13 يونيو 2021
الخليج وأفريقيا... الواقع والمأمول
أثار المقال الذي نشرته "الأوبزرفر" البريطانية، قبل أيام، لمراسلها في أفريقيا، جاسون بيرك، ورصد السباق التركي الإيراني الإسرائيلي على القارة السمراء، خصوصاً في شرقها، تساؤلات عديدة عن موقف دول الخليج من هذه التطورات ومدى انعكاسها على هذه الدول، فمثالاً، استقبلت كينيا المعروفة بأنها إحدى الدول الركائز لواشنطن في القرن الأفريقي، في شهري يونيو/ حزيران ويوليو/ تموز الماضيين، الرئيس التركي، أردوغان ثم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، فضلا عن وزراء إيرانيين عديدين. وبالتالي، بات السؤال: أين الخليج من أفريقيا؟
تكتسب العلاقات الخليجية الأفريقية أهمية خاصة، في ظل العوامل التاريخية والجغرافية، بل والدينية أيضاً، التي تجمع الخليج، بل وشبه الجزيرة العربية، بالقارة السمراء، خصوصاً الأجزاء الشرقية منها، والتي لا يفصلنا عنها سوى البحرالأحمر. لذا، تأثر كلاهما بالتطورات السياسية والاقتصادية في كل منهما، فمنذ العهد النبوي، كانت الحبشة (إثيوبيا) الموطن الأول لهجرة المسلمين، فرارا من اضطهاد قريش، ثم وجدنا الجزيرة العربية ودول الخليج المأوى لمئات آلاف الأفارقة الباحثين عن النجاة والفرار من الاضطرابات التي تشهدها دولهم من ناحية، أو بحثا عن فرصة عمل في ظل الندرة النسبية للسكان في الخليج مقارنة بأفريقيا.
وكان لكلا الجانبين دور مهم في دعم قضايا الطرف الآخر، فلعب الأفارقة دورا مهماً في الأمم المتحدة في دعم القضية الفلسطينية، باعتبارها قضية العرب الأولى، في حين دعمت دول الخليج مكافحة العنصرية في أفريقيا. وفي تسعينات القرن الماضي، أيدت الدول الأفريقية موقف دول الخليج في حرب الخليج الثانية. وفي المقابل، قدمت الأخيرة دعماً كبيراً لعمليات التصحر والجفاف واللاجئين التي ضربت دولاً عديدة في القارة، فضلا عن الأنشطة الدعوية.
ومع مطلع الألفية الثالثة، اكتسبت هذه العلاقات زخماً كبيراً في ظل بروز ظاهرة القرصنة في شرق أفريقيا وتأثيرها على النفط الخليجي الذي يمر عبر باب المندب إلى أوروبا والولايات المتحدة. كما برزت الجماعات الإسلامية المسلحة، مثل القاعدة وداعش، والتي استغلت الجوار الجغرافي لتنفيذ عملياتها عبر الحدود، فنفذت عناصر خليجية الهجوم على السفارتين الأميركية في كينيا وتنزانيا عام 1998، فضلا عن أن السودان آوى زعيم القاعدة أسامة بن لادن. وفي المقابل، أعلنت حركة الشباب المجاهدين الصومالية تبعيتها للتنظيم.
وبرزت هذه الأهمية مع الحرب في اليمن ضد الحوثيين، وحليفتهم إيران التي استغلت نفوذها المتنامي في شرق أفريقيا لتقديم الدعم العسكري واللوجستي لهم من خلال بعض الدول، كإثيوبيا، ما حدا بدول الخليج، خصوصاً السعودية، تليها قطر، لتكثيف علاقاتها بهذه الدول، بل والتفكير السعودي في إقامة قاعدة عسكرية في جيبوتي، حتى لا تتيح لإيران السيطرة على باب المندب عبر ضفتيه، اليمن وجيبوتي، كما نجحت الرياض في جعل الصومال والسودان يتخلصان من تحالفهما مع إيران، وإقامة علاقات أقوى معها، بتقديمها دعماً لمقديشيو بمقدار 50 مليون دولار، في مقابل استثمارات كبيرة ربما تقدّر بالمليارات في السودان، ناهيك عن دور ملحوظ لرجال الأعمال السعوديين في إثيوبيا نفسها. وفي المقابل، تردّد أن الإمارات، هي الأخرى، تشرع الآن في إقامة قاعدة أخرى في إريتريا المناوئة تقليدياً لإثيوبيا.
لكن، ومع هذه الأهمية والاهتمام، فإن التعامل الخليجي مع أفريقيا يتسم بالفردية، بمعنى عدم وجود تحرك جماعي وفق رؤيةٍ استراتيجية شاملة، وكذلك الانتقائية، أي التركيز على الشرق والغرب الأفريقي على حساب الوسط والجنوب، بل وبالمحدودية أيضاً، مقارنةً بدول أخرى، مثل إيران، أو حتى إسرائيل، فحجم العلاقات الدبلوماسية لدول الخليج مع دول أفريقيا غير العربية لا يزيد عن 30 بعثة وملحقية وقنصلية وسفارة، بل هناك 26 دولة إفريقية لا يوجد فيها تمثيل خليجي، في حين أن لإيران بمفردها 26 بعثة، مقابل 48 لإسرائيل عام 1997. ونجد هذه المحدودية أيضا في تضاؤل حجم التبادل التجاري بين الجانبين (30 مليار دولار عام 2007)، في حين يبلغ حجم التجارة الصينية مع أفريقيا أكثر من 30 مليار عام 2008.
ويطرح هذا الواقع تساؤلاتٍ عديدة، مثل: ما هي طبيعة العلاقة بين الخليج وأفريقيا؟ هل هي استراتيجية أم تكتيكية؟ وهل دول الخليج بصدد تبني رؤية استراتيجية شاملة للتعامل مع أفريقيا؟ أم ستظل على انتقائيتها الموضوعية (الجانب الأمني) والجغرافية (شرق أفريقيا). وهل هذه الرؤية القاصرة كافية لتحقيق الأهداف الخليجية المرجوّة؟. وما هي أبرز التحديات التي تواجه دول الخليج في أفريقيا، هل هي التحديات الثقافية المرتبطة بالصورة الذهنية السلبية للعرب، باعتبارهم المسؤولين عن بروز ظاهرة العبيد في أفريقيا، أم التحديات العقائدية المتعلقة بانحياز الخليج إلى الدول الأفريقية الإسلامية على حساب غير المسلمين، أم تحديات خاصة بالفواعل الإقليمية المنافسة في أفريقيا، الصين والهند واليابان وإيران وتركيا.
أفريقيا قارة واعدة للخليج وغيره من عدة زوايا استراتيجية، ففضلا عن الموقع الجيواستراتيجي المهم، هناك السوق الأفريقية الواعدة التي تقترب من مليار نسمة. وقبل هذا وذاك، هي بيئة استثمارية هائلة، لاسيما في مجال الإنتاج الزراعي الذي تحتاج إليه دول الخليج، بسبب ظروفها المناخية. ولعل انتشار التشيع بصورة كبيرة في أنحاء القارة يحتم على دول الخليج ليس التدخل لاعتباراتٍ عقائدية فقط، ولكن لاعتبارات سياسية أيضاً.
تكتسب العلاقات الخليجية الأفريقية أهمية خاصة، في ظل العوامل التاريخية والجغرافية، بل والدينية أيضاً، التي تجمع الخليج، بل وشبه الجزيرة العربية، بالقارة السمراء، خصوصاً الأجزاء الشرقية منها، والتي لا يفصلنا عنها سوى البحرالأحمر. لذا، تأثر كلاهما بالتطورات السياسية والاقتصادية في كل منهما، فمنذ العهد النبوي، كانت الحبشة (إثيوبيا) الموطن الأول لهجرة المسلمين، فرارا من اضطهاد قريش، ثم وجدنا الجزيرة العربية ودول الخليج المأوى لمئات آلاف الأفارقة الباحثين عن النجاة والفرار من الاضطرابات التي تشهدها دولهم من ناحية، أو بحثا عن فرصة عمل في ظل الندرة النسبية للسكان في الخليج مقارنة بأفريقيا.
وكان لكلا الجانبين دور مهم في دعم قضايا الطرف الآخر، فلعب الأفارقة دورا مهماً في الأمم المتحدة في دعم القضية الفلسطينية، باعتبارها قضية العرب الأولى، في حين دعمت دول الخليج مكافحة العنصرية في أفريقيا. وفي تسعينات القرن الماضي، أيدت الدول الأفريقية موقف دول الخليج في حرب الخليج الثانية. وفي المقابل، قدمت الأخيرة دعماً كبيراً لعمليات التصحر والجفاف واللاجئين التي ضربت دولاً عديدة في القارة، فضلا عن الأنشطة الدعوية.
ومع مطلع الألفية الثالثة، اكتسبت هذه العلاقات زخماً كبيراً في ظل بروز ظاهرة القرصنة في شرق أفريقيا وتأثيرها على النفط الخليجي الذي يمر عبر باب المندب إلى أوروبا والولايات المتحدة. كما برزت الجماعات الإسلامية المسلحة، مثل القاعدة وداعش، والتي استغلت الجوار الجغرافي لتنفيذ عملياتها عبر الحدود، فنفذت عناصر خليجية الهجوم على السفارتين الأميركية في كينيا وتنزانيا عام 1998، فضلا عن أن السودان آوى زعيم القاعدة أسامة بن لادن. وفي المقابل، أعلنت حركة الشباب المجاهدين الصومالية تبعيتها للتنظيم.
وبرزت هذه الأهمية مع الحرب في اليمن ضد الحوثيين، وحليفتهم إيران التي استغلت نفوذها المتنامي في شرق أفريقيا لتقديم الدعم العسكري واللوجستي لهم من خلال بعض الدول، كإثيوبيا، ما حدا بدول الخليج، خصوصاً السعودية، تليها قطر، لتكثيف علاقاتها بهذه الدول، بل والتفكير السعودي في إقامة قاعدة عسكرية في جيبوتي، حتى لا تتيح لإيران السيطرة على باب المندب عبر ضفتيه، اليمن وجيبوتي، كما نجحت الرياض في جعل الصومال والسودان يتخلصان من تحالفهما مع إيران، وإقامة علاقات أقوى معها، بتقديمها دعماً لمقديشيو بمقدار 50 مليون دولار، في مقابل استثمارات كبيرة ربما تقدّر بالمليارات في السودان، ناهيك عن دور ملحوظ لرجال الأعمال السعوديين في إثيوبيا نفسها. وفي المقابل، تردّد أن الإمارات، هي الأخرى، تشرع الآن في إقامة قاعدة أخرى في إريتريا المناوئة تقليدياً لإثيوبيا.
لكن، ومع هذه الأهمية والاهتمام، فإن التعامل الخليجي مع أفريقيا يتسم بالفردية، بمعنى عدم وجود تحرك جماعي وفق رؤيةٍ استراتيجية شاملة، وكذلك الانتقائية، أي التركيز على الشرق والغرب الأفريقي على حساب الوسط والجنوب، بل وبالمحدودية أيضاً، مقارنةً بدول أخرى، مثل إيران، أو حتى إسرائيل، فحجم العلاقات الدبلوماسية لدول الخليج مع دول أفريقيا غير العربية لا يزيد عن 30 بعثة وملحقية وقنصلية وسفارة، بل هناك 26 دولة إفريقية لا يوجد فيها تمثيل خليجي، في حين أن لإيران بمفردها 26 بعثة، مقابل 48 لإسرائيل عام 1997. ونجد هذه المحدودية أيضا في تضاؤل حجم التبادل التجاري بين الجانبين (30 مليار دولار عام 2007)، في حين يبلغ حجم التجارة الصينية مع أفريقيا أكثر من 30 مليار عام 2008.
ويطرح هذا الواقع تساؤلاتٍ عديدة، مثل: ما هي طبيعة العلاقة بين الخليج وأفريقيا؟ هل هي استراتيجية أم تكتيكية؟ وهل دول الخليج بصدد تبني رؤية استراتيجية شاملة للتعامل مع أفريقيا؟ أم ستظل على انتقائيتها الموضوعية (الجانب الأمني) والجغرافية (شرق أفريقيا). وهل هذه الرؤية القاصرة كافية لتحقيق الأهداف الخليجية المرجوّة؟. وما هي أبرز التحديات التي تواجه دول الخليج في أفريقيا، هل هي التحديات الثقافية المرتبطة بالصورة الذهنية السلبية للعرب، باعتبارهم المسؤولين عن بروز ظاهرة العبيد في أفريقيا، أم التحديات العقائدية المتعلقة بانحياز الخليج إلى الدول الأفريقية الإسلامية على حساب غير المسلمين، أم تحديات خاصة بالفواعل الإقليمية المنافسة في أفريقيا، الصين والهند واليابان وإيران وتركيا.
أفريقيا قارة واعدة للخليج وغيره من عدة زوايا استراتيجية، ففضلا عن الموقع الجيواستراتيجي المهم، هناك السوق الأفريقية الواعدة التي تقترب من مليار نسمة. وقبل هذا وذاك، هي بيئة استثمارية هائلة، لاسيما في مجال الإنتاج الزراعي الذي تحتاج إليه دول الخليج، بسبب ظروفها المناخية. ولعل انتشار التشيع بصورة كبيرة في أنحاء القارة يحتم على دول الخليج ليس التدخل لاعتباراتٍ عقائدية فقط، ولكن لاعتبارات سياسية أيضاً.