عن التزام الهدن في سورية

25 اغسطس 2017
+ الخط -
تتوسّع قاعدة التوافقات الروسية مع فصائل المعارضة السورية المسلحة، يوماً بعد آخر، لتصل إلى كل ما يحيط بدمشق اليوم تقريباً، وذلك بعد أن عقدت اتفاقية خفض التصعيد مع جناحي المعارضة المسلحة في الغوطة، جيش الإسلام وفيلق الرحمن، الإخوة الأعداء الذين قاتلوا في جبهتين متعاكستين، ضد النظام، وضد بعضهما بعضاً، وأسقطا من الضحايا في المعركة بينهما أكثر مما سقط من جيشيهما والنظام معاً في مجمل المعارك التي خاضاها ضد النظام.
وتتابع موسكو جهودها الرامية إلى جعل كامل مساحة سورية ضمن ما يسمى اتفاق خفض التصعيد، وهو الأمر الذي يتغاضى عنه النظام على مضض، على الرغم من الفوائد الجمّة التي تعود عليه، جرّاء خضوع هذه المناطق للهيمنة الروسية، لكن هذه الهيمنة، في الوقت نفسه، يفترض أنها تبعد قبضة المليشيات الإيرانية، وهو الأمر الذي يرى فيه النظام انتقاصاً لإرادته في بقاء هذه المليشيات سندا له، يستطيع من خلالها نقض وعوده حول التزامه وقف إطلاق النار، كما حدث في حلب والقلمون سابقاً، حيث تمت السيطرة على مساحات إضافية غيرّت خريطة مواقع القوات المتقاتلة على الأرض السورية، وبالتالي غيّرت معها خريطة العمل السياسي في جنيف، ومهّدت لما سميت مفاوضات أستانة التي أدخلت إيران طرفا ضامنا للاتفاقات الموقعة مع المعارضة السورية، إلى جانب تركيا وروسيا.
وتلتزم الأطراف جميعها اليوم بأعلى نسبة باتفاقيات خفض التصعيد التي تجري بعيداً عن طاولات التفاوض في جنيف وأستانة، كما لم يحدث سابقاً، في تأكيد واضح أن روسيا هي صاحبة القول الفصل من جانب النظام، بينما تبقى الإدارة الأميركية المحرّك الأساسي للمعارضة. بيد أن هذا لا يعني أن كل ما تقوم به روسيا لا يقع ضمن المساحة المسموح لموسكو التحرّك فيها بإرادة الجانب الأميركي الذي ما زال يراقب السلوك الروسي في سورية للبحث عن تعاون معه في أوكرانيا، وملف العقوبات والدرع الصاروخي وغيرها.

وتعد هذه الاتفاقات "فوق التفاوضية" الوسيلة الأنجع خلال السنوات السبع الماضية في شل آلة القتل التي يستخدمها النظام وحلفاؤه، ضد السوريين، في مناطق الجنوب، وحمص، وتدخل الآن غوطة دمشق الشرقية متضمنة جوبر، التي تم استبعادها في الاتفاق السابق حول الغوطة، في اتفاقيتي خفض التصعيد الموقّعة مع جيش الإسلام في مصر، ومع فيلق الرحمن في جنيف.
وعلى الرغم من تصاعد أصوات معادية لمثل هذه الاتفاقيات، إلا أن الالتزام بها أصبح معياراً لتحديد موقع الفصائل المسلحة المعارضة على خريطة الإرهاب الدولية، حيث تصنف موسكو الفصائل الموقعة على نظام وقف إطلاق النار "معتدلة"، وهي الفصائل نفسها التي كانت روسيا، وقبلها النظام السوري، تدّعي أنها فصائل "إرهابية"، وأن الحرب التي تشنّها قواتهما مع إيران هي حرب على الإرهاب، وليست لوأد ثورة الشعب السوري.
لعل من الأهمية اليوم التذكير أن هذه الاتفاقيات، على الرغم من أنها مقدمة لإجهاض الحل السياسي الذي تنشده المعارضة في وثائقها، منذ تأسيس كياناتها، المجلس الوطني، ولاحقاً الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، ثم الهيئة العليا الآيلة اليوم للتجديد أو التغيير، أي إقامة هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، وهذا الحل هو السبيل الوحيد لتخفيف المأساة السورية وحقن الدماء، وإعادة الثورة إلى ما كانت عليه قبل أن تمتطيها الفصائل المدجّجة بالأجندات غير السورية، وقبل أن تصبح سورية ساحة للصراع الدولي والإقليمي والعربي، وصندوقاً للرسائل البريدية بين الدول المتصارعة، والمتحالفة بآن معاً.
التزام النظام بمضمون الاتفاقيات يمهد له الطريق لسيطرة اسمية، وغير مباشرة، على سورية التي لم يضعها ضمن خريطة سورية المفيدة، والتي أحكم السيطرة عليها بالتعاون مع إيران وروسيا. أما التزام الفصائل المسلحة من "المعارضة" فهذا يعني تجنّب أحكام الإبادة التي تنتظر المصنّفين على قائمة الإرهاب، وتحويل هؤلاء المسلحين إلى شرطةٍ تضمن هدوء الجبهات المقاتلة، وربما تضمن كمّ الأفواه الثائرة ضد النظام وأشباهه، حتى ولو اختلفت مواقع السجون التي ستؤسّس وتبعيتها العقائدية.
من هنا، يأتي السؤال بشأن دور المعارضة السياسية الغائبة تماماً، والمكتفية ببيانات الموافقة المشروطة، من دون أن يكون لها أي قوى حقيقية تساعدها في فرض هذه الشروط، أو حتى مراعاتها، ومن دون أن تمهد لذلك بعلاقات وثقى مع الداخل السوري الذي مازال يؤمن بالثورة، لإقامة دولته الديمقراطية، والتي تبعد عنه شبح الاعتقالات، والتغوّل الأمني على حقوق السوريين، باعتبارهم مواطنين أحرارا في بلد يمنحهم حقوق المواطنة.
930EB9D8-8BB0-4CDA-8954-FE630C4A380F
سميرة المسالمة

كاتبة وصحافية سورية، رئيسة تحرير جريدة تشرين سابقاً، نائب رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية