التصدّع الخليجي وقمم ترامب في الرياض
العربي بجيجة
ليس الصراع في مجلس التعاون الخليجي وليد اللحظة، ولا هو مردّ أزمة سياسية أو إعلامية في نهاية الشهر الماضي، وإنما هو امتداد لتراكم سنواتٍ من الصراع الخفي بين من تعاقبوا على تدبير أنظمة الحكم في تلك المنطقة، وما أفرزه ذلك من اختلافٍ على مستوى التصورات والمقاربات السياسية والاقتصادية بين دول المجلس، في تعاطيها مع القضايا التي تدخل ضمن الاهتمام المشترك لأعضائه، وارتباط ذلك بمجمل الشؤون الإقليمية أو الجهوية أو الدولية، انعكس، بشكل أو بآخر، على مستوى المعتقد الديني الذي يدعمه كل قطب من أقطاب هذا التكتل الإقليمي (الاخوان المسلمين/ السلفيين..)، فالاستهداف الذي قادته كل من السعودية والإمارات ضد دولة قطر، على خلفية تصريحات منسوبة لأميرها، الشيخ تميم بن حمد، نفتها الدوحة، وعزتها لاختراق طاول وكالة أنبائها الرسمية، وفتحت تحقيقا يشارك فيه خبراء من مكتب التحقيق الفيدرالي الأميركي، إنما هو نتيجة مباشرة لإفرازات زيارة ترامب منطقة الشرق الأوسط، وأحد الأهداف التي سطّرها فريق العمل الجديد في البيت الأبيض، بعد أن عملوا على تجفيف منابع الأرصدة والحسابات البنكية السعودية، ورهنها عقوداً لصالح المصالح الأميركية/ الإسرائيلية في المنطقة، حيث أوقدت شرارة هذا الصراع بعد يومين من مغادرة ترامب.
وبعد أن اتخذ الصراع طابعاً إعلامياً، سرعان ما تحول صراعاً سياسياً مفتوحاً، وشمل إلى جانب قطع العلاقات الدبلوماسية، وقف التعاون الاقتصادي وغلق الحدود البرية والجوية، للحد من المبادلات التجارية، وأطل خيار المواجهة العسكرية حاضرا بين هذه الدول، لأن عقيدة التوسع وإشعال نار الحروب، بدل إطفاء لهيبها، ما زالت تسكن عقلية الممسكين بزمام الأمور في بعض هذه الدول، وأن ما يعرفه العالم العربي والإسلامي من حروب واقتتال داخلي وتشرذم سياسي وعقائدي، إنما مردّه بالأساس إلى سلوكيات بعضهم وأفعالهم وممارساتهم، وهو ما لا يخدمهم استراتيجيا، ولا يخدم حاضر الأمة الإسلامية، ولا مستقبلها.
أظهرت القمة العربية الإسلامية الأميركية أن المستفيد الأول والأخير من مخرجاتها، ومن
الصفقات الاقتصادية والعسكرية المبرمة، هي المملكة السعودية، بالإضافة إلى استفادتها من دور قيادة الحلف العربي الإسلامي المشكل في قمة الخمسين في الرياض، يؤسس وحدته وتكتله لمحاربة "الإرهاب والتطرّف"، وفق المفهوم الأميركي/ الصهيوني، يوازي بذلك تدخلاته بتحركاته في اليمن السعيد. وهو ما يشكل تحدياً كبيرا على قدرات هذه الدول، السياسية والعسكرية والاقتصادية، تغيب معها نتائج ملموسة لعمل التحالف العسكري في اليمن، بعد عامين من تشكيله، وبدء عملياته العسكرية، ارتكب فيها الأخير جرائم ضد المدنيين، كما أكدت تقارير للأمم المتحدة خلال السنة الماضية، نتيجة القصف والغارات الجوية الموجهة من مقاتلات التحالف.
وبعد أن أظهرت فشلها في كسب ود الإدارة الأميركية الحالية، بما كان يعتقد صناع القرار في المملكة السعودية، يخوضون اليوم هذا الصراع لتغطية فشلهم السياسي ضد إدارة الرئيس دونالد ترامب، وذلك لتحويل الاهتمام عن موضوع صفقةٍ كلفت المملكة السعودية 500 مليار دولار، لكسب رهان سياسي، انتظرت التعبير عنه في كلمة ترامب أمام قادة الخمسين دولة، لكنه عبر عن نقيض ذلك، حينما قال كلمته "يا دول الشرق الأوسط، لا تنتظروا من الولايات المتحدة محاربة الإرهاب نيابة عنكم". والمقصود بالدرجة الأولى المملكة السعودية التي عمل مسؤولوها ودبلوماسيوها ورجال أعمالها دورا كبيرا بمجرد نجاح ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، للتكفير عن سوء تقديرهم السياسي من الاصطفاف لجانب المرشحة عن الحزب الديمقراطي، هيلاري كلينتون، كان من نتيجته الجولات المكوكية لواشنطن منذ شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، التي توّجت بإبرام صفقة التاريخ الموقعة في الرياض، شهد عليها 55 من القادة العرب والإسلاميين.
الاختلاف السياسي بين دول مجلس التعاون الخليجي (السعودية، الإمارات، البحرين، قطر، الكويت، سلطنة عُمان) في تعاطيها مع القضايا الإقليمية، وفي مقدمتها مستوى تعاونها
الاقتصادي والسياسي مع إيران، وكذا مواقفها من حزب الله وحركة حماس، وانعكاس ذلك على ميزان القوة في المنطقة، بعد دخول اللاعب الروسي، وتقهقر تركيا والسعودية في الحضور العسكري والسياسي في الصراع السوري، يشكل، في مستوىً أو آخر، أحد المحدّدات التي سرّعت من الهجوم على قطر، بغرض الضغط عليها، لطرد قادة "حماس" المقيمين فيها، بعد أن ضمنت لهم الاستقرار السياسي والأمني على ترابها، بما يخدم مصالح دولة قطر وأهدافها، وهو ما يشكل خنقا لدى بعض مسؤولي دول داخل مجلس التعاون، جعلوا من تصنيف الرئيس ترامب حركة حماس بين الجماعات الإرهابية إشارة للهجوم على دولة قطر التي شكلت، إلى الأمس، عمقا لهذا التكتل الإقليمي، كما ستشكل في الغد أحد المحدّدات المستقبلية لهذا التكتل وللأنظمة السياسية التي تحكمه.
اتسعت هوة الصراع في مواجهة قطر من حلف دولي أصبح قيد التشكل، ليشمل العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر واليمن وحكومة شرق ليبيا وجزر المالديف، ما يفتح المجال أمام تطورات غير مسبوقةٍ في العلاقات بين الدول العربية والإسلامية عموما، ودول مجلس التعاون الخليجي خصوصا، على اعتبار أن الأزمة القطرية السعودية لسنة 2014 لم تدم سوى أشهر، اقتصرت حينها على الجانب الدبلوماسي (سحب السفراء) من دون أن تطاول المستويات الاقتصادية والتجارية، أو أن تنفتح الأزمة إلى الأبعاد الخارجة عن المحيط الإقليمي المشمول بمجلس التعاون (السعودية وقطر). وتنذر التطورات الحاصلة ببداية تفكّك هذا التكتل الاقليمي وانهياره، بعد تصدّع مكوناته واختلاف مصالحها السياسية والأمنية والعقائدية.
وبعد أن اتخذ الصراع طابعاً إعلامياً، سرعان ما تحول صراعاً سياسياً مفتوحاً، وشمل إلى جانب قطع العلاقات الدبلوماسية، وقف التعاون الاقتصادي وغلق الحدود البرية والجوية، للحد من المبادلات التجارية، وأطل خيار المواجهة العسكرية حاضرا بين هذه الدول، لأن عقيدة التوسع وإشعال نار الحروب، بدل إطفاء لهيبها، ما زالت تسكن عقلية الممسكين بزمام الأمور في بعض هذه الدول، وأن ما يعرفه العالم العربي والإسلامي من حروب واقتتال داخلي وتشرذم سياسي وعقائدي، إنما مردّه بالأساس إلى سلوكيات بعضهم وأفعالهم وممارساتهم، وهو ما لا يخدمهم استراتيجيا، ولا يخدم حاضر الأمة الإسلامية، ولا مستقبلها.
أظهرت القمة العربية الإسلامية الأميركية أن المستفيد الأول والأخير من مخرجاتها، ومن
وبعد أن أظهرت فشلها في كسب ود الإدارة الأميركية الحالية، بما كان يعتقد صناع القرار في المملكة السعودية، يخوضون اليوم هذا الصراع لتغطية فشلهم السياسي ضد إدارة الرئيس دونالد ترامب، وذلك لتحويل الاهتمام عن موضوع صفقةٍ كلفت المملكة السعودية 500 مليار دولار، لكسب رهان سياسي، انتظرت التعبير عنه في كلمة ترامب أمام قادة الخمسين دولة، لكنه عبر عن نقيض ذلك، حينما قال كلمته "يا دول الشرق الأوسط، لا تنتظروا من الولايات المتحدة محاربة الإرهاب نيابة عنكم". والمقصود بالدرجة الأولى المملكة السعودية التي عمل مسؤولوها ودبلوماسيوها ورجال أعمالها دورا كبيرا بمجرد نجاح ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، للتكفير عن سوء تقديرهم السياسي من الاصطفاف لجانب المرشحة عن الحزب الديمقراطي، هيلاري كلينتون، كان من نتيجته الجولات المكوكية لواشنطن منذ شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، التي توّجت بإبرام صفقة التاريخ الموقعة في الرياض، شهد عليها 55 من القادة العرب والإسلاميين.
الاختلاف السياسي بين دول مجلس التعاون الخليجي (السعودية، الإمارات، البحرين، قطر، الكويت، سلطنة عُمان) في تعاطيها مع القضايا الإقليمية، وفي مقدمتها مستوى تعاونها
اتسعت هوة الصراع في مواجهة قطر من حلف دولي أصبح قيد التشكل، ليشمل العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر واليمن وحكومة شرق ليبيا وجزر المالديف، ما يفتح المجال أمام تطورات غير مسبوقةٍ في العلاقات بين الدول العربية والإسلامية عموما، ودول مجلس التعاون الخليجي خصوصا، على اعتبار أن الأزمة القطرية السعودية لسنة 2014 لم تدم سوى أشهر، اقتصرت حينها على الجانب الدبلوماسي (سحب السفراء) من دون أن تطاول المستويات الاقتصادية والتجارية، أو أن تنفتح الأزمة إلى الأبعاد الخارجة عن المحيط الإقليمي المشمول بمجلس التعاون (السعودية وقطر). وتنذر التطورات الحاصلة ببداية تفكّك هذا التكتل الاقليمي وانهياره، بعد تصدّع مكوناته واختلاف مصالحها السياسية والأمنية والعقائدية.