شعرة معاوية بين الجزائر والسعودية

03 مايو 2016

زيارة وزير جزائري دمشق رسالة إلى الرياض (24 إبريل/2016/إنترنت)

+ الخط -
ظل الخلاف الجزائري السعودي كامناً وغير ظاهر، مدة طويلة منذ العصر الذهبي للراحلين الكبيرين، هواري بومدين والملك فيصل، قبل أن ينفجر في السنوات الأخيرة، في أعقاب الموقف الجزائري من أزمتي اليمن وسورية، لتتطاير شظاياه بعيداً، وقد طاولت في طريقها قضايا أخرى حساسة وخطيرة، تبادلت خلالها الدبلوماسية في البلدين عمليات "ضرب تحت الحزام" في أكثر المواقف سخونةً وجدلا، على غرار الموقف من حزب الله، ومن جبهة البوليساريو وموضوع الصحراء الغربية. غير أن هذا التصعيد، بدا أكثر خطورةً في الآونة الأخيرة، عبر محطتين: ترجم الأولى الموقف السعودي الخليجي، في بيان القمة الخليجية المغربية في الرياض، 20 أبريل/ نيسان الماضي، والذي تبنى وجهة المغرب حول مغربية الصحراء. والثانية في قرار الرد الجزائري المباشر والعنيف حيال ذلك، عبر إيفاد وزير الشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، عبد القادر مساهل، إلى دمشق الأسبوع الماضي، ولقاء بشار الأسد. في إشارة واضحة إلى أن الخلافات، هذه المرة، تجاوزت حدود المسموح به بين البلدين الشقيقين، بحيث ما عاد معه في الوسع التغطية والمداراة.
ما حول مجرّد الاختلاف في وجهات النظر إلى خلاف كبير، أن القيادة السعودية الجديدة اصطدمت، على ما يبدو، بقيادة جزائرية عتيقة، ما زالت، كما يظهر، تمارس الدبلوماسية بطريقة سنوات السبعينيات، وقد زادها إرهقا أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي ظل يحتكر الجانب الدبلوماسي في الدولة منذ توليه السلطة، خرج عن دائرة الفعل، بسبب مرضه الذي طال، فكانت النتيجة ليس تخلخلاً فقط في الأداء الدبلوماسي الجزائري، بل ضعفاً بيّناً استغلته أطرافٌ كثيرة، مثل فرنسا وتحالف دول "ساحل 5" المكون من تشاد ومالي والنيجر موريناناي وبوركينا فاسو، وطبعا استغلته السعودية التي وجدت الفرصة مواتيةً للرد بقوة على "الشرود" الجزائري نحو إيران وحلفائها في المنطقة.
بالنسبة للسعوديين، تجاوزت الجزائر التي خالفت الإجماع العربي، في ملفات عديدة حساسة، كالحرب في ليبيا وسورية (علما أن الجزائر تاريخياً كانت ضمن حلف جبهة الصمود والتصدي التي جمعت بومدين ومعمر القذافي وحافظ الأسد...)، الخطوط الحمراء، برفضها عملية عاصفة الحزم في اليمن، لأن قضية اليمن هي قضية أمن قومي سعودي بامتياز، في حين التقط المغرب الفرصة، وأعلن دعمه العاصفة، وأرسل قوةً للقتال مع السعودية في اليمن، ليبدأ معها عملية التحول الكبير في الموقف السعودي خصوصاً، والخليجي عموماً، من النظام الجزائري.
والأخطر بالنسبة للسعوديين كان الموقف الجزائري "الملتبس"، وأحياناً الصادم، في موضوع الصراع العربي الإيراني، أو الصراع المذهبي السني الشيعي، حيث بدت الجزائر أقرب إلى الحلف الإيراني منه إلى الصف العربي، ليس فقط برفضها الحرب على الحوثيين، ولا برفضها إسقاط حليف إيران الأكبر بشار الأسد، وإنما بإعلانها رفض الانضمام إلى التحالف الإسلامي الذي أعلنته السعودية في 15 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، والرفض القاطع لتصنيف حزب الله إرهابياً، ما شكل، بحد ذاته، معادلة مكتملة التفاصيل عن توجهات السلطة الجزائرية، وبالتالي، استدعى ردا بحجم هذا التحدّي، تجسّد في محتوى بيان القمة الخليجية المغربية.

وعلى الرغم من محاولات التفسير التي اجتهد الرئيس بوتفليقة في تسويقها للعاهل السعودي، الملك سلمان، في إحدى رسائله، من أن مواقف الجزائر الرافضة المشاركة في أي عمل عسكري خارجي نابع من عقيدة جيشها بألا تتخطى عملياته حدود البلاد، واحترامها مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والإيمان بالحلول السلمية، إلا أن ذلك لم يغير من واقع أن الجزائر بالنسبة للسعوديين ذهبت بعيدا في "جرأتها" عليها، ومعارضة كل توجهاتها، خصوصاً ما يتعلق بالصراع المحتدم مع إيران.
وبالنسبة للجزائريين، أو بالأدق للجانب المؤيد للسياسة الرسمية، فإن الجزائر التي دفعت ثمن الحرب على الإرهاب وحدها سنوات التسعينيات، ورفضت حينها السعودية ودول الخليج الأخرى مساعدتها في ضائقتها المالية، ليست دولة تابعة مثل الصومال أو جزر القمر، وأن من حق الجزائر، بقدراتها البشرية والاقتصادية والعسكرية، أن تكون لها سياستها المختلفة عن السعودية، ورؤيتها الخاصة للأحداث، علاوة أن الثقافة الثورية السائدة في البلاد تمنع التحالفات مع دول الخليج المتحالفة مع الغرب وأميركا، كما تعتبر ثورات الربيع العربي التي شاركت دول الخليج في إذكائها، بشكل أو بآخر، مؤامرة على الأمة وعلى الأنظمة التقدمية التي منها النظام الجزائري نفسه.
لكن ما خلط الحسابات عملياً أن هذه التبريرات اصطدمت برزمة من الممارسات الجزائرية المؤلمة، ليس فقط للسعوديين، بل ولشريحة هائلة من الجزائريين أنفسهم، فالرئيس بوتفليقة الذي وجه، أخيراً، دعوة رسمية للملك سلمان لزيارة الجزائر، سبق وأن امتنع عن استقبال وزير خارجية السعودية، عادل الجبير، وعبر وزير أوقافه صراحة عن رفض بلاده استقبال الداعية السعودي محمد العريفي، لكنه (بوتفليقة) سارع إلى استقبال وليد المعلم، وزير خارجية الأسد، نهاية مارس/ آذار الماضي، كما استقبلت الجزائر، قبل أشهر، استقبالا رسميا عالي المستوى مفتي البراميل المتفجرة الشيخ أحمد حسّون.
والمثير أن لقاء الوزير مساهل مع بشار الأسد أسقط كل أوراق التوت عن الموقف الجزائري اتجاه الثورة السورية، حيث عبر الرجل، بحسب وكالة الأنباء الرسمية، عن مساندة بوتفليقة للشعب السوري في مكافحة الإرهاب والتصدّي له، عارضاً تجربة الجزائر في المصالحة الوطنية، ما يكشف أن مقاربة النظام الجزائري ما يجري في سورية اليوم لا تختلف ألبتة عن مقاربته السابقة في مواجهته الجماعات الإسلامية، سنوات التسعينيات عقب الانقلاب على نتائج الانتخابات، إثر فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات التشريعية في 26 ديسمبر/ كانون الأول 1991.
في المحصلة، كانت القمة الخليجية المغربية التي حاول بوتفليقة، بلا جدوى، تفادي نتائجها، عبر إرسال مبعوثه الخاص "صديق السعوديين" الطيب بلعيز إلى الرياض، منعرجاً كبيراً في العلاقات بين الجزائر والمملكة، خصوصاً في أعقاب ما صرح به الملك سلمان، وبيان القمة، من تضامن دول الخليج المطلق مع المغرب، واعتبارهم الصحراء مغربية مع دعم مبادرة المغرب للحكم الذاتي في الصحراء الغربية، واعتبار "الأمن الخليجي هو أمن المغرب"، والتأكيد على أن دول مجلس التعاون والمملكة المغربية تشكل تكتلاً استراتيجياً موحداً، حيث "إن ما يَمُسُّ أمن إحداها يمس أمن الدول الأخرى، وأن قضية الصحراء المغربية هي أيضاً قضية دول مجلس التعاون".
وقد قرئت خطوة إيفاد الوزير مساهل إلى دمشق ولقائه بشار الأسد مباشرة، لأول مرة منذ اندلاع الثورة السورية، بمثابة رد جزائري غاضب على فشل مهمة مبعوث بوتفليقة الخاص الطيب بلعيز للرياض، في الاصطفاف الواضح والكامل مع المغرب في مواجهته مع الجزائر على خلفية نزاع الصحراء الغربية الذي تجاوز عامه الأربعين، وهي رسالة بقدر ما أحدثته من آلام، خصوصاً لدى جزائريين كثيرين مساندين للثورة السورية، بقدر ما أوضحت، إلى أي حدٍّ، يمكن أن تذهب فيه السلطات الجزائرية، في ردها الغاضب على السعودية، وهو الحد الذي لا يمكن معه إلا انتظار مزيد من التقارب الجزائري مع المحور الإيراني الروسي، ونسج تحالفات استراتيجية معه، بدعم من بعض القوى العلمانية الجزائرية، المعادية للإسلام بدعوى معاداة الوهابية، والاصطفاف ضد الامبريالية.
بقي أن الرياض والجزائر ما زالتا تحتفظان بشعرة معاوية، فلم ينبس أي طرف بأي عبارة مسيئة بشكل رسمي للطرف الآخر، بل ما تزال العبارات الدبلوماسية الهادئة واللبقة، هنا وهناك، تحاول أن تغطي جبل الجيلد الذي تغمره رمال الصحراء في البلدين، في انتظار أن يصلح الدهر ما أفسده العطارون.

133E9202-5916-4876-BAE6-293DD70280C0
حسان زهار

كاتب وإعلامي جزائري، تولى رئاسة تحرير صحف جزائرية يومية وأسبوعية