15 مايو 2024
قوة قطر في الأزمة الخليجية
مع استمرار الأزمة الخليجية بين قطر و(شقيقاتها) لشهرها الثالث، لم يعد أحد في العالم، الرسمي أو الإعلامي والشعبي، لديه أدنى شك في أن ما ذهبت إليه الدول المقاطعة لقطر من ادعاءات ومطالب ليست سوى حجج لمشروع أكبر، خطط له ليكون سبيلا لتغيير سياسي في هذا البلد الخليجي، وإبعاد أميره الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عن سدة الحكم، بعد ردة فعل محلية (مفتعلة).
تدارك الموقف وإدارة الأزمة بشكل ممتاز من الخارجية القطرية، وبقية أركان الدولة، ربما أفقد فرصة المبادأة التي لم يُحسن خصوم قطر استخدامها خلال اليومين الأولين للأزمة، كما وضعت إدارات دولية كبرى أمام مواقف كان يجب أن تتخذها من الأزمة، فكانت؛ وبسبب هشاشة المطالب، متضامنة مع الموقف القطري الداعي إلى الحوار المباشر بين جميع الأطراف، أو رافضة للاتهامات المتعلقة بدعم الدوحة (الإرهاب)، من دون تقديم أدلة ملموسة عن طبيعة هذا الدعم وحجمه والجهات المستفيدة منه.
لم تكن مشاركة أمير قطر في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة، أخيرا، مفاجئة، لكن ما فاجأ الدول المتربصة بقطر هو قوة كلمته التي ألقاها في التاسع عشر من سبتمبر/ أيلول الماضي، والتي، إضافة إلى شمولية قضاياها بين المحلية والإقليمية والدولية، كانت موضحة، ومحدّدة التوصيف للدول المقاطعة لبلاده، إلى درجة (الاتهام) المباشر لدول الحصار بـ"التخطيط لإخضاع قطر للوصاية شاملة".
ومع قوة الموقف القطري الذي واجه حصارا شاملا وغير مسبوق منذ الخامس من يونيو/
حزيران الماضي، وما زال، شمل التعرّض المباشر للمدنيين وأقواتهم ومصالحهم الاقتصادية والاجتماعية، بدأت واجهات الطرف الآخر تتصدّع بوضوح، الأمر الذي يقود إلى استنتاجين رئيسيين، أحدهما تفكك حلف الحصار والمقاطعة والقبول بمبدأ الحوار المباشر مع قطر، أو التهور والجنوح نحو إجراءٍ قد يفضي إلى فقدان منطقة الخليج العربي أمنها بالكامل، مع تكبيد كل الأطراف فيها خسائر جمة، قد تكون بعض أطرافها من خارج هذه المنطقة تماما.
ولكن، ما هي مكامن القوة في الموقف القطري؛ والتي أفضت إلى أن يكون وضعها أفضل من أوضاع محاصريها؟ وما هي القدرات التي تمتلكها هذه الدولة التي قالوا عنها، في بداية الأزمة المفتعلة، إنها دولة (صغيرة)، لكي تصمد، وتواجه، ثم تتفوق في نتائج إدارة الصراع السياسي والاقتصادي حتى هذه اللحظة؟
أول عناصر قوة قطر، كما يبدو للباحثين والمتابعين؛ وحدة الشعب القطري، وتأييده الكامل قيادة أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وقد بدا ذلك واضحا في الاستقبال الجماهيري الكبير له عند عودته من رحلته الخارجية أخيرا إلى كل من تركيا وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة، استقبال لم تستطع حتى وسائل الإعلام الموالية للدول المقاطعة تجاهله، حتى أن إحداها، وربما أكثرها انتشارا وصفته استقبال (الفاتحين).
يتعلق العنصر الثاني بقدرة الحكومة القطرية على إدارة الأزمة والصراع، وبدا ذلك جليا من خلال الحركة الأولى لهذه الحكومة والمتعلقة بالقاعدة التركية في الدوحة، وفتح خطوط التعامل الاقتصادي مع جميع الدول، ومنها إيران القريبة جغرافيا جدا لقطر، ما أفقد المحاصرين فرصة إيجاد حالة من التذمر لدى الشعب القطري، بسبب نفاد المواد الغذائية الضرورية، يضاف إلى ذلك التحرّك الناجح جدا، وربما المتميز للخارجية القطرية، التي لم يسبق لها التعامل مطلقا مع أزماتٍ كهذه، فاستطاع وزيرها الشاب والهادئ المرور عبر كل التكتلات الدولية، ودول العالم الكبرى، بأريحية بالغة، لبيان موقف بلاده، وضعف مواقف خصومها التي تتقاطع معها أي دولة بغض النظر عن حجمها وموقعها.
عنصر آخر مهم جدا، هو نجاح قطر في إثبات رفضها الإرهاب بكل أشكاله، ووضع حدود
التفريق بينه وبين سواه من أعمال الثورة على الطغاة والمستبدين، كما برهنت الدوحة أنها كانت وستبقى ميدانا وساحة لتسوية النزاعات، وحلها وديا وتفاوضيا بين الأطراف التي تدخل في صراعات مسلحة، تؤدي إلى فقدان الأمن والاستقرار في هذا البلد أو ذاك، كما في الحالتين السودانية والأفغانية وغيرهما.
ينفرد إصرار دولة قطر بتمسكها بسيادتها الوطنية، وعدم السماح تحت أي ظرف بالتفريط بها أو المساومة عليها بقوة تمكين متعدّدة التأثير، كان أولها في تعزيز الهوية الوطنية لأبناء هذا البلد، ثم نبراس طريق لكل الكابينة الحكومية القطرية لحثها على مزيد من أجل الصمود وتحقيق الإنجازات بدل التراجع، كما كان، في الوقت نفسه، سببا لإرباك الطرف المحاصر لقطر، والذي لم تكن مفردة السيادة سهلة على مسامعه، ثم باتت سببا لانفعال بعض وزراء خارجية هذه الدول بشكل واضح في أي مؤتمر أو لقاء صحافي.
ربما ما تجب الإشارة إليه هنا أيضا أن من مكامن قوة الموقف القطري هزال من ذهب ليعلن نفسه معارضا قطريا، وضآلته وعمالته، سواء في مؤتمر لندن سيئ الصيت، والذي ولد ميتا، أو من عرض نفسه "معارضا" باعتباره من العائلة الحاكمة، جاهلا أن من يخون بلاده لن تصونه العائلة، بل قد تكون أول من سيحاسبه، قبل أن تناله القوانين النافذة، حيث أن إمكانات أربع دول وتحركاتها، المدعومة بآفاق مالية لا حدود لها، لم تستطع توفير خمس شخصيات قطرية، لتشكل منها نواة معارضة فعلية لنظام الحكم، وهو ما يجب أن يفخر به شعب قطر حقا.
تدارك الموقف وإدارة الأزمة بشكل ممتاز من الخارجية القطرية، وبقية أركان الدولة، ربما أفقد فرصة المبادأة التي لم يُحسن خصوم قطر استخدامها خلال اليومين الأولين للأزمة، كما وضعت إدارات دولية كبرى أمام مواقف كان يجب أن تتخذها من الأزمة، فكانت؛ وبسبب هشاشة المطالب، متضامنة مع الموقف القطري الداعي إلى الحوار المباشر بين جميع الأطراف، أو رافضة للاتهامات المتعلقة بدعم الدوحة (الإرهاب)، من دون تقديم أدلة ملموسة عن طبيعة هذا الدعم وحجمه والجهات المستفيدة منه.
لم تكن مشاركة أمير قطر في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة، أخيرا، مفاجئة، لكن ما فاجأ الدول المتربصة بقطر هو قوة كلمته التي ألقاها في التاسع عشر من سبتمبر/ أيلول الماضي، والتي، إضافة إلى شمولية قضاياها بين المحلية والإقليمية والدولية، كانت موضحة، ومحدّدة التوصيف للدول المقاطعة لبلاده، إلى درجة (الاتهام) المباشر لدول الحصار بـ"التخطيط لإخضاع قطر للوصاية شاملة".
ومع قوة الموقف القطري الذي واجه حصارا شاملا وغير مسبوق منذ الخامس من يونيو/
ولكن، ما هي مكامن القوة في الموقف القطري؛ والتي أفضت إلى أن يكون وضعها أفضل من أوضاع محاصريها؟ وما هي القدرات التي تمتلكها هذه الدولة التي قالوا عنها، في بداية الأزمة المفتعلة، إنها دولة (صغيرة)، لكي تصمد، وتواجه، ثم تتفوق في نتائج إدارة الصراع السياسي والاقتصادي حتى هذه اللحظة؟
أول عناصر قوة قطر، كما يبدو للباحثين والمتابعين؛ وحدة الشعب القطري، وتأييده الكامل قيادة أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وقد بدا ذلك واضحا في الاستقبال الجماهيري الكبير له عند عودته من رحلته الخارجية أخيرا إلى كل من تركيا وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة، استقبال لم تستطع حتى وسائل الإعلام الموالية للدول المقاطعة تجاهله، حتى أن إحداها، وربما أكثرها انتشارا وصفته استقبال (الفاتحين).
يتعلق العنصر الثاني بقدرة الحكومة القطرية على إدارة الأزمة والصراع، وبدا ذلك جليا من خلال الحركة الأولى لهذه الحكومة والمتعلقة بالقاعدة التركية في الدوحة، وفتح خطوط التعامل الاقتصادي مع جميع الدول، ومنها إيران القريبة جغرافيا جدا لقطر، ما أفقد المحاصرين فرصة إيجاد حالة من التذمر لدى الشعب القطري، بسبب نفاد المواد الغذائية الضرورية، يضاف إلى ذلك التحرّك الناجح جدا، وربما المتميز للخارجية القطرية، التي لم يسبق لها التعامل مطلقا مع أزماتٍ كهذه، فاستطاع وزيرها الشاب والهادئ المرور عبر كل التكتلات الدولية، ودول العالم الكبرى، بأريحية بالغة، لبيان موقف بلاده، وضعف مواقف خصومها التي تتقاطع معها أي دولة بغض النظر عن حجمها وموقعها.
عنصر آخر مهم جدا، هو نجاح قطر في إثبات رفضها الإرهاب بكل أشكاله، ووضع حدود
ينفرد إصرار دولة قطر بتمسكها بسيادتها الوطنية، وعدم السماح تحت أي ظرف بالتفريط بها أو المساومة عليها بقوة تمكين متعدّدة التأثير، كان أولها في تعزيز الهوية الوطنية لأبناء هذا البلد، ثم نبراس طريق لكل الكابينة الحكومية القطرية لحثها على مزيد من أجل الصمود وتحقيق الإنجازات بدل التراجع، كما كان، في الوقت نفسه، سببا لإرباك الطرف المحاصر لقطر، والذي لم تكن مفردة السيادة سهلة على مسامعه، ثم باتت سببا لانفعال بعض وزراء خارجية هذه الدول بشكل واضح في أي مؤتمر أو لقاء صحافي.
ربما ما تجب الإشارة إليه هنا أيضا أن من مكامن قوة الموقف القطري هزال من ذهب ليعلن نفسه معارضا قطريا، وضآلته وعمالته، سواء في مؤتمر لندن سيئ الصيت، والذي ولد ميتا، أو من عرض نفسه "معارضا" باعتباره من العائلة الحاكمة، جاهلا أن من يخون بلاده لن تصونه العائلة، بل قد تكون أول من سيحاسبه، قبل أن تناله القوانين النافذة، حيث أن إمكانات أربع دول وتحركاتها، المدعومة بآفاق مالية لا حدود لها، لم تستطع توفير خمس شخصيات قطرية، لتشكل منها نواة معارضة فعلية لنظام الحكم، وهو ما يجب أن يفخر به شعب قطر حقا.