داعش التي لا يحاربها أحد

24 فبراير 2016
+ الخط -
هل لو أُبيدت داعش عن بكرة أبيها، سيصحو العالم على غدٍ أفضل وواقع أجمل؟ وحينئذٍ، تنتهي مأساة سورية والسوريين!
داعش ليست محرك اللعبة، بل مجرد ورقة فيها، ومثلها المليشيات الطائفية والمليشيا الكردية التي باتت تستأثر، أخيراً، بقدر لابأس به من المشهد لمناكفة الأتراك، وردعهم عن فكرة التدخل البري، حتى لو تطلب الأمر عملاً إرهابيا، وربما ستصل إلى السعودية، هي الأخرى، الرسالة نفسها. ولكن، بعنوان إرهابي آخر.
لا يجد محركو اللعبة غضاضة في القتل والتهجير الذي يكابده السوريون، في يوميات الألم والموت، فكأنما يُراد لتلك الدوامة أنْ تستمر ما دام أنها تحقق غايات تلك القوى، فسابقا كانت المعارضة على أبواب دمشق، واليوم تنعكس الآية فتُحشر فصائل المعارضة في أقصى الشمال، وليمُت السوريون غرقاً في رحلة فرار إلى المجهول، أو تحت أنقاض مبنى متهالك، بفعل صاروخ متطور، قد يفوق ثمنه قيمة المبنى نفسه، فما يُنفق على الحرب من مليارات لو أُعطيت للشعب السوري، لخففت من معاناته، وأعادت إعمار مدن بأكملها، مع كون ذلك كله لا يساوي شيئاً أمام إزهاق روح بريئة بأيدي قذرة.
الحرب تستمر، لأن كل طرف يسعى إلى تحقيق مشروعه. لذا، كانت مفاوضات جنيف عرضا مسرحيا رديئا لا قيمة له، فداعش يُشكل خطراً على الجميع، كتنظيم أصولي متطرف، لكن اعتزام تركيا والسعودية التدخل البري يحمل حسابات أخرى، فتركيا تسعى إلى قطع الطريق على الأكراد المدعومين من روسيا والغرب، كي لا يصنعوا دويلة على حدودها، تُحيي أحلام أكراد تركيا في الانفصال، فيما تجد السعودية نفسها في صراع مفتوح مع طهران التي تمادت كثيراً، وأمسى التمدد الإيراني خطراً وجودياً على دول الخليج العربي والدول العربية الأخرى، وعدم تصدي المملكة. لذلك، ليس بالخطأ السياسي، بل هو خطيئة إستراتيجية لا تُغتفر، إضافة إلى رفض أنقرة والرياض ما يُمارس من إبادة وبآلة قتل طائفية بحق الشعب السوري في همجيّة منقطعة النظير، من غير المقبول أنّ يصمت البلدان عليها.
فكرة قوات إسلامية (سنيّة) لمواجهة داعش كانت أميركية. ولكن، هل ما زالت واشنطن جديّة في هذا المنحى؟ مدار حديث الغرب كان على الدوام عن دعم قوات محلية، كالحشد الشعبي بصبغته الطائفية ذات اللون الواحد، وقوات البيشمركة الكردية في العراق، وفي سورية قوات المعارضة والمليشيا الكردية، غير أنّ السلاح والغطاء الجوي للتحالف الدولي شمل جميع تلك الأطراف، باستثناء فصائل المعارضة السورية، والتي وجدت أنَّ عدوها الرئيسي، وهو نظام طاغية الشام لا أحد يلتفت إلى إرهابه الذي فاق كل وصف، وسجل جرائمه الذي لا يقارن بما ارتكبته داعش، وكان ثمن ذلك الرفض المشروع، أنْ استبيحت بقصف الروس الذي هجَّر، في بضعة أيام، ما يزيد على 150 ألف من السوريين. لذا، بات دخول السعودية وتركيا مُهدداً لمخططات كل الأطراف، فالدولتان لن تذهبا، بشكل مباشر، لقتال داعش، إلا بثمن سياسي، أو أن وجودهما على الأرض سيشكل دعماً مباشراً لفصائل المعارضة المسلحة.
العزم التركي السعودي في المرحلة الراهنة يأتي في سياق الضغط، إلا أنه سيغدو أمراً واقعاً، إذا ما وجد الأتراك المليشيا الكردية تقترب من حدودهم، وحلب يطبق عليها الحصار، وتكون على وشك السقوط في يد النظام والمليشيات الطائفية، بما يحمل ذلك من خسارة استراتيجية، ستقود الأزمة السورية إلى منعطف جديد.
وجود قوات للبلدين على الأرض السورية سيشكل عقبة في سبيل تحقيق تلك المشاريع التي تُرسم على الأرض، ولن يتقبلا أي خسارة عسكرية، مهما كانت الصعوبات الماثلة لهم، حيث تتعدد الأطراف المقاتلة بتعدد بوصلات داعميهم، وهو لا يعني بالضرورة نشوب حرب عالمية، لكن الطريق، حينما تكون عسيرة ومليئة بالمخاطر، فأمل النجاة سيكون أقل، ولك أن تتوقع حدوث الكارثة في أي حين.
تضغط روسيا على الأوروبيين بتهجير أكبر عدد من اللاجئين الذين سيغزون أراضيها، وترى أميركا أنَّ رسم دويلات هو أجدى الحلول، وهو بكل تأكيد يتناغم مع رغبة إسرائيل التي لم تعد تجد من يحدثها عن جرائمها بحق الفلسطينيين، ولإيران مصلحة في صناعة دولة شيعية في الشام، بعد ابتلاعها العراق الذي غدا أقل من أن يكون محافظةً في جمهورية الملالي.
79A818D2-0B86-43CA-959C-675CEB3770CB
79A818D2-0B86-43CA-959C-675CEB3770CB
أحمد القثامي (السعودية)
أحمد القثامي (السعودية)