10 ابريل 2019
فانتازيا مصرسودانية
يمكن للقاء الرئيسين، السوداني عمر البشير والمصري عبد الفتاح السيسي، على هامش قمة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا الثلاثاء الماضي، والذي تم وكأنّه جاء من دون ترتيب؛ يمكن أن يخلق إحدى قصص الفانتازيا المصرسودانية من العدم، وأبطالها رأسا الدولتين المشيرين الانقلابيين.
التقى الرئيسان في أرض الخلاف الثالثة الأخرى على أهم قضية، وهي قضية سدّ النهضة، وافترقا وبلداهما لا تزال تثقل كاهل أهلهما أزمات وضعها الرئيسان على الهامش، فلا حُلّت المسائل المعلّقة، ولا تم وضع خطة ولو متواضعة، تُلقم الإعلام المتلهّف، جملة مفيدة يخرج بها من هذا اللقاء.
لو لم يجئ الخبر بصياغته الغريبة هذه من وكالة السودان للأنباء (سونا) المعروفة بعراقتها وتاريخها الإعلامي، بغض النظر عن موالاتها النظام الحالي الحاكم، لاعتقد المرء أنّ الصياغة من بنات أفكار ندماء مواقع التواصل الاجتماعي الذين لا تملك القطع بجديتهم من عدمها. قالت الوكالة إنّ الرئيسين اتفقا على ألّا تشغل القضايا الخلافية البلدين عن الوصول إلى ما يمكن أن يؤدي إلى تمتين العلاقة بينهما. وفي روايةٍ أخرى، اتفقا على تجاهل ما يثير الخلافات، والإشارة هنا إلى قضية حلايب وسدّ النهضة.
وليست هذه المرة الأولى التي يحضر فيها الرئيسان، وتضيع مشكلات بلديهما في كومة
التفاصيل، فقد غابت من قبل تلكما القضيتيان عن لقاءات جمعت بينهما، كانت آخرها جلسة المباحثات في القاهرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2016. وذُكر أن ذلك اللقاء ابتعد عن تجديد الخلاف حول الملفات العالقة. إذن فيمَ كانا يلتقيان ثم يفترقان، ليجدّدا اللقاء مرة أخرى على رصيف الهامش المذكور؟ وإن لم تكن لهذه الملفات العالقة من أهميةٍ تُذكر، فلمَ الخلاف من الأساس والجدل وتباين وجهات النظر؟ وإن كانت تشكّل أهمية لهما أكثر من بقائهما على كرسي الحكم، فهل يحلّ هروبهما منها، والإشاحة بوجهيهما عنها أي قضية؟
في هامش القمة الأفريقية، لم يُذكر أيّ مشروع أو حدث مشترك جمع بين الرئيسين، حتى ولو من باب التهويم الإعلامي. فعلى الأقل شهد لقاء العام السابق توقيع اتفاقيات اقتصادية وأمنية. وعلى الرغم من أنّ تلك الاتفاقيات تقع في إطار اتفاق عريض موقّع عليه مسبقاً، وهو اتفاقية الحريات الأربع، فإنّ ما تم لا يعدو أن يكون تحصيل حاصل، ولم يأتِ بجديدٍ يُذكر في شأن التعاملات الاقتصادية. وعوضاً عن كل التحديات الماثلة التي لم يتم التطرّق لها، تم تكريم البشير لدى مشاركته ضيف شرف في الاحتفالات المصرية بالذكرى الثالثة والأربعين لنصر حرب أكتوبر، ومنحه السيسي وساماً، لمشاركته في حرب الاستنزاف في مصر، جندياً ضمن القوات السودانية المتطوعة.
مثل الأخوة الأعداء، يرسل الرئيسان رسالة خارجية غير مفهومة التفاصيل. ولكن، يمكن سبر أغوارها بالرجوع إلى ممارساتهما السياسية في حكم بلديهما وشعبيهما.
يمكن ترجمة رسالة البشير التي يعكسها هذا الموقف، بأنّ السودان حكومة، وليس شعباً، يتواءم
مع نظام السيسي، وهذا يعني أنّه يجُبُّ تاريخه القريب بترحيبه بفوز الرئيس محمد مرسي في الانتخابات، واحتفائه به عند زيارته السودان في 4 أبريل/ نيسان 2013، حتى كاد أن يظهر الأمر وكأنّه تكتّل إسلامي في وادي النيل، جعل العالم يتحسّس قواعده العسكرية عند القرن الأفريقي ومحطاته الاستشعارية في إسرائيل. الآن، وبعد أن خلع البشير رداء الحركة الإسلامية التي جاءت به إلى الحكم، بنفي زعيمها حسن الترابي وسجنه قبل الإفراج عنه ثم وفاته، ثم باستئصال كل ما يمتُّ إلى الحركة الإسلامية بصلة من مؤسسات الدولة التنفيذية، والتخلص من أعضائها واحداً تلو الآخر. وبعد أن أصبحت دولة "الإنقاذ"، بعساكرها ومتسلقي السلطة فيها، جسماً غريباً، ليس على الأحزاب السياسية فحسب، وإنّما على الانتماء للوطن ككل، أصبحت تنزع إلى طول البقاء بالاستجداء.
أما رسالة السيسي فهي محاولة لكسب أرض جديدة بعد أن خسر الخليج، ولا بد أن يمسك بخيوط بعض العلاقات، ولو كانت واهنةً من أجل قضايا أكبر. صحيح أنّ هذه القضايا لم يتم التطرّق لها من قريبٍ أو بعيد، ولكنها تبقى حاضرة في الأذهان، ومن أجلها تتم مداهنة السودان الذي كان، حتى أيام قريبة، يئن تحت قذف راجمات إعلامه بأقذع الألفاظ، وفي نظره ونظر البروباغندا التي تتحكم في مفاصل علاقاته الخارجية، ما هو إلّا بلد تابع.
وإلى أن اجتمعت هذه الظروف معاً، رأى السيسي مكافأة البشير، تماشياً مع الجو السياسي العالمي، لمكافآت مكافحة الإرهاب. ورأى أن يضمّ لهذه السلّة الحاوية كلّ مسميات الإرهاب، كلُّ حسب تعريفه؛ إبعاد الخرطوم إسلاميين مصريين كانوا يقيمون في السودان منذ انقلاب 3 يوليو/ تمّوز 2013، وعزل الرئيس السابق محمد مرسي. وهكذا من دون أن يتحدّث البشير والسيسي، فإنهما يعبّران بما هو أكثر بلاغة من الحروف، التذاكي السياسي على شعبين، ما زالت قضاياهما الملّحة عند الهامش من دون حراك. وبهذا التوافق على التهميش، يريد الرئيسان أن يعقدا صفقة أخرى، يوهمانا بأنّها عقد جديد خالٍ من أيّ قضية خلافية، كما أنّها ليس فيها جرد حساب من أيّ نوع في دفتر أحوال الشعبين المسكينين.
التقى الرئيسان في أرض الخلاف الثالثة الأخرى على أهم قضية، وهي قضية سدّ النهضة، وافترقا وبلداهما لا تزال تثقل كاهل أهلهما أزمات وضعها الرئيسان على الهامش، فلا حُلّت المسائل المعلّقة، ولا تم وضع خطة ولو متواضعة، تُلقم الإعلام المتلهّف، جملة مفيدة يخرج بها من هذا اللقاء.
لو لم يجئ الخبر بصياغته الغريبة هذه من وكالة السودان للأنباء (سونا) المعروفة بعراقتها وتاريخها الإعلامي، بغض النظر عن موالاتها النظام الحالي الحاكم، لاعتقد المرء أنّ الصياغة من بنات أفكار ندماء مواقع التواصل الاجتماعي الذين لا تملك القطع بجديتهم من عدمها. قالت الوكالة إنّ الرئيسين اتفقا على ألّا تشغل القضايا الخلافية البلدين عن الوصول إلى ما يمكن أن يؤدي إلى تمتين العلاقة بينهما. وفي روايةٍ أخرى، اتفقا على تجاهل ما يثير الخلافات، والإشارة هنا إلى قضية حلايب وسدّ النهضة.
وليست هذه المرة الأولى التي يحضر فيها الرئيسان، وتضيع مشكلات بلديهما في كومة
في هامش القمة الأفريقية، لم يُذكر أيّ مشروع أو حدث مشترك جمع بين الرئيسين، حتى ولو من باب التهويم الإعلامي. فعلى الأقل شهد لقاء العام السابق توقيع اتفاقيات اقتصادية وأمنية. وعلى الرغم من أنّ تلك الاتفاقيات تقع في إطار اتفاق عريض موقّع عليه مسبقاً، وهو اتفاقية الحريات الأربع، فإنّ ما تم لا يعدو أن يكون تحصيل حاصل، ولم يأتِ بجديدٍ يُذكر في شأن التعاملات الاقتصادية. وعوضاً عن كل التحديات الماثلة التي لم يتم التطرّق لها، تم تكريم البشير لدى مشاركته ضيف شرف في الاحتفالات المصرية بالذكرى الثالثة والأربعين لنصر حرب أكتوبر، ومنحه السيسي وساماً، لمشاركته في حرب الاستنزاف في مصر، جندياً ضمن القوات السودانية المتطوعة.
مثل الأخوة الأعداء، يرسل الرئيسان رسالة خارجية غير مفهومة التفاصيل. ولكن، يمكن سبر أغوارها بالرجوع إلى ممارساتهما السياسية في حكم بلديهما وشعبيهما.
يمكن ترجمة رسالة البشير التي يعكسها هذا الموقف، بأنّ السودان حكومة، وليس شعباً، يتواءم
أما رسالة السيسي فهي محاولة لكسب أرض جديدة بعد أن خسر الخليج، ولا بد أن يمسك بخيوط بعض العلاقات، ولو كانت واهنةً من أجل قضايا أكبر. صحيح أنّ هذه القضايا لم يتم التطرّق لها من قريبٍ أو بعيد، ولكنها تبقى حاضرة في الأذهان، ومن أجلها تتم مداهنة السودان الذي كان، حتى أيام قريبة، يئن تحت قذف راجمات إعلامه بأقذع الألفاظ، وفي نظره ونظر البروباغندا التي تتحكم في مفاصل علاقاته الخارجية، ما هو إلّا بلد تابع.
وإلى أن اجتمعت هذه الظروف معاً، رأى السيسي مكافأة البشير، تماشياً مع الجو السياسي العالمي، لمكافآت مكافحة الإرهاب. ورأى أن يضمّ لهذه السلّة الحاوية كلّ مسميات الإرهاب، كلُّ حسب تعريفه؛ إبعاد الخرطوم إسلاميين مصريين كانوا يقيمون في السودان منذ انقلاب 3 يوليو/ تمّوز 2013، وعزل الرئيس السابق محمد مرسي. وهكذا من دون أن يتحدّث البشير والسيسي، فإنهما يعبّران بما هو أكثر بلاغة من الحروف، التذاكي السياسي على شعبين، ما زالت قضاياهما الملّحة عند الهامش من دون حراك. وبهذا التوافق على التهميش، يريد الرئيسان أن يعقدا صفقة أخرى، يوهمانا بأنّها عقد جديد خالٍ من أيّ قضية خلافية، كما أنّها ليس فيها جرد حساب من أيّ نوع في دفتر أحوال الشعبين المسكينين.