الحملة على قطر... رؤية محايدة

08 يونيو 2017
+ الخط -
لم تعد القضية المثارة بين المملكة السعودية ودولة الإمارات ومملكة البحرين من جهة ودولة قطر من جهة أخرى، مجرد أزمة، بل تعدت ذلك الوصف، في أيام قليلة، إلى إعلان خطوات ذات مدلولات تفضي إلى إعلان حالة الحرب على دولة قطر.
نعم؛ فالمعلن حتى اليوم من قرارات وإجراءات من الدول التي أعلنت قطع علاقاتها مع قطر هي قرارات حرب تشمل الحالات الدبلوماسية والاقتصادية والإعلامية والجماهيرية والاستخبارية، ولا أحد يعلم، على وجه الدقة، متى ستكون العسكرية.
ربما يرى المتابع العربي أن الأمر بين دول المقاطعة وقطر ليس إلا حالة عابرة ربما تستمر فترة وجيزة، وسرعان ما سيحسم الأمر بوساطات خليجية وأخرى دولية، لكن الصورة، من الناحية التحليلية، لا تقول ذلك أبدا، وتبرز هذه الصورة الأزمة المثارة حول التصريحات المنسوبة لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني (والتي كذبتها قطر)، باعتبارها المحرّك المفتعل لأزمةٍ سرعان ما قدمت، وعلى عجل، بقية الملفات التي كانت معدّة مسبقا لتحديد قدرة الإدارة القطرية على التحرّك واستيعاب الموقف، ثم كان موضوع قطع العلاقات الدبلوماسية وطرد مواطني قطر من بين أشقائهم في العربية السعودية والإمارات والبحرين، لقطع طريق الوساطة السريعة التي بادرت إليها دولة الكويت، لوأد هذه الفتنة في مهدها، وقبل تطور الموقف إلى ما يجعل العودة إلى المربع الأول بالغة الصعوبة.
غلق الأجواء والحدود البرية والبحرية وتقييد عمل المصارف في تعاملاتها مع الدوحة وتجنيد عشرات الإعلاميين والمحللين لتشويه صورة قطر بشكل كامل وقاطع، ثم ارتفاع سقف المطالبات، حتى بلغت أن يطالب أحد المسؤولين في إحدى دول المقاطعة الخليجية بغلق قناة الجزيرة، وتهديده العلني بملاحقة مقدمي البرامج والمذيعين العاملين فيها قضائيا، وغيرها من مطالباتٍ أريد لها أن تكون بصيغة الأوامر للحكومة القطرية، بما يفضي، في النهاية، إلى إضعاف قدرة هذه الحكومة أمام شعبها، وبما يمهد، بحسب رؤيتهم، إلى إمكانية إسقاطها، وتعيين حكومة جديدة تتواءم ونهج القيادات (الجديدة) في هذه الدول.
العقدة القاتلة لبعض الدول التي تآلفت ربما في هذه الصورة ضد قطر هي عقدة تنظيم الإخوان
المسلمين، وما يعنيه ذلك من امتداداتٍ تعني، في ما تعنيه، القوى التنظيمية المنضوية عقائديا تحت أيديولوجية هذا التنظيم في الإمارات واليمن ومصر ودول كثيرة، وهي ترى أن المغذّي الرئيسي لهذا التنظيم هي دولة قطر، وبالتالي فإن تبني الدوحة اعتبار جماعة الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا سيمنع عن هذا التنظيم الدعم المالي واللوجستي والمكاني بشكل يُضعف من قدراته بشكل كبير. وعلى الرغم من أن هذا الأمر كله يعتبر شأنا داخليا يرتبط بسياسة أية دولة، إلا أن أشقاء قطر لا يريدون لها هذه السيادة، وطالبوها كذلك بطرد الشيخ يوسف القرضاوي واللاجئين السياسيين الذين قدمت لهم ملاذا آمنا من بطش ملاحقيهم.
في حديث لي مع أكاديمي سعودي معروف، قال "قطر دولة صغيرة، وعليها أن تتصرف وفق هذا المنظور"، وأضاف "لدى قطر أكبر قاعدة جوية أميركية، وهي تستعد الآن لإنشاء أكبر قاعدة تركية في الخليج العربي"، والغريب أن صاحبي افترض وبقوة أن هذا الأمر يمس بالأمن الخليجي! ومن الغريب فعلا أن تتهم قطر بتحالفاتها مع إيران فيما ستنشئ (وهي الوحيدة) أكبر قاعدة تركية في المنطقة.
معيب جدا ما جرى، ويجري، وما سيجري في منظومة مجلس التعاون الخليجي؛ فقد أطاحت قرارات الحرب على الشقيق الصغير في مساحة أرضه وعدد سكانه، بكل القيم التي تغنت بها أجيال مختلفة من أبناء الشعب الخليجي، من الأخوة والتضامن والتكافل ومعالجة الأزمات بشكل مغلق، من دون المساس بكيان المجلس، وإن ما يجري يشبه، إلى حد كبير، ما اتخذ من إجراءاتٍ بحق العراق عام 1990، حيث قطعت العلاقات الدبلوماسية معه، وحوصر شعبه، ثم آلت الأمور إلى ما آلت إليه، فأفرزت عراقا غير العراق، وموقفا لا يمت لأمة العرب بصلة.
لا يريد "صقور" بعض الدول الخليجية، على ما يبدو، أن تستقل قطر برأيها أو قراراتها، وأن تكون دولة ذات سيادة ونفوذ وتأثير في محيطيها، العربي والدولي، فكانت القرارات سريعةً ومتسرعةً، بشكل ربما لا يتناغم ووجود قدرات لشخصيات رفيعة المستوى السياسي والدبلوماسي في هذه الدول قد تكون مغلوبة على أمرها، ولا تملك الإفصاح عن موقفها بشكل مباشر أمام اندفاع هذه الصقور وشدة بأسها تجاه معارضيها.
الأمة العربية التي رأت انهيار دولها القومية القوية، ثم تفكك نسيجها الشعبي القومي أيضا خلال ربع قرن، كانت تنظر ببعض الأمل في العودة إلى إعادة تدوير ذاتها وكياناتها من خلال ثبات منظومة دول مجلس التعاون الخليجي وديمومتها ونجاحها. لكن، ومع هذه الأزمة المتحولة 
بشكل سريع إلى حربٍ بين أربعة أطراف (وربما يزداد إلى أكثر) من دول هذه المنظومة، أطفأ وهج هذا الأمل، كما أن الشعب الخليجي ذاته بات يتساءل عن مشاريع طال انتظار تنفيذها، كالوحدة الخليجية ومشروع خط السكك الحديدية الرابط بين دول المجلس ومشاريع استثمارية واقتصادية هائلة، صممت على اعتبار أن خريطة هذا المجلس مبنيةٌ من ست دول، وأن شعب هذه الدول واحد. أما الشعب القطري فهو اليوم مصدوم من قراراتٍ سعودية إماراتية بحرينية، تطلب من القطريين مغادرة تلك البلاد خلال 14 يوما، فعن أي أشقاء كانوا يتحدّثون؟ ولأية وحدة كانوا يخططون؟
يحسن بدولة قطر أن تفعل ما تستطيع لتفويت الفرصة على من يريد تهديم كل البناء الإنساني والاقتصادي والحضاري لها؛ بالإصرار على التفاوض المباشر بقدر المستطاع وإشراك الدول الكبرى، كالمملكة المتحدة والولايات المتحدة، في إدارة حوار وتفاوض على طاولة مستديرة، تكون الأمور فيها لمن يستطيع أن يقدم البيّنة أولا، ثم التفاهمات قدر المستطاع، لتفويت الفرصة على المبيتين أمورا خطيرة جدا بحق قطر، ثم لتجنيب شعب قطر الطيب ويلاتٍ وأزماتٍ لا يستحق أن تكون من نصيبه أبدا.
F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن