07 اغسطس 2024
خسائر نتنياهو بعد لقائه ترامب
للوهلة الأولى، تبدو زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أخيرا البيت الأبيض ناجحةً بكل المقاييس، حيث استقبله الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، بحفاوة واضحة، معلنا فتح صفحة جديدة من العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، تتضمن استعداد بلاده للتخلي عن حل الدولتين، كما اتفق معه على العمل عن قرب ضد إيران، ومن أجل بناء تحالف في الشرق الأوسط يضم إسرائيل ودولا عربية. لكن التدقيق قليلا في المشهد يفيد بأن زيارة نتنياهو لم تمر بدون خسائر جسيمة، قد يرتبط بعضها بالعلاقة التاريخية بين إسرائيل ويهود أميركا أنفسهم.
يحسب لنتنياهو الطريقة التي استقبله بها ترامب في البيت الأبيض، حيث أصر الإثنان على إظهار دفء العلاقة بينهما، مقارنة بالعلاقة بين نتنياهو والرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. وخلال حديثهما للصحافيين، أعلن ترامب استعداد بلاده للتخلي عن حل الدولتين، لو توافق الفلسطينيون والإسرائيليون على ذلك، كما أعلن حرصه على نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، مؤكّدا دراسته الأمر بعناية. وبعد اللقاء، أصدر الطرفان بيانا يعلن إنشاء مجموعات عمل ثنائية لتعميق التعاون على مختلف المستويات، بما في ذلك التعاون "لمواجهة إيران" و"لدعم التعاون العربي الإسرائيلي"، حيث أكد الطرفان، في المؤتمر الصحافي، على وجود فرصة غير مسبوقة للتعاون بين إسرائيل وبعض الدول العربية.
في المقابل، طالب ترامب نتنياهو بوقف الاستيطان، كما أكد عزمه على الدفع في اتجاه التوصل إلى اتفاقية سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولو دققنا في "الإنجازات" السابقة، لوجدنا أنها تحمل أكثر من مأزق لنتنياهو وإسرائيل، فاستقبال ترامب الحار لنتنياهو يبدو رسالة داخلية
بالأساس، يمكن أن يستفيد منها نتنياهو وترامب في أوساط أنصارهم من اليمينيين المتطرفين في أميركا وإسرائيل، لكنها تفتقر كثيراً من الجوهر، والقدرة على الفوز بدعمٍ أوسع داخل أميركا نفسها، أو عبر العالم. فعندما يتعلق الأمر بقضيةٍ مهمة، مثل تعاون الطرفين ضد إيران، لا يبدو حتى الآن أن ترامب يمتلك أي خططٍ واضحة لمواجهة إيران، فيما عدا تصريحاته النارية، وإضافة بعض الإيرانيين على قوائم الإرهاب، وهي مواجهةٌ لن تكون سهلة بالمرة في ظل طبيعة النظام الإيراني، وشبكة علاقاته الدولية والإقليمية.
ويشتكي الجمهوريون أنفسهم من افتقار ترامب لسياسات واضحة لتطبيق وعوده على أكثر من مستوى، ما أدى، على سبيل المثال، إلى تعطل أجندتهم السياسية الداخلية بخصوص قضايا مهمة، كالضرائب والتأمين الصحي، حيث اكتفى ترامب، خلال أسابيعه الأولى في الحكم، بتوقيع قرارات تنفيذية جلبت عليه سخطاً داخلياً ودولياً واسعاً، لكنه لم يطرح أي مشاريع قوانين تفصيلية حتى الآن، بل ما زال يواجه صعوباتٍ في توظيف بعض كبار مساعديه. وينطبق الأمر نفسه على عملية السلام وموقف ترامب منها، حيث اكتفى الأخير بالتأكيد على حرصه على التوصل إلى اتفاقية سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، من دون أن يقدم أي تصور جاد لإطار المفاوضات أو هدفها، ولا لكيفية التعاون مع الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة، والتي تعاني من مشكلات عديدة، قد تحد من قدرتها على تقديم مزيد من التنازلات لإسرائيل. وهكذا يبدو التعاون بين ترامب ونتنياهو كأنه يدور في دوائر خطابية، يشغلها ترامب بتصريحاته النارية وصوته العالي، من دون أن يدلل على قدرته على تطبيق ما يريده على أرض الواقع، أو على امتلاكه رؤى واضحة لما يريد.
في المقابل، تعرّضت تصريحات الطرفين عن استعدادهما للتخلي عن حل الدولتين لانتقادات من الأمم المتحدة وألمانيا وفرنسا، بالإضافة إلى جامعة الدول العربية، بل ومن بعض منظمات اليهود الأميركيين أنفسهم، الأمر الذي يرسّخ صورة نتنياهو وإسرائيل دوليا عقبة رئيسية أمام التوصل إلى اتفاق سلامٍ قائم على حل الدولتين، المدعوم أمميا ودوليا، وهي صورة تترسّخ، على مدى السنوات الأخيرة، في ظل رفض نتنياهو لوقف الاستيطان، أو القبول بالتفاوض، طوال حكم الرئيس باراك أوباما. كما تترسخ أيضا صورة نتنياهو زعيما يمينيا متطرفا، هو جزء من اليمين المتطرف الصاعد عبر العالم، في ظل تحالفاته الداخلية، وطبيعة علاقته مع ترامب، صاحب الشعبية المتراجعة دوليا وأميركيا. ويشار هنا إلى استطلاع لمؤسسة بيو الأميركية، يفيد بأن نسبة الرفض لسياسات ترامب، خلال شهره الأول في الحكم، وصلت إلى نسبة 59%، وهي قد تكون الأعلى ضد رئيس أميركي خلال شهره الأول في الحكم.
ولعل أهم خسائر نتنياهو ترتبط بعلاقته بيهود أميركا أنفسهم، ورفضه الدفاع عما يعانونه من موجة عداء متصاعدة، تزامنت مع صعود ترامب سياسيا، فمنذ صعود ترامب على الساحة، ويهود أميركا يشتكون، بشكل متزايد، من صعود موجة من العداء للسامية، وخصوصا على الإنترنت، وضد الكتاب والمثقفين اليهود، وهي موجة وثّقتها مؤسساتٌ رئيسيةٌ، مثل عصبة مكافحة التشويه اليهودية الأميركية، حيث اشتكت من ترديد ترامب نظريات مؤامرة، ومن أن خطابه يعطي دعما لخطاب الجماعات العنصرية البيضاء. وقد تكررت الشكوى نفسها على لسان المنظمات اليهودية الليبرالية، كتلك المعنية بالسلام في الشرق الأوسط، وبالحركات اليهودية الإصلاحية.
وخلال المؤتمر الصحافي المشترك، وجه صحافي لترامب سؤالا عن موجة العداء للسامية
المتصاعدة في أميركا، وعما ينوي فعله لمواجهتها. وفي مفاجأة للحضور وللرأي العام الأميركي، تجنّب ترامب الإجابة بشكل مباشر، واكتفى بالحديث على يهودية صهره الشاب، جاريد كوشنر، مبعوثه لعملية السلام، في الوقت الذي أسرع فيه نتنياهو إلى الدفاع عن ترامب، ما حال دون تقديم أي إجابة سياسية مقنعة، أو حتى واضحة، ما أثار غضب أكثر من منظمة يهودية أميركية.
وبهذا يعمّق نتنياهو أزمة الأجيال الشابة والليبرالية من الأميركيين واليهود الأميركيين مع إسرائيل، حيث يستمر في تحوله نحو اليمينية والتشدّد، ليس داخل إسرائيل وحدها، ولكن في علاقته بأميركا والغرب أيضا، ولو على حساب اليهود واليهودية نفسيهما، وهي أزمةٌ تتعمّق في ظل شعور أعداد متزايدة من اليهود الأميركيين بالتناقض بين دعمهم لإسرائيل من ناحية، وإيمانهم بالديمقراطية والليبرالية والحريات من ناحية أخرى، حيث بات بعضهم يرى إسرائيل عبئاً على اليهودية، وعلى اليهود عبر العالم.
باختصار، حصل نتنياهو من لقائه ترامب على مكاسب وقتية، مثل تعزيز مواقفه المتشدّدة داخليا، وتوثيق علاقته بالإدارة الأميركية الجديدة المتطرّفة، ودفعها إلى إعلان استعدادها للتخلي عن حل الدولتين، وكذلك دفع التنسيق مع ترامب بخصوص إيران. في المقابل، لا يمتلك ترامب حتى الآن أي خطط حقيقية لمساعدة نتنياهو، في ما يتعلق بعلاقته بإسرائيل أو موقفه من إيران، كما أن انحياز نتنياهو لترامب، وانحياز الطرفين ضد حل الدولتين، عمّقا صورتيهما قائدين يمينيين متطرّفين، يمثلان خطرا على الإجماع الدولي المتعلق بعملية السلام في الشرق الأوسط، كما أنهما أضرّا كثيرا بصورة نتنياهو وإسرائيل غربيا، خصوصا في أوساط الفئات الشابة والأكثر ليبرالية، بل عمّقا أزمة الهوية في أوساط اليهود الأميركيين أنفسهم، بعد انحياز نتنياهو لترامب، وتغليبه السياسة وأجندته اليمينية المتطرّفة والمصالح الضيقة للتحالف الحاكم في إسرائيل على قضيةٍ مركزيةٍ، كالعداء للسامية والدفاع عن اليهود واليهودية.
(كاتب مصري)
يحسب لنتنياهو الطريقة التي استقبله بها ترامب في البيت الأبيض، حيث أصر الإثنان على إظهار دفء العلاقة بينهما، مقارنة بالعلاقة بين نتنياهو والرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. وخلال حديثهما للصحافيين، أعلن ترامب استعداد بلاده للتخلي عن حل الدولتين، لو توافق الفلسطينيون والإسرائيليون على ذلك، كما أعلن حرصه على نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، مؤكّدا دراسته الأمر بعناية. وبعد اللقاء، أصدر الطرفان بيانا يعلن إنشاء مجموعات عمل ثنائية لتعميق التعاون على مختلف المستويات، بما في ذلك التعاون "لمواجهة إيران" و"لدعم التعاون العربي الإسرائيلي"، حيث أكد الطرفان، في المؤتمر الصحافي، على وجود فرصة غير مسبوقة للتعاون بين إسرائيل وبعض الدول العربية.
في المقابل، طالب ترامب نتنياهو بوقف الاستيطان، كما أكد عزمه على الدفع في اتجاه التوصل إلى اتفاقية سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولو دققنا في "الإنجازات" السابقة، لوجدنا أنها تحمل أكثر من مأزق لنتنياهو وإسرائيل، فاستقبال ترامب الحار لنتنياهو يبدو رسالة داخلية
ويشتكي الجمهوريون أنفسهم من افتقار ترامب لسياسات واضحة لتطبيق وعوده على أكثر من مستوى، ما أدى، على سبيل المثال، إلى تعطل أجندتهم السياسية الداخلية بخصوص قضايا مهمة، كالضرائب والتأمين الصحي، حيث اكتفى ترامب، خلال أسابيعه الأولى في الحكم، بتوقيع قرارات تنفيذية جلبت عليه سخطاً داخلياً ودولياً واسعاً، لكنه لم يطرح أي مشاريع قوانين تفصيلية حتى الآن، بل ما زال يواجه صعوباتٍ في توظيف بعض كبار مساعديه. وينطبق الأمر نفسه على عملية السلام وموقف ترامب منها، حيث اكتفى الأخير بالتأكيد على حرصه على التوصل إلى اتفاقية سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، من دون أن يقدم أي تصور جاد لإطار المفاوضات أو هدفها، ولا لكيفية التعاون مع الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة، والتي تعاني من مشكلات عديدة، قد تحد من قدرتها على تقديم مزيد من التنازلات لإسرائيل. وهكذا يبدو التعاون بين ترامب ونتنياهو كأنه يدور في دوائر خطابية، يشغلها ترامب بتصريحاته النارية وصوته العالي، من دون أن يدلل على قدرته على تطبيق ما يريده على أرض الواقع، أو على امتلاكه رؤى واضحة لما يريد.
في المقابل، تعرّضت تصريحات الطرفين عن استعدادهما للتخلي عن حل الدولتين لانتقادات من الأمم المتحدة وألمانيا وفرنسا، بالإضافة إلى جامعة الدول العربية، بل ومن بعض منظمات اليهود الأميركيين أنفسهم، الأمر الذي يرسّخ صورة نتنياهو وإسرائيل دوليا عقبة رئيسية أمام التوصل إلى اتفاق سلامٍ قائم على حل الدولتين، المدعوم أمميا ودوليا، وهي صورة تترسّخ، على مدى السنوات الأخيرة، في ظل رفض نتنياهو لوقف الاستيطان، أو القبول بالتفاوض، طوال حكم الرئيس باراك أوباما. كما تترسخ أيضا صورة نتنياهو زعيما يمينيا متطرفا، هو جزء من اليمين المتطرف الصاعد عبر العالم، في ظل تحالفاته الداخلية، وطبيعة علاقته مع ترامب، صاحب الشعبية المتراجعة دوليا وأميركيا. ويشار هنا إلى استطلاع لمؤسسة بيو الأميركية، يفيد بأن نسبة الرفض لسياسات ترامب، خلال شهره الأول في الحكم، وصلت إلى نسبة 59%، وهي قد تكون الأعلى ضد رئيس أميركي خلال شهره الأول في الحكم.
ولعل أهم خسائر نتنياهو ترتبط بعلاقته بيهود أميركا أنفسهم، ورفضه الدفاع عما يعانونه من موجة عداء متصاعدة، تزامنت مع صعود ترامب سياسيا، فمنذ صعود ترامب على الساحة، ويهود أميركا يشتكون، بشكل متزايد، من صعود موجة من العداء للسامية، وخصوصا على الإنترنت، وضد الكتاب والمثقفين اليهود، وهي موجة وثّقتها مؤسساتٌ رئيسيةٌ، مثل عصبة مكافحة التشويه اليهودية الأميركية، حيث اشتكت من ترديد ترامب نظريات مؤامرة، ومن أن خطابه يعطي دعما لخطاب الجماعات العنصرية البيضاء. وقد تكررت الشكوى نفسها على لسان المنظمات اليهودية الليبرالية، كتلك المعنية بالسلام في الشرق الأوسط، وبالحركات اليهودية الإصلاحية.
وخلال المؤتمر الصحافي المشترك، وجه صحافي لترامب سؤالا عن موجة العداء للسامية
وبهذا يعمّق نتنياهو أزمة الأجيال الشابة والليبرالية من الأميركيين واليهود الأميركيين مع إسرائيل، حيث يستمر في تحوله نحو اليمينية والتشدّد، ليس داخل إسرائيل وحدها، ولكن في علاقته بأميركا والغرب أيضا، ولو على حساب اليهود واليهودية نفسيهما، وهي أزمةٌ تتعمّق في ظل شعور أعداد متزايدة من اليهود الأميركيين بالتناقض بين دعمهم لإسرائيل من ناحية، وإيمانهم بالديمقراطية والليبرالية والحريات من ناحية أخرى، حيث بات بعضهم يرى إسرائيل عبئاً على اليهودية، وعلى اليهود عبر العالم.
باختصار، حصل نتنياهو من لقائه ترامب على مكاسب وقتية، مثل تعزيز مواقفه المتشدّدة داخليا، وتوثيق علاقته بالإدارة الأميركية الجديدة المتطرّفة، ودفعها إلى إعلان استعدادها للتخلي عن حل الدولتين، وكذلك دفع التنسيق مع ترامب بخصوص إيران. في المقابل، لا يمتلك ترامب حتى الآن أي خطط حقيقية لمساعدة نتنياهو، في ما يتعلق بعلاقته بإسرائيل أو موقفه من إيران، كما أن انحياز نتنياهو لترامب، وانحياز الطرفين ضد حل الدولتين، عمّقا صورتيهما قائدين يمينيين متطرّفين، يمثلان خطرا على الإجماع الدولي المتعلق بعملية السلام في الشرق الأوسط، كما أنهما أضرّا كثيرا بصورة نتنياهو وإسرائيل غربيا، خصوصا في أوساط الفئات الشابة والأكثر ليبرالية، بل عمّقا أزمة الهوية في أوساط اليهود الأميركيين أنفسهم، بعد انحياز نتنياهو لترامب، وتغليبه السياسة وأجندته اليمينية المتطرّفة والمصالح الضيقة للتحالف الحاكم في إسرائيل على قضيةٍ مركزيةٍ، كالعداء للسامية والدفاع عن اليهود واليهودية.
(كاتب مصري)