حماس وفتح وجهود المصالحة

20 يونيو 2016
+ الخط -
يعيش الوطن العربي في دوامةٍ، لا نعلم متى تبتلع أحد الأقطار العربية. لم يعد يسهل على كُتاب الصحافة العربية، المنشغلين بهموم أمتهم، تناول المواضيع التي تجتاح العالم العربي بالشرح والتحليل والاجتهاد في طرح الحلول، نظراً لكثرة قضايا هذه الأمة. زيارة ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي، الأمير محمد بن سلمان، واشنطن جديرة بالتوقف عندها، لكن أحداث الفلوجة، وما يجري في العراق، أمر مهم ويحتاج مناقشةً جادّةً على كل الصعد. انسحاب، أو مشروع انسحاب، دولة الإمارات من التحالف العربي، بقيادة العربية السعودية، يحتاج وقفة تأمل لهذا الحدث، وتناول آثاره البعيدة وقصيرة الأجل على دول مجلس التعاون الخليجي، ومستقبل المنطقة. اليمن وما يجري على ثراه، وسورية الممزقة المذبوحة من نظام بشار وحلفائه من الروس والفرس والمليشيات الطائفية. ليبيا حدّث ولا حرج. الجزائر تترنّح على كفّ عفريت. تونس والخوف على فشل التجربة. حقاً، يعيش الوطن العربي في بحرٍ لجّي من المصائب والكوارث، تحتاج من أهل القلم إلى الجد في إمعان العقل والفكر من أجل إيجاد مخرج من هذه الدوامة العاتية.
( 2 )
أتناول، في هذه المقالة هماً من هموم أمتنا، وهي السلطة الفلسطينية التي توسّعت، في عهدها، إسرائيل على الأرض الفلسطينية، وتمد نفوذها إلى خارج حدود فلسطين. وفي عهدها، ازداد عدد المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وتضاعف عدد الأسرى، وتحولت الضفة الغربية إلى ساحاتٍ يطارد فيها جنود الاحتلال شباب الضفة للقبض عليهم، تحت سمع (وبصر) قوات الأمن الفلسطينية التي لا تحرّك ساكناً، دفاعاً عنهم. في عهدها ازدادت عمليات هدم الأمن الإسرائيلي منازل المواطنين الفلسطينيين. إذاً، ما فائدة هذه السلطة، وما هو واجبها، إذا لم يكن واجبها الأول حماية المواطنين وممتلكاتهم؟
جرت في عام 2006 انتخاباتٌ تشريعية في الضفة الغربية وغزة، وهي أول انتخابات تشارك فيها حركة حماس، وفازت بأغلبية المقاعد في المجلس التشريعي (البرلمان). وقد قال القيادي السابق في حركة فتح، محمد دحلان، في تصريح مذاع "من العار على فتح القبول والمشاركة في حكومة تقودها حماس". وقال أحمد قريع، وهو أحد كبار قادة "فتح" واتفاق أوسلو، على الهواء مباشرة، وهو منفعل غضباً لنتائج التصويت "خلينا نشوف شو بيقدروا يعملو"، أي ماذا تستطيع أن تفعل "حماس" في إدارة الضفة والقطاع. والحق أن السلطات الأمنية في غزة، بقيادة الفتحاوي دحلان، ومباركةٍ ضمنيةٍ من قيادة فتح العليا، رفضت التعاطي مع الحكومة التي أدت اليمين الدستورية أمام الرئيس محمود عباس. وارتفعت وتيرة الاضطرابات الأمنية والاغتيالات، فما كان من وزير الداخلية إلا أن شكل قوة أمنيةً مساندة، عرفت باسم القوة التنفيذية، لكن عناصر الأمن التابعة لحركة فتح اصطدمت بهذه القوة الوليدة.

زاد الانفلات الأمني وزادت الاغتيالات، ووصل إلى غزة رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري السابق، الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، لإيجاد صيغةٍ لحل الخلافات بين "فتح" و"حماس"، والمحافظة على استقرار الأمن في أراضي السلطة، ولم يكتب للوساطة القطرية النجاح. وتدخلت السعودية، ودعت الطرفين إلى مكة، وعقدت مصالحة عرفت بصلح مكة في فبراير/شباط 2007، وشكلت حكومة وحدة وطنية، لم يُكتب لها النجاح، لأن هناك سبق إصرار بعدم قبول حركة حماس من إسرائيل وسلطة حركة فتح.
(3)
جديد جهود المصالحة التي تعمل عليها قطر بين الطرفين، اجتماع الدوحة في 15 ــ 16 يونيو/حزيران الحالي، إلى جانب أمور أخرى، تمت مناقشتها بحضور الوسيط القطري. نوقشت قضية موظفي قطاع غزة الذين عينتهم الحكومة المنتخبة (حكومة إسماعيل هنية 2006)، بعد أن امتنع موظفو القطاع، مدنيون وأمنيون، الذين كانوا أعضاء في حركة فتح، عن العمل مع حكومة إسماعيل هنية. فشلت المفاوضات في الدوحة في الوصول إلى اتفاقٍ بهذا الشأن، كما رفضت حكومة التوافق الوطني التي شكلت، أخيراً، الاعتراف بموظفي الوزارات في غزة أو التعامل مع القطاع، ما لم تسلم "حماس" بكل قرارات عباس، أي عودة جميع الموظفين الذين كانوا يتسلمون مرتباتهم وهم في بيوتهم، من دون القيام بأي أعمال من أجل المواطن في غزة، بما في ذلك مدرسون وقضاة وأطباء وغيرهم. وعلى "حماس" أن تتحمل تبعات المسؤولية المالية عن موظفيها الذين عينتهم، ولا دخل للسلطة بهم، وليسوا على ميزانيتها. هل يعقل أن يخدم هؤلاء المواطن في غزة، ويسهرون على أمنه، وعلى تعليم أبنائه وتطبيب مرضاه، عشر سنوات، ثم يأتي عباس ليشطبهم بجرة قلم.
(4)
السؤال الذي تجب إثارته: إذا كانت كوادر "فتح" ترفض العمل في كل وظائف السلطة في غزة، في ظل حكومة "حماس"، بموجب تعليمات عباسية، أليس من حق سلطة "حماس" أن تعين محلهم موظفين، يقومون بالواجب تجاه المواطن الغزاوي؟ يعترف الجميع في قطاع غزة بأن الجرائم، بجميع أنواعها، اختفت من غزة، بمجرد إنهاء سلطات عباس الأمنية في غزة، وأن الأمن اليوم أكثر استتباباً هناك، وأن الخدمات الصحية والتعليمية والأمنية في أحسن حالة في القطاع، منذ تسلمت حكومة "حماس" مقاليد الأمور. إذاً، لماذا تصر سلطات عباس ورهطه على إسقاط أكثر من ثلاثين ألف موظف قاموا بواجباتهم الوطنية خير قيام، في ظل غياب موظفي سلطة "فتح" الذين كانوا يستلمون مرتباتهم وهم بلا عمل، لأن عباس منعهم من الاستمرار في العمل، طالما حركة حماس على هرم القيادة في غزة.
سلطة محمود عباس اليوم منقسمة بين الرياض وعمّان والدوحة. يُحسن عباس في عمّان المجاملات، وحبك الكلمات الصحافية حول السيادة على الأماكن المقدسة في القدس المحتلة بأنها للأردن، وما في القلب يعلمه الله. وجبريل الرجوب في الرياض للهدف نفسه، لمن تكون السيادة على الأماكن المقدسة، وصيانة قبة الصخرة لمن تكون، أسئلة ما برحت ماثلةً في الأذهان. وفي الدوحة، كبير مفاوضي "فتح"، عزام الأحمد، بلا صلاحيات، وانفض السامر في الدوحة بلا نتائج، وغادر الأحمد الدوحة، قبل أن تحط طائرة الرئيس محمود عباس في مطار الدوحة، لكي لا يحرج عباس أمام مضيفه أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد، لفشل اجتماع حماس وفتح في الدوحة.
آخر القول: ترفض مصر أي مصالحةٍ تجري في الدوحة. إسرائيل ترفض اتصال عباس وفرقته مع "حماس". وعباس لا تعنيه المصالحة مع غزة، لأنه المستفيد من هذا الانشقاق.

EC78868B-7E9C-4679-9EB1-42A585C1A75D
محمد صالح المسفر

كاتب وباحث من قطر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر، له عدة بحوث ومقالات وكتب.