اختطاف جمال خاشقجي

05 أكتوبر 2018
+ الخط -
لا يزال مصير الكاتب الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، مجهولا، بعدما تواترت الأنباء عن اختطافه داخل القنصلية السعودية في إسطنبول قبل أربعة أيام. ولا يُعرف بالضبط ما إذا كان خاشقجي لا يزال في تركيا أم تم ترحيله، بطريقةٍ ما، إلى السعودية. ذهب خاشقجي إلى القنصلية، من أجل تخليص معاملة شخصية ظهر الثلاثاء الماضي، ولم يظهر منذئذ، حسبما أفادت خطيبته التركية، وأحد أصدقائه، اللذان رافقاه، في حديث لهما مع صحيفة نيويورك تايمز التي ذكرت أن جمال عبّر عن مخاوفه من محاولة اختطافه أو إصابته بمكروه، إذا ما ذهب إلى القنصلية، قبل يوم واحد فقط من اختطافه.
لن يكون اختطاف السلطات السعودية خاشقجي، في حال تأكد الخبر، مفاجئاً، فللرياض سجل متخم وحافل من جرائم اختطاف المعارضين، سواء من المثقفين أو من أبناء العائلة المالكة. فحسب تقرير نشره "العربي الجديد" أمس الخميس (4/10/2018)، نقلاً عن هيئة الإذاعة البريطانية (بي. بي. سي)، فإنه على مدار الأعوام الثلاثة الماضية تم اختطاف وإخفاء عدد من المعارضين السعوديين، وخصوصا من أمراء آل سعود، بسبب اختلافهم مع النظام الحالي، وتوجيههم انتقاداتٍ للطريقة التي تُدار بها الأمور في المملكة. كما أن هناك محاولات مستمرة لاختطاف أمراء حاليين خارج البلاد، أبرزهم الأمير خالد بن فرحان آل سعود اللاجئ في ألمانيا منذ عام 2013.
يبدو الوضع مع خاشقجي مختلفاً، ليس فقط لحجم الرجل ووزنه في الأوساط الصحافية الإقليمية والعالمية، وهو الذي يكتب عمودا أسبوعيا في صحيفة واشنطن بوست، وإنما أيضا لخطابه الجريء والصادق باتجاه إصلاح الأوضاع السياسية في السعودية.
وللحق، كان موقف جمال من تحولات نظام الحكم في السعودية مفاجئاً لكثيرين، خصوصا أنه دائما كان يوصف بالقرب من العائلة الحاكمة أو من القصر الملكي في السعودية. ولكنه اختار، منفرداً، أن يرفع صوته في مواجهة التهوّر الذي تدير به السلطة الجديدة الأوضاع في السعودية وخارجها. وقد كان ناصحاً أميناً لهذه السلطة، وحريصا دوماً على عدم قطع حبال الودّ معها، أملاً في أن ينصلح حالها وتعود إلى رشدها وعقلها، لكنه فقد الأمل في ذلك، خصوصا بعد أزمة حصار قطر وما تلاها من تهور داخلي واعتقالات عشوائية طاولت مئات من المثقفين البارزين ومشايخ الدين المؤثرين.
وعلى عكس كتاب ومثقفين سعوديين كثيرين ارتضوا السير في ركاب السلطة الجديدة، وآثروا التهليل والتطبيل لقرارات ولي العهد محمد بن سلمان وسياساته، على الرغم من حماقتها وتهورها، رفض خاشجقي الصمت، وبدأ في توجيه الانتقادات اللاذعة لهذه القرارات، ليس مناكفةً أو طلباً لشهرة، وإنما خوفاً وحرصاً على بلده. ففي مداخلاته الإعلامية وكتاباته الصحافية الكثيرة، كان جمال يتحدث من منطلق وطني، حريص على صورة بلاده في الداخل والخارج، وهو الذي دفع ثمناً لموقفه هذا، على المستويين، الشخصي والمهني، وقد كان في غنىً عن ذلك، إذا ما اختار طريق التملق والنفاق، كما فعل آخرون.
التقيت أبو صلاح (كما يحب مناداته بذلك) عدة مرات في العامين الأخيرين، على هامش ندوات ولقاءات فكرية وبحثية. وفي كل مرةٍ، كنت أشعر في نبرته بنوع من الحزن والأسى على ما آلت إليه الأوضاع في المنطقة العربية، وخصوصاً في المملكة، لكن اليأس لم يتسلل إليه، على الرغم من الصعوبات التي لقيها طوال العامين الماضيين من حيث البعد عن وطنه وأهله. وكانت المرة الأخيرة التي التقيت فيها أبو صلاح، قبل أقل من أسبوعين على هامش ندوة في إسطنبول، وكان جريئاً في توجيه النقد للحركات الإسلامية، مطالباً إياها بالتحرّر من خطابها المتكلس، وضرورة الانفتاح على مبادئ الديمقراطية وقيمها، من دون تردّد أو مواربة. بعد الندوة، ذهبنا بصحبة أصدقاء لتناول العشاء في أحد مطاعم إسطنبول، وكانت مسحة من حزن ويأس تخرج من بين كلمات أبو صلاح، وكأنما كان يشعر بما سوف يحدث له بعد أيام.
A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".