مصر ليست مهد الأديان

30 يناير 2017

وزير الثقافة في معرض آثار بالمتحف المصري (24/10/2016/فرانس برس)

+ الخط -
I
هذا العنوان ردٌّ على معرض يقيمه المتحف المصري بعنوان "مصر مهد الأديان"، ولا ترمي من ورائه إلى إثبات حقائق تاريخية، أو عرض مواد أثرية غير معروفة تؤكد "الحقيقة" الدعائية الكامنة وراء هذا العنوان، فلا سياق ثقافياً أو تاريخياً أو علمياً يسنده، اللهم إلا الخوض في "الحرب" الفكرية ضد التشدّد الديني والإرهاب القائم على فكرةٍ عنيفة، مجتثَّة، حيال "الآخر". مصر مهد عبقرياتٍ عديدة، لكنها ليست مهد "كل" أديان المنطقة. قد يكون هناك ترابطٌ، تبادلٌ، تثاقفٌ، اقتباس أفكار وقصص دينية بين مصر ومحيطها المشرقي. لكن، لا حقائق تثبت أنها مهد الديانات الثلاث: اليهودية، المسيحية، والإسلام. لمصر أدياناها التي قد تقارن بأديان الهلال الخصيب القديمة، لكن ذلك لا يتعدّاه، على الأرجح، إلى "الديانات السماوية".. يمكن لسيغموند فرويد أن يقول إن اخناتون هو موسى. ويمكن للتوراة أن تروي قصصاً عن طرد اليهود من مصر، وربما أمكن لبعضهم أن يتصوّر وصول "العائلة المقدّسة" إلى مصر، غير أن هذا ليس من الحقائق التاريخية في شيء، بل ليس من الحقائق التي يوثّقها الأرشيف المصري، ابن بيروقراطيةٍ حكوميةٍ عريقةٍ كانت تسجل حتى أقل الأحداث شأناً. فالسجلات المصرية التي كانت تدوِّن كلَّ ما يتعلّق بشؤون الدولة لم تأت على ذكر اليهود إطلاقاً. فهل يعقل أن تلك السجلات التي كانت تتوقف بدقةٍ متناهية، كتابة أو رسماً، عند وفد أجنبي يقدّم هديةً، أو جزيةً، لملك مصري، لا تشير، ألبتة، إلى وجود يهودي قيل إنه بلغ نحو 600 ألف عائلة في البلاد المصرية؟ الغريب، كل الغرابة، أن لا ذكر ورد في ما عُرف وصُنِّف، حتى الآن، من السجلات المصرية لاسم يهودي (أو لبني إسرائيل) على مدار عهود الأسرات المصرية التي ناهز حكمها أكثر من أربعة آلاف سنة. أليس هذا أكثر من غريب؟
II
يقدّم معرض المتحف المصري الذي افتتحه وزير الآثار المصري، خالد العناني، قطعاً فنية مصرية قديمة، يهودية ومسيحية وإسلامية، لكنها لا تشكل سياقاً، ولا تقوم على ثيمة، كما هو شأن المعارض التي تقيمها المتاحف. هناك شيء دعائي وراء هذا المعرض. هناك تقرّب ليس من الفاتيكان ولا من الأزهر، بل من تل أبيب. يمكن أن يفهم الجانب المسيحي في مصر. الكنيسة المصرية من أقدم كنائس العالم، ولكنها كنيسةٌ قائمةٌ على دين غير مصري. هناك طبقاتٌ من التاريخ الإسلامي في مصر، غير أن هذا لا يجعلنا نقول إن مصر مهد الديانة الإسلامية. ما هو مسيحي ضخم وبائن وعريق في مصر، وكذلك ما هو إسلامي، فأين ما هو يهودي؟ أقصد ما له علاقة بنشوء الديانة اليهودية. هناك دعاوى عن وجود يهودي تاريخي في مصر ثبت بطلانها، حتى من باحثين إسرائيليين. فإذا تركنا التوراة جانباً، لن نجد مدونةً مصريةً، أو غير مصرية، تتحدث، كما أسلفت، عن وجود يهودي في مصر. ولا عن طردٍ، ولا عن تيه في سيناء، ولا بالتالي عن وصول إلى فلسطين عبر الأردن. هذه قصص التوراة فقط.
III
يقول خالد العناني، في افتتاح المعرض الذي حضره لفيف من أعضاء السلك الدبلوماسي الأجنبي في مصر (وبدا كأنه حملة علاقات عامة)، إن المعرض"يوضح تطوّر العقيدة المصرية حتى دخول اليهودية والمسيحية والإسلام، وكيف احتضنت مصر على أرضها الديانات السماوية الثلاث".
لا شيء علمياً إذن.
حتى المقتنيات التي يقدّمها معرض المتحف المصري ليست تاريخية. كان هناك يهود في مصر. ربما كانوا مصريين، وربما جاؤوا من بلاد الأندلس بعد طردهم على يد الملكين الكاثوليكيين، فرناندو وأزبيلا. كما أن هناك وجوداً يهودياً في عدد من الدول العربية التي تبنّى بعض أبنائها هذه الديانة، شأنهم في ذلك شأن المسلمين والمسيحيين والصابئة، خصوصا في المشرق العربي.
خلط الدعائي بالتاريخي خطير.
ولا يدري هؤلاء الذين يفعلون ذلك أنهم يصبّون في الدعاوى التي تقول إن العبيد اليهود هم الذين بنوا الأهرامات. ألم يقل ذلك بن كارسون، المرشح الرئاسي الجمهوري الذي انضم لدونالد ترامب، إن النبي يوسف (اليهودي) بنى الأهرامات لتكون صوامع للحبوب؟!
E7B23353-660D-472F-8CF3-11E46785FF04
أمجد ناصر

شاعر وكاتب وصحفي من الأردن