29 سبتمبر 2017
في ذكرى إعدام أنطون سعادة
كان ذكر اسم الحزب السوري القومي الاجتماعي، في طفولتنا المبكرة في مخيم عين الحلوة في الخمسينيات، يصيبنا بالهلع والشك والخشية من دمار ما نشأنا عليه من إيمانٍ وتقديسٍ للعائلة والله والإسلام. كانت صورة الحزب المتداولة بين الناس متأتيةً من تفسير أفكاره العلمانية بالعداء للدين وخدش صورة الله. وفوق ذلك، تحاول أن تفكّك صورة جمال عبد الناصر الذي لم يجد اللاجئون صورةً لأي زعيمٍ ينافس حضوره في قلوبهم البريئة المتطلعة إلى تحرير فلسطين على هدي شعاراته التحريرية. كان الفلسطينيون المعروفون بانتمائهم للحزب السوري القومي في المخيم قلة، فقد كان الانتماء لهذا الحزب صادماً ومستنكراً لدى الناس، فكان من غير المعقول وقتها أن يكون بيننا من لا يحبّ عبد الناصر، وينتمي إلى حزبٍ الشرط الأول للقبول في عضويته أن يقسم العضو على الولاء للحزب ولسورية (الكبرى)، ولذكرى زعيمه المؤسس أنطون سعادة. ثم، وكما كانت تقول أسطورة الرعب في تلك الأيام، رمى القرآن خلف ظهره، إيماناً منه بالتخلص من الدين معتقدا، والالتفات الى توحيد الأمة السورية، وتحريرها بعيداً عن الأديان والأعراق.
وهكذا كنا ننظر إلى أعضاء الحزب المعروفين في مخيمنا نظرة ريبة وخوف، فقد بدوا لنا شخصياتٍ غامضةً، لا تنتمي إلى جنسنا البشري، كأنهم مخلوقاتٌ زُرعت بيننا من فضاء آخر، غير الفضاء الذي يجمعنا بكل أحلامه وأوهامه وترّهاته وسذاجته. ومع ذلك، حين قامت الحرب الأهلية في لبنان، في نهاية الخمسينيات، وقُتل ثلاثة فلسطينيين من أعضاء الحزب، صالح الخطيب وفلاح شبايطة وأحمد الشايب، على أيدي من كانوا يسمون المقاومة الشعبية، المدعومة من عبد الناصر، والتي ضمت في صفوفها أقلية فلسطينية، ومنعت عائلات هؤلاء القتلى من دفنهم في مقبرة صيدا للمسلمين السنة، كونهم ينتمون إلى الحزب السوري القومي الذي وقف إلى جانب الرئيس كميل شمعون وحلف بغداد، وناصب عبد الناصر العداء، واعتبر مناهضاً للدين، اضطر أهالي القتلى لدفنهم في حواكير بيوتهم. ومع ذلك كله، تسرّب إلى قلوبنا، من خلف جدران الهلع والخوف والريبة تجاههم، الحزن والأسى، فقد كانوا، على الرغم من عضويتهم الحزبية، بعضاً منا ومن تاريخ مخيمنا البائس.
قبل 68 عاماً، وفي الثامن من يوليو/ تموز 1949، أصدرت الحكومة اللبنانية، وبتواطؤ من الرئيس السوري آنذاك، حسني الزعيم، الذي كانت تربطه بقادة دولة الاحتلال الإسرائيلية الناشئة علاقات ومصالح، حكم إعدام عاجل خلال 48 ساعة، تم تنفيذه إثر محاكمة صورية بحق زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي ومؤسسه، أنطون سعادة، في مؤامرةٍ أعدّت بإحكامٍ، لتوريط الحزب بمحاولة القيام بثورةٍ في لبنان، لكي يجري القضاء على الحزب وزعيمه، برغبة من الإسرائيليين.
لم تكن أفكار سعادة حول الأمة السورية التي تضم سورية الحالية ولبنان وفلسطين والعراق والأردن، وتوحيدها في دولة علمانية، وفصل الدين عن الدولة، ومنع رجال الدين من التدخل في شؤون السياسة والقضاء، وإزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب، نابعةً من فراغ. بل كانت تعتبر أن خلاص هذه المنطقة المزدحمة بالأقليات الدينية والمذهبية والعرقية لن يكون من خلال الدين أو القومية العربية، بل من خلال انتمائها لوحدتها الجغرافية والتاريخية واللغوية وتراثها الحضاري القديم، فالسوريون "جبهة العالم العربي وصدره وسيفه وترسه.. وحماة الضاد ومصدر الإشعاع الفكري". ربما جاءت الحروب المذهبية في الهلال الخصيب التي نشهدها اليوم، وتفسّخ الفكر العروبي الراهن، وتلف خطابه ليثبت الحاجة إلى هذه الأفكار. ولكن ليس على أيدي بقايا الحزب إذ طمح المفكر أنطون سعادة أن يقود الأمة السورية، فقد ذهب ورثة أفكار سعادة بالحزب اليوم إلى التبعية للطاغية في دمشق، وحليفه المذهبي حزب الله، وأصبحوا أداةً في أيديهم، ولم يبق من سعادة سوى انكسارات حلمه الجميل.
وهكذا كنا ننظر إلى أعضاء الحزب المعروفين في مخيمنا نظرة ريبة وخوف، فقد بدوا لنا شخصياتٍ غامضةً، لا تنتمي إلى جنسنا البشري، كأنهم مخلوقاتٌ زُرعت بيننا من فضاء آخر، غير الفضاء الذي يجمعنا بكل أحلامه وأوهامه وترّهاته وسذاجته. ومع ذلك، حين قامت الحرب الأهلية في لبنان، في نهاية الخمسينيات، وقُتل ثلاثة فلسطينيين من أعضاء الحزب، صالح الخطيب وفلاح شبايطة وأحمد الشايب، على أيدي من كانوا يسمون المقاومة الشعبية، المدعومة من عبد الناصر، والتي ضمت في صفوفها أقلية فلسطينية، ومنعت عائلات هؤلاء القتلى من دفنهم في مقبرة صيدا للمسلمين السنة، كونهم ينتمون إلى الحزب السوري القومي الذي وقف إلى جانب الرئيس كميل شمعون وحلف بغداد، وناصب عبد الناصر العداء، واعتبر مناهضاً للدين، اضطر أهالي القتلى لدفنهم في حواكير بيوتهم. ومع ذلك كله، تسرّب إلى قلوبنا، من خلف جدران الهلع والخوف والريبة تجاههم، الحزن والأسى، فقد كانوا، على الرغم من عضويتهم الحزبية، بعضاً منا ومن تاريخ مخيمنا البائس.
قبل 68 عاماً، وفي الثامن من يوليو/ تموز 1949، أصدرت الحكومة اللبنانية، وبتواطؤ من الرئيس السوري آنذاك، حسني الزعيم، الذي كانت تربطه بقادة دولة الاحتلال الإسرائيلية الناشئة علاقات ومصالح، حكم إعدام عاجل خلال 48 ساعة، تم تنفيذه إثر محاكمة صورية بحق زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي ومؤسسه، أنطون سعادة، في مؤامرةٍ أعدّت بإحكامٍ، لتوريط الحزب بمحاولة القيام بثورةٍ في لبنان، لكي يجري القضاء على الحزب وزعيمه، برغبة من الإسرائيليين.
لم تكن أفكار سعادة حول الأمة السورية التي تضم سورية الحالية ولبنان وفلسطين والعراق والأردن، وتوحيدها في دولة علمانية، وفصل الدين عن الدولة، ومنع رجال الدين من التدخل في شؤون السياسة والقضاء، وإزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب، نابعةً من فراغ. بل كانت تعتبر أن خلاص هذه المنطقة المزدحمة بالأقليات الدينية والمذهبية والعرقية لن يكون من خلال الدين أو القومية العربية، بل من خلال انتمائها لوحدتها الجغرافية والتاريخية واللغوية وتراثها الحضاري القديم، فالسوريون "جبهة العالم العربي وصدره وسيفه وترسه.. وحماة الضاد ومصدر الإشعاع الفكري". ربما جاءت الحروب المذهبية في الهلال الخصيب التي نشهدها اليوم، وتفسّخ الفكر العروبي الراهن، وتلف خطابه ليثبت الحاجة إلى هذه الأفكار. ولكن ليس على أيدي بقايا الحزب إذ طمح المفكر أنطون سعادة أن يقود الأمة السورية، فقد ذهب ورثة أفكار سعادة بالحزب اليوم إلى التبعية للطاغية في دمشق، وحليفه المذهبي حزب الله، وأصبحوا أداةً في أيديهم، ولم يبق من سعادة سوى انكسارات حلمه الجميل.