما تبعه من حصارٍ فرضته عليها الدول العربية الأربع. كما أن الرهان السعودي - الإماراتي على أن إقالة تيلرسون الشهر الماضي ستعيد الضغط الأميركي على قطر، خصوصًا أنه كان متعاطفًا مع موقفها، ثبت خطؤه. فمن الواضح الآن، بعد انسجام مواقف ترامب مع حسابات مؤسسة الحكم الأميركية، أن العلاقة بين الولايات المتحدة وقطر علاقة مؤسسية، وليست بين وزارتي الخارجية والدفاع، فحسب، من دون البيت الأبيض.