إرهاب في لبنان بالجرم المشهود

05 سبتمبر 2016
+ الخط -
بعد مضي قرابة ثلاث سنوات على جريمة تفجير مسجدي التقوى والسلام في طرابلس اللبنانية، وراح ضحيتها أكثر من خمسين قتيلاً وعشرات الجرحى، أصدر القضاء اللبناني قبل أيام قراره الاتهامي بالجريمة، وأكد ضلوع المخابرات السورية وتورطها، إن لجهة التخطيط، أو لجهة التمويل والتجهيز واتخاذ القرار، فسمّى ضابطين في هذه المخابرات على الأقل، وطلب ملاحقتهما، وملاحقة كل من يظهر متورّطاً معهما على مستوى اتخاذ القرار أو المسؤولية. وأفرد القرار الاتهامي ما توفر لديه من أدلة جرمية دامغة في الملف، تثبت صحة روايته ودقتها، واتهامه الضابطين. وبالطبع، لو لم تتوفر لدى القضاء اللبناني هذه الأدلة الدامغة، لما تجرأ على توجيه الاتهام الصريح لهما، وللقيادة التي تقف خلفهما، وذلك يعد تطوراً مهماً وخطيراً في آن.
وقبل قرابة أربع سنوات أيضاً (أغسطس/ آب 2012) أوقفت أجهزة الأمن اللبنانية (شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي) الوزير السابق ميشال سماحة، على خلفية تهريب مواد متفجرة بسيارته من دمشق إلى بيروت، وطلبه من أحد الأشخاص تفجيرها في مناطق لبنانية شمالية، وفي تجمعاتٍ سياسية ودينية، كما طلب اغتيال شخصياتٍ دينيةٍ وسياسية، بغرض إثارة الفتنة. وقد ضبطت شعبة المعلومات المواد المتفجرة، كما ضبط الوزير بالجرم المشهود من خلال تسجيل محادثته بكاميرا خفية، فضلاً عن أنه اعترف أمام القضاء اللبناني بفعلته تلك، وأكد أنه استلم المواد المتفجرة من أحد ضباط الأمن السوري رفيعي المستوى. ودان القضاء اللبناني الوزير سماحة، وأصدر حكمه بحقه، وتأكّد للقاصي والداني تورّط جهاتٍ أمنية سورية بمحاولة التفجير، وإثارة الفتنة، كما يتم اليوم التأكد والتثبت من تورّط تلك الجهات في محاولة القتل والتفجير وإرهاب الناس، ومحاولة إثارة الفتنة في البلد. وهو بالطبع ما يمكن أن يطرح سؤالاً عن الجهة التي تقف خلف التفجيرات التي طاولت مناطق لبنانية أخرى في الضاحية
الجنوبية لبيروت، أو في البقاع، طالما أن القرار الاتهامي وجّه إصبعه في هذه الجريمة في طرابلس إلى هذين الضابطين. وهو ما يطرح سؤالاً آخر ما إذا كان القضاء اللبناني سيتمكن من ضبط خيوط جديدة في التفجيرات التي طاولت تلك المناطق، للتأكد والتثبت ما إذا كانت جهة واحدة تقف خلف كل التفجيرات التي طاولت لبنان بين العام 2011 وآخر التفجيرات، أم أن السياسة ولعبة المصالح ستوقف مساعي القضاء، وتجعلها تصل إلى طريق مسدود.
بعد القرار الاتهامي الذي صدر عن القضاء اللبناني في جريمة مسجدي التقوى والسلام، والذي اتهم صراحة المخابرات السورية بالضلوع في العملية، ومن دون انتظار للحكم الذي يمكن أن يصدر عن المجلس العدلي، طالما أن هناك سابقة في التثبت من ذلك في جريمة ميشال سماحة، يمكن القول إن القضاء اللبناني أثبت، بالجرم المشهود، تورّط تلك المخابرات، والنظام الذي يقف خلفها، بعمل أقل ما يمكن أن يقال فيه إنه إرهابي بامتياز. لذا، من غير الجائز للعالم أن يصدّق أن هذا النظام يحارب الإرهاب، وفقاً للرواية التي يرفعها على الدوام، ومن غير المقبول أن يتم التغاضي بعد اليوم عن كل هذه الجرائم، وما أكثرها في سورية أو حتى في لبنان.
لكن السؤال الأهم والأكثر حاجة إلى إجابة هو في موقف القوى التي تدعم هذا النظام تحت عنوان أنه يحارب الإرهاب والمجموعات الإرهابية. كيف سيكون موقف هذه القوى من هذا الاتهام، ومن تورّط هذا النظام، أو دعنا نقول ربما أجزاء منه، بهذه الأعمال الإرهابية؟ هل ستقتنع أن حربها معه، وإلى جانبه، مساندة معروفة أو غير معروفة، محسوبة أو غير محسوبة للإرهاب؟ هل ستعي مخاطر هذه المساندة، أو الاستمرار فيها على علاقاتها بالمكونات اللبنانية الأخرى، وعلى لبنان بشكل عام؟ هل ستكتشف، ولو لاحقاً، أن بعض التفجيرات التي أصابت المناطق التي تشكل حاضنةً لها قد تكون من صناعة من فجّر مسجدي التقوى والسلام؟ أم ستقفز فوق ذلك كله من أجل مصالح سياسية وفئوية ضيقة، وستستمر في مشروعها، من دون أدنى اعتبار لمآلات الأمور، بعد كل هذا الكم من الإجرام الذي يصيب الأمة؟
أثبت القضاء اللبناني مرة أخرى أن من يستهدف أمن البلد واستقراره بالفتنة والإرهاب والتخريب والاغتيالات بات معروفاً ومكشوفاً، ولم تعد المسوّغات التي ذهب بعضهم تحت عنوانها لمساندة هذا النظام تنطلي على أحد، فهل المطلوب الاستمرار في لعبة الدم من دون إقامة أي اعتبار لمخاطر ذلك؟ آن الأوان لكي يكتفي المتورطون بهذا القدر والحجم من مساندة من ثبت تورطه بالإرهاب والدم، وإلا فإن الإصرار يعني تفسيراً واحداً يجعل الجميع ينظرون إلى ما يجري على قاعدة الشراكة الكاملة بين الذين كشفهم القرار الاتهامي والذين يواصلون دعمهم لهم، ضاربين بعرض الحائط كل المصالح الوطنية والعلاقة بين مكونات الوطن والأمة، ما يصح القول عنه، في حينه، إنها شراكة كاملة في الإرهاب الحقيقي.

دلالات