مهن تكاد تختفي في غزة

14 اغسطس 2016
+ الخط -
خوفاً عليها من الاندثار، أو المحو والطي في ذاكرة الماضي المنسي، هناك مهن قديمة عديدة يحاول كثيرون من متقنيها الحفاظ عليها، والعثور على آليات حديثة للمحافظة عليها وحمايتها من السرقة لأشخاص يدّعون أنّها من تراثهم، مثلما حدث قبل ذلك في موضوعات كثيرة.
هنا في غزة، توجد مهن حرفية قديمة عديدة، يجاهد أصحابها للاحتفاظ بها، والسعي دائماً إلى تذكير الأجيال المقبلة والحديثة بأهمية تلك الصناعات والمهن التي تحتفظ بعبق الماضي الجميل، التي يعتبر بعضها قطع أثرية نادرة.
محمد الخطيب، ذو الخامسة والثمانون عاماً، يجلس وسط دكانه العتيق في سوق فراس (سوق شعبي أثري، يتأملها بكلّ تفاصيل وجهه المخططة بتجاعيد الزمن، فمن هم بعمره يفضلون الجلوس في منازلهم وعدم المعاناة ومزاولة حياتهم بشكل طبيعي، لكنه رفض ذلك .
كلّ يوم صباحاً، يذهب برفقة ابنه الذي ورث عنه مهنة الحلاقة إلى دكانه، ويحاول جاهداً استعادة ذكريات الماضي، عندما أنشأ تلك الدكان، وأوّل بدايته فى ممارسة مهنة الحلاقة.
تلك الدكان الجميل الذي يحمل تفاصيل زمنية متعدّدة، إلى أن اهترأت جدرانها، وتشقّقت، مازالت تحتفظ ببعض الصور القديمة، فكلّ تشقّق لوحة فنية رائعة، رسمت بتعب وكدّ ذلك الرجل.
ورث محمد الحلاقة عن والده الذي كان حلاق المدينة التي هاجر منها يافا، أحبّ تلك المهنة وأخلص لها، فهاجر حاملاً أمله معه، بأن يصبح حلاقاً متميّزاً، ويرث صيت والده فى الحلاقة.
هناك اختلاف بين مهنة الحلاقة قديماَ وحديثاَ، فقديماً كان الحلاق يزاول مهنة طبية أيضاً، كالتداوي بالأعشاب وخلع الأضراس، لكن الآن تقتصر المهنة على الحلاقة فقط، مع تطوّرها وتطوّر أدواتها المستخدمة فيها، فليس هناك مجال لممارسة شيء آخر، كما يقول محمد.
مهنة الحلاقة هي الأكثر انتشاراً في العالم من غيرها منذ الأزل، قديماً كان الحلاق يعتبر طبيباً معالجاً للأمراض بجميع أشكالها، وكان الكثير يؤمن بقدرته العجيبة على مداواة الأمراض بجانب طهور الأطفال والحجامة لسحب الدم الفاسد من جسم الإنسان، وكانت أجرة الحلاق مرتفعة جداً، وتزداد ارتفاعاً في المناسبات السعيدة والأفراح، لما لها من أهمية كبيرة.
أما المصنع المقام منذ خمسين عاماً في شارع الفواخير لتصنيع الحلويات التي تحمل الجودة الفلسطينية، محلية الصنع، حيث أنّ أسواقها في الفترة الأخيرة رأت كساداً ملحوظاً مع طغيان أنهار من البضائع والحلويات المستوردة الرخيصة الثمن مقابل أسعارها.
"الفستقية، السمسمية، حلاوة جوز الهند والملبس"، التي يصنعها أبو حسن صوان، أصبحت غير متعارف عليها بين الأجيال الحديثة، فالشكولاتة والسكاكر الجديدة أحدثت ثورة غذائية عليها، حتى أصبح الوسط الفلسطيني يفضلها أكثر من الصناعات المحلية.
ويرجع التفكير بصناعة تلك الحلويات ذات المكوّنات البسيطة، وطرحها بالسوق المحلي كنوع جديد من المنتجات لإثراء السوق الاقتصادي منذ العهد العثماني.
يحمل مطرقته التي تهال على النحاس اللين بعد وضعها في النار لسهولة التعامل معها، إنه محمد صبحي، آخر من تبقّى من النحاسين القدماء، والأكثر شهرة على مستوى قطاع غزة، فمن يريد شيئاً نحاسيّاً يتوّجه إليه بلا تفكير.
لكن هذه المهنة مهدّدة بالانقراض، لقلّة الإقبال عليها من السوق المحلي، والإغلاق المفروض على غزة، بالإضافة إلى قلّة الوقود الذي يستخدم في تصنيع النحاسيات.
محمد الوارث مهنته منذ أربعين عاما عن والده، ويمارسها من خلال صنع الأواني المنزلية: القدر، السكاكين، الصحون النحاسية، وأيضاً يقوم بزخرفة تلك المنتجات على الجوانب، واستخدامها أنتيكة في الوقت الحاضر، وليس بالطهي بها مثلما كان يحدث قديماً.
B6734628-A4F4-4972-9ADC-E9DAF7D1E240
B6734628-A4F4-4972-9ADC-E9DAF7D1E240
هبة كريزم (فلسطين)
هبة كريزم (فلسطين)