تونس.. المسكوت عنه في برنامج حكومة الشاهد

06 سبتمبر 2016

يوسف الشاهد: برنامج حكومي لا يتجاوز إعلان النيات (31/8/2016/أ.ف.ب)

+ الخط -
عرض رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، برنامج عمل فريقه الحكومي في السنوات المقبلة أمام مجلس نواب الشعب، وشمل البرنامج تأكيد الالتزام بتعزيز المسار الديمقراطي، وتبني أهداف الثورة في تحقيق الحرية والعدالة وضمان الكرامة لعموم المواطنين. واعتبر الشاهد تكريس سلطة القانون ومقاومة الفساد ومكافحة الإرهاب، وتحقيق النهوض الاقتصادي والاستقرار الأمني من أولويات الحكومة الجديدة، فأعرب بذلك عن التزام أخلاقي/ رسمي تجاه المواطنين بالوفاء لروح الثورة وتحقيق مطالبها من ناحية، والعمل على إرساء دولة الحق والواجب ولزوم الشفافية من ناحية أخرى. وبعث رسائل طمأنة إلى الرأي العام المحلي والدولي، مؤداها أن الحكومة الجديدة لن تنقلب على الثورة، على الرغم من وجود بعض وجوه النظام القديم فيها، ولن تكون نافذةً لعودة الاستبداد أو الارتداد عن المكاسب الحقوقية التي غنمها التونسيون بعد الثورة.
وركّز الشاهد، في خطابه البرامجي، على عدّة ملفات، اعتبرها من أولويات حكومته، أهمّها الملفات، الاقتصادي والأمني والبيئي. فعلى الصعيد الاقتصادي، قدّم الشاهد تشخيصاً موضوعيّا للأزمة الاقتصادية التي شهدتها البلاد بعد الثورة، منبّها التونسيين إلى خطورة الوضع، مشيراً إلى تراجع إنتاج قطاعات حيوية، مثل السياحة والمحروقات والفوسفات الذي انخفض إنتاجه بنسبة 60٪، ما جعل نسبة النموّ لا تتجاوز معدّل 5،1٪ في السنوات الخمس الأخيرة. وفسّر ذلك بتزايد نفقات الدولة، وتراجع مداخيلها، ما نتج عنه وقوعها في شرك الاقتراض المكثّف وارتهانها للصناديق النقدية الدولية، حتّى بلغت ديون البلاد سنة 2016 ما يقدّر بـ 56 مليار دينار، ما يعادل 62٪ من الناتج المحلّي الخام. وحمّل الشاهد، على سبيل التعميم، الطبقة السياسية والمجتمع المدني والهياكل الإدارية والإعلامية مسؤولية تردّي الأوضاع الاقتصادية، ولم يصرّح بمسؤولية طرفٍ بعينه في هذا الخصوص، خشية أن يقع في مواجهة مباشرة معه، فينفرط مشروع حكومة الوحدة الوطنية. وذهب إلى أنّ حلّ المعضلة الاقتصادية يقتضي نشر ثقافة العمل والتشجيع على الاستثمار، وتنويع التصدير وتطوير الإنتاج، ومكافحة الفساد. ولوّح بإمكانية اعتماد سياسة التقشف، وتسريح موظّفين للحدّ من نزيف النفقات، ولتغطية العجز الحاصل في ميزانية الدولة. والملاحظ أنّ الشاهد سكت عن قانون المصالحة الاقتصادية المثير للجدل، ولم يُخبر بموقف حكومته الوليدة منه. ومع أهمّية ما أعلنه من مقترحاتٍ، فإنّه لم يقدم خطةً تفصيليةً واضحةً للحدّ من البطالة والفقر، والهجرة غير الشرعية، ولم يفصح في برنامجه عن آليات لتنظيم السوق ومقاومة التهريب، والاحتكار والمضاربة. وتلويحه بالتقشف وتسريح العمّال لم يجد التجاوب المأمول من معظم التونسيين الذين يعانون من تدهور مقدرتهم الشرائية وارتفاع الأسعار وتآكل الطبقة الوسطى.

على الصعيد الأمني، أكد الشاهد أهمية استكمال مقومات بسط الأمن والاستقرار، ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وأثنى على جهود المؤسستين، الأمنية والعسكرية، في هذا الخصوص، واعداً بمراجعة المنظومة القانونية، لتضمن حقوق الأمنيين والعسكريين، وحمايتهم في أثناء أداء واجبهم، مشيراً إلى ضرورة تطوير أداء أجهزة الاستعلامات، وتوفير المعدّات اللازمة للقوات المسلحة. ولم يفضّل القول في المراد بحماية الأمنيين، وتحصينهم قانونياً على جهة التدقيق. كما تعهد بإصدار قانون قبل نهاية السنة الحالية، تلتزم بمقتضاه الدولة بضمان الإحاطة المعنوية والمادية الشاملة بأبناء الشهداء من قوات الأمن الداخلي والجيش الوطني، ضحايا العمليات الإرهابية، حيث ستتولى شؤونهم، وتتكفل بمصاريفهم إلى الحادية والعشرين من أعمارهم. والملاحظ أن الشاهد قصر هذا الامتياز على أبناء الأمنيين والعسكريين دون غيرهم . فماذا عن المدنيين الذين قضوا في مواجهة الجماعات الإرهابية؟ وماذا عن مصير أبناء الذين استشهدوا تحت التعذيب زمن الدولة القامعة من العسكريين وغيرهم؟ وماذا عن حال أبناء الذين سقطوا شهداء أيّام اندلاع الثورة؟ هل ستتكفّل الدولة بهؤلاء أم أنّ الدّم عن الدّم يُفرق؟ تبدو هذه المعطيات ضبابية، وتحتاج الإيضاح حتّى تتبيّن تفاصيل مقترَح القانون المذكور.
وفي مقاربته الوضع البيئي، نبّه الشاهد إلى أنّ تونس لم تنجح بعد الثورة في معالجة معضلة تكدّس الفضلات، وأرجع ذلك إلى قلّة المصبّات المراقبة، وعدم ازدهار صناعة تحويل النفايات في تونس، وهو ما ستسعى حكومته إلى تداركه. ومع واقعية هذا التصوّر، لا يجب أن يحجب حقيقة أنّ عدم إشاعة الثقافة البيئية، وعدم التعجيل في إرساء قواعد الحوكمة المحلّية والاكتفاء بالنيابات الخصوصية في البلديات، لأسباب سياسية وحزبية، قد زاد في هرسلة منظومة النظافة بالبلاد.
يبقى برنامج حكومة الشاهد واعداً، على الرغم من تأكيده ضرورة الاستمرار في دعم التجربة الديمقراطية التونسية، والقيام بإصلاحات اقتصادية واجتماعية. لا يتجاوز مستوى إعلان النيات، ذلك أنه لا يقدم جدولاً زمنياً واضحاً، لتحقيق ما أعلنه من وعود، كما أنه لا يضبط مخططاً مفصلا لحل المشكلات العالقة التي تعاني منها البلاد، ولا يرتكز على رؤيةٍ استراتيجيةٍ استشرافيةٍ لمقدرات البلاد وإمكاناتها واحتياجاتها على المديين المنظور والبعيد. ما قد ينعكس سلبا على أداء حكومة الوحدة الوطنية في المرحلة المقبلة.

511AC165-C038-4A2F-8C46-0930BBB64EBE
أنور الجمعاوي

أستاذ وباحث جامعي تونسي، فاز بالجائزة العربيّة للعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة لتشجيع البحث العلمي (فئة الشباب) من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. له عدة أبحاث وكتب.