حربٌ تلد حروبا

11 نوفمبر 2017
+ الخط -
اتهمت إيران رئيس حكومة لبنان (المستقيل) سعد الدين الحريري بتسعير نيران الحرب في لبنان وحوله، كأن لبنان ليس متورّطا في حرب حزب الله ضد الشعب السوري، أو كأن الحريري كان في موقعٍ يتيح له البتّ في مسائل الحرب والسلام، بينما الحزب مسكين ومغلوب على أمره، لا يُقدم على ما يمسّ بسيادة لبنان وأمنه واستقلاله، أو يخالف قرارات دولته ومواقفها، أو يتبنى خياراتٍ تحظى بإجماع معظم مواطنيه.
حمل حزب الله لبنان إلى الحرب، فصار من المنطقي والحتمي أن تنتقل إليه. وخدم الحزب إيران باسم مصالح إلهية، له وحده حق الانفراد بتحديدها. وعلى الرغم من انكشاف دوره قوة تخدم دولة أجنبية، تتضارب مصالحها مع استقلال لبنان وأمنه، فإن حسن نصر الله يصرّ على تقييد حق اللبنانيين في التعاطي مع شؤونهم الوطنية، ويمنح نفسه الحق في تقرير هوية لبنان ودوره، داخل حدوده وخارجها، ويحل سيادة حزبه محل سيادة دولته التي يمنحه أبطالها قدرة مطلقة على التحكّم فيه، بسلاحٍ استهدفهم مرات عديدة، في مقابل كل مرة استهدف فيها إسرائيل، فلا عجب أن غدوا ضحاياه إبّان فسح سلامه الداخلي العنيف والمسلح، الذي غزا بذريعته عاصمتهم، وحربه الخارجية التي يستمد شرعيتها من إله/ إمام أو إمام/ إله، ويطفئ لهيبها كل مرة في دماء اللبنانيين.
واليوم، وعسكر الحزب يقاتل في كل شبر من سورية، والضاحية تصرخ وجعا من انتصاراته الإلهية التي وطنت الموت وأحزانه في قلوب أمهات قتلاها وزوجاتهم وآبائهم، لا يجد حسن نصر الله ما يعدهم به غير مزيد من الموت، بدافع من سعيه إلى حجب انكشاف موقف إيران في سورية، وشروع الروس بإزاحتها عن مواقع خالت أنها مصادر قوةٍ لا يشاركها فيها سواها من أطراف الحرب السورية، فإذا بموسكو تتبنّى بصمتٍ سياساتٍ هدفها تحجيم دور الملالي الذين يخسرون، إن هم قبلوا سلام بوتين، فإن واصلوا الحرب ظلوا وحيدين، وواجهوا عجزهم عن إدامتها من دون روسيا وضدها. بينما تلوح مخاطر تحيق أكثر فأكثر بهم، منها أولا تفاهم روسي/ أميركي محتمل، يقوّض بلوغه دورهم المذهبي في سورية، المتعارض مع مصالحهما ومستلزمات السلام. ومنها ثانيا تقليم أظافرهم في المشرق، بمبادرة أميركية ينضم الروس إليها في مقابل موافقة واشنطن على حلول وسط معهم في بعض القضايا الدولية المختلف عليها، ومنها، أخيرا، انتفاء حاجة الكرملين إلى الحرس الثوري ومرتزقته الذين يدعمون بريا حربهم الجوية ضد الثورة، لكن حاجتهم إليها ستنتفي بعد بدء عملية السلام، وبروز اعتراضات إيران عليها، وتمسّكها بأهداف تناقض أي حل سياسي، بل وتتجاوز السياسة وعوالمها إلى أوهام مذهبية مؤدلجة، ترفض جميع أنواع التسويات والحلول الوسط والتنازلات المتبادلة مع بقية أطراف الصراع السوري، وتؤمن بأن حرب إيران ضد الشعب السوري واجب ديني لا مهرب منه، يجب أن يستمر حتى القضاء على مقاومة السوريين للأسد، وإلا فالقضاء عليهم جماعات وأفرادا.
مثلما دخل إلى سورية بأوامر إيرانية، فإن حزب الله سيخرج منها، بعد أن أنهك حاضنته المجتمعية وشعب لبنان، وخسر معها ما كان يغمره من تعاطف سوري/ عربي/ إسلامي عام، ويتمتع به من غطاء داخلي، يرى في إسرائيل خطرا داهما، لكنه غيّر موقفه بعد حرب الحزب ضد شعب سورية، وطريقته الفظة في تجاهل لبنان وازدرائه شعبا ودولة، وتحكمه المطلق بمفاصله، وإلحاقه بإيران التي جعلت منه محافظةً يعنيها منها الحزب وحده: فصيلها المسلح الذي يحتله وينفذ بولاء ما تكلفه به ضد جواره وشعبه: المختطف ومسدس نصر الله الإلهي مصوّب إلى رأسه.
يجلب حزب الله لبنان إلى الحرب التي يرجّح أن تذهب من اليوم فصاعدا إليه، وأن تستهدف أفعى إيران الرقطاء التي لا تكف عن لدغ ضحاياها في القارات الخمس، فضلا عن جوارها المباشر، ولا تتوقف عن قتلهم باسم حقها الإلهي في القضاء عليهم، الذي تناست أنها منحته لغيرها بمجرّد أن منحته لنفسها، وطبقته خارج وضد أي قانون أو عرف أو نزعة أخلاقية أو إنسانية.
يقول شكسبير، في مسرحية له: بعضهم يذهب إلى قص الصوف، ويعود وقد جزّ وبره.
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.