09 أكتوبر 2024
لعبة القط والفأر في العراق
سألتُ صحافياً أميركياً، عمل في العراق مراسلاً لصحيفة معروفة، عن رؤيته لحال العراق مستقبلاً، قال: "لنبدأ من الخلاصة، لن يكون العراق خالصاً كله للولايات المتحدة، كما لن يكون خالصاً كله لإيران. وهذا ما بدأ الطرفان اللدودان يدركانه ويعملان عليه، ويلعبان من خلاله لعبة القط والفأر". وبدأ يشرح: "في العراق مصالح للولايات المتحدة لا يمكن تجاهلها، تنبع من أنه يعوم على بحيرة بل بحيرات من النفط، بما يمثل عشرة بالمئة من نفط العالم. وعنده خزين بل خزائن من معادن الأرض، اليورانيوم والذهب والفضة والزئبق الأحمر والكبريت الحر، وكذا النحاس والحديد والقصدير والكروم. وبلد كهذا لا يمكن أن تتركه الولايات المتحدة نهباً لإيران أو لغيرها. والنفط من أهم الأسباب التي دفعت أميركا إلى غزو العراق واحتلاله، بل لعله السبب الوحيد، وقد كلفتها الحرب أكثر من تريليونين من الدولارات، وخسرت من كوادرها البشرية بحدود خمسة آلاف وجرح أكثر من اثنين وثلاثين ألفاً، عدا ما جرى حسابه خارج التقارير الرسمية المعلنة. هنا يكمن اشتغال نظرية الرئيس دونالد ترامب أن الولايات المتحدة ليست جمعية خيرية تتصدق على الناس من دون حساب، إنها دولة لها التزاماتها ومتطلبات حاجات أبنائها. ولذلك تحسب تكلفة خدماتها للدول الأخرى، وتريد عنها تعويضاً، وسيطرة أميركا على العراق لأمد قد يطول هو الثمن".
"أما إيران فلها حساباتها المختلفة، فهي لا تفكر بنفط العراق، فعندها ما يشبعها، واحتياطها النفطي هو الآخر يمثل 10% من المخزون العالمي، لكن عينها على العراق لأنها تعتبره امتداداً لبعدها الإمبراطوري الذي عرفته في عصور غابرة، وهي تريده أيضاً مفتاحاً لتوغلها في الإقليم، وطموحها لفرض سيطرتها عليه. ولا تنسَ أن بداية (فتوحاتها) الماثلة جاءت عبر بغداد التي لا ينكر الإيرانيون أنها عاصمتهم الثانية. هذا كله يعرفه الأميركيون ولا ينشغلون
به، وكل ما يريدونه من الإيرانيين، في هذه المرحلة، نوع من التخادم المتبادل الذي يراعي خصوصيات كل طرف ومصالحه، وإن كان هذا لا يقال علناً، لكن الطرفين يعملان عليه سراً. وغالباً ما يتم ذلك عبر قنوات الأصدقاء. ولذلك ترى كلاً منهما مدركاً أن ما يجري لن يمس جوهر طموحاته وأهدافه في النهاية، ومعروف أن الأميركيين يتقنون لعبة الانتظار إذا ما أرادوا، ولدى الإيرانيين ما يقابل ذلك، القدرة الفائقة على الصبر".
"اعتماداً على هذه الحيثيات، لا يجد الطرفان بأساً في ممارسة لعبة القط والفأر، ولن يفكر أحدهما بإخراج خصمه من الساحة، بل إن إخراج أحدهما يتبعه بالضرورة إخراج الآخر، لأن مبرر وجود أي منهما ينتهي بمجرد غياب خصمه".
وعندما فرغ محدثي من شرح نظريته، وجدت الفرصة مناسبة لسؤاله عن التجاذب بين أعوان أميركا وأعوان إيران على الساحة العراقية بخصوص الوجود العسكري لكل من البلدين، قال "ما يقرب من اثني عشر ألف عسكري أميركي موجودون في العراق، في أكثر من عشر قواعد، ومواقع في غرب العراق وشماله ووسطه. يمكنك أن تصفها بأنها قواعد ومواقع عراقية، بحكم الأرض المقامة عليها، لكنها أميركية قيادة وإشرافاً وعملاً لوجستياً، وهي باقيةٌ بتفويض من حكومة البلاد، وحتى لو تم ذلك بدون تفويض، فإن الأميركيين باقون بموجب التفويض الذي حصلت عليه الولايات المتحدة عام 2001، والذي يتيح لها البقاء في الشرق الأوسط عشرين عاماً لمكافحة الجماعات الإرهابية ومحاربة التشدد. وهذا ما قاله نائب وزير الدفاع، ديفيد تراشيتنبرغ. وعند الإيرانيين في العراق ما يقرب من عدد العسكريين الأميركيين من قوات الباسيج والحرس الثوري الإيراني، وعندهم آلاف آخرون من هم بصفة مليشيات عراقية، لكنها تخضع لقيادات إيرانية. وعلى ضوء هذه الحقيقة التي يعترف بها الطرفان، يتم التعايش بينهما، لنقلْ إنه التعايش المتاح في الظرف الماثل، والمبرّر لدى كل منهما. أما ما يثار حالياً فهو من قبيل ذر الرماد في العيون، ولا تنس أنكم تعيشون موسماً انتخابياً يريدونه أن يكون حاراً..".
استطرد محدثي ".. هنا أريد أن أعود إلى الخلاصة التي بدأت بها، لن يكون العراق خالصاً كله للولايات المتحدة، كما لن يكون خالصاً كله لإيران، وهما اليوم يلعبان لعبة القط والفأر، ولن يكون في وسع العراقيين، في الحال الحاضر، سوى لعب دور الكومبارس لدى الطرفين".
"أما إيران فلها حساباتها المختلفة، فهي لا تفكر بنفط العراق، فعندها ما يشبعها، واحتياطها النفطي هو الآخر يمثل 10% من المخزون العالمي، لكن عينها على العراق لأنها تعتبره امتداداً لبعدها الإمبراطوري الذي عرفته في عصور غابرة، وهي تريده أيضاً مفتاحاً لتوغلها في الإقليم، وطموحها لفرض سيطرتها عليه. ولا تنسَ أن بداية (فتوحاتها) الماثلة جاءت عبر بغداد التي لا ينكر الإيرانيون أنها عاصمتهم الثانية. هذا كله يعرفه الأميركيون ولا ينشغلون
"اعتماداً على هذه الحيثيات، لا يجد الطرفان بأساً في ممارسة لعبة القط والفأر، ولن يفكر أحدهما بإخراج خصمه من الساحة، بل إن إخراج أحدهما يتبعه بالضرورة إخراج الآخر، لأن مبرر وجود أي منهما ينتهي بمجرد غياب خصمه".
وعندما فرغ محدثي من شرح نظريته، وجدت الفرصة مناسبة لسؤاله عن التجاذب بين أعوان أميركا وأعوان إيران على الساحة العراقية بخصوص الوجود العسكري لكل من البلدين، قال "ما يقرب من اثني عشر ألف عسكري أميركي موجودون في العراق، في أكثر من عشر قواعد، ومواقع في غرب العراق وشماله ووسطه. يمكنك أن تصفها بأنها قواعد ومواقع عراقية، بحكم الأرض المقامة عليها، لكنها أميركية قيادة وإشرافاً وعملاً لوجستياً، وهي باقيةٌ بتفويض من حكومة البلاد، وحتى لو تم ذلك بدون تفويض، فإن الأميركيين باقون بموجب التفويض الذي حصلت عليه الولايات المتحدة عام 2001، والذي يتيح لها البقاء في الشرق الأوسط عشرين عاماً لمكافحة الجماعات الإرهابية ومحاربة التشدد. وهذا ما قاله نائب وزير الدفاع، ديفيد تراشيتنبرغ. وعند الإيرانيين في العراق ما يقرب من عدد العسكريين الأميركيين من قوات الباسيج والحرس الثوري الإيراني، وعندهم آلاف آخرون من هم بصفة مليشيات عراقية، لكنها تخضع لقيادات إيرانية. وعلى ضوء هذه الحقيقة التي يعترف بها الطرفان، يتم التعايش بينهما، لنقلْ إنه التعايش المتاح في الظرف الماثل، والمبرّر لدى كل منهما. أما ما يثار حالياً فهو من قبيل ذر الرماد في العيون، ولا تنس أنكم تعيشون موسماً انتخابياً يريدونه أن يكون حاراً..".
استطرد محدثي ".. هنا أريد أن أعود إلى الخلاصة التي بدأت بها، لن يكون العراق خالصاً كله للولايات المتحدة، كما لن يكون خالصاً كله لإيران، وهما اليوم يلعبان لعبة القط والفأر، ولن يكون في وسع العراقيين، في الحال الحاضر، سوى لعب دور الكومبارس لدى الطرفين".