29 سبتمبر 2017
المثقفون الفلسطينيون والمأساة السورية
لم يخذل السوريين في ثورتهم من أجل الحرية، منذ بداية حراكهم السلمي الذي استمر نحو عام، كما خذلهم المثقفون الفلسطينيون، وكذا النخبة السياسية الفلسطينية كما تمثلها الفصائل والأحزاب والكتاب السياسيون داخل الأراضي الفلسطينية. ولو ألقينا نظرة متفحصة على مواقف المثقفين العرب من الثورات العربية، لوجدنا، منذ البدء، أن المثقفين الفلسطينيين، باستثناء قلة، تميّزوا عن غيرهم من المثقفين العرب في اتخاذ مواقف تصب، في نهاية التحليل، إلى جانب النظام السوري، ومنحازة انحيازاً مخجلاً إلى الحلف الذي سعى من أجل وأد صوت الحرية الذي صدح به الشعب السوري في مظاهراته السلمية. كان السوريون واللبنانيون وفلسطينيو الشتات ونخبهم الثقافية يتوقعون من مثقفي فلسطين أن يقفوا، قبل غيرهم من مثقفي العالم العربي، إلى جانب طموحات الشعب السوري وأحلامه في انتفاضته، من أجل الحرية والعدل والمساواة، ذلك أن الفلسطينيين عانوا، مثل السوريين واللبنانيين، من استبداد النظام السوري الأسدي منذ عام 1970، فقد قتلهم هذا النظام وحاصرهم وسجنهم في لبنان وسورية، وخطط وقام، مع منظمات إرهابية فلسطينية تابعة له، باغتيال كوادرهم في لبنان والخارج.
ولم يكتف مثقفون فلسطينيون كثيرون بالصمت القاتل إزاء ما يجري في سورية، كما فعل مثقفون عرب غيرهم، بل دافع بعضهم عن النظام الاستبدادي بالكتابة والزيارات التضامنية إلى دمشق، والظهور في برامج تلفزية، مدافعين عن القتل الذي يتعرّض له بنات الشعب السوري المظلوم وأبناؤه. لجأ هؤلاء الفلسطينيون، في دفاعهم عن النظام وحلفائه الإيرانيين وروسيا والمليشيات الشيعية اللبنانية والعراقية والباكستانية والأفغانية، إلى حجج ساقطة، كاختراق الثورة السورية من حركات إسلامية أصولية، غافلين عن أن حزب الله والمليشيات الشيعية الأخرى ليست حركات علمانية أو ماركسية، وغافلين فوق ذلك عن طروحاتهم المتهافتة في تحالف بعضهم ودفاع آخرين عن حركتي حماس والجهاد الإسلامي الأصوليتين في حروب غزة المتكررة.
بلغ تهافت المشهد الثقافي في العمق الفلسطيني والضفة الغربية ذروته في أثناء حصار مدينة حلب وعمليات القصف المدمر لها، حين قام شيوعيون فلسطينيون في الحزب الشيوعي الإسرائيلي والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، بالتعبير العلني على محطات التلفزة الإسرائيلية، وفي الشوارع، بالدفاع عن تدمير حلب، بحجة القتال ضد "داعش" والأصوليين، مستنسخين الخطاب الإسرائيلي نفسه في تدمير غزة، بحجة وجود حركتي حماس والجهاد الإسلامي. وفي الوقت نفسه، يكتب شاعر في رام الله، بكل تبجح واستعلاء وسقوط أخلاقي، يبرر للقتلة وحشيتهم، وكأن المدينة كلها تحولت إلى دواعش وقاطعي رؤوس، وهو الذي تحول، في الحرب الإسرائيلية العدوانية على غزة، إلى ما يشبه الجنرال العسكري، يقدم الخطط ويطلق الصرخات لقوات "حماس" للقتال، وعدم الالتزام بوقف إطلاق النار. لا بل ذهب إلى أكثر من ذلك، في دعواته إلى التخلص من الرئيس محمود عباس، لأنه لم يدعم القتال في غزة، على الرغم من التدمير فيها على رؤوس السكان المدنيين.
أمام هذا المشهد المخزي، وأمام كل هذا السقوط الأخلاقي لهؤلاء، لا نجد أمامنا سوى الاستعانة بعلم النفس التحليلي، علّنا نجد الدوافع وراء هذا السقوط المريع. نخرت هزيمة المشروع الوطني الفلسطيني عقول المثقفين، وصارت الهزيمة جزءاً من التكوين النفسي، وصار قبول هزيمة أحلامهم فضيلةً نموذجيةً يريدونها لكل الشعوب، ولم يعد أمامهم سوى البحث عن حجج واهية، للتملص من الدور الذي تفرضه مظلومية شعبهم بالوقوف إلى جانب الشعوب المظلومة الأخرى. صار الفلسطينيون اليوم لا يفكرون إلاّ من منطلق جهوي، وعصبية مناطقية، وهذا من تجليات الهزيمة الكبرى، حتى مظلومية أشقائهم من الفلسطينيين في الشتات لم تعد تعنيهم بشيء، فقد حافظوا على مواقفهم الداعمة للنظام، على الرغم من حصار مخيمات سورية، وتشريد سكانها، واعتقال مئاتٍ من الفلسطينيين، وقتلهم في أقبية سجون النظام.
ولم يكتف مثقفون فلسطينيون كثيرون بالصمت القاتل إزاء ما يجري في سورية، كما فعل مثقفون عرب غيرهم، بل دافع بعضهم عن النظام الاستبدادي بالكتابة والزيارات التضامنية إلى دمشق، والظهور في برامج تلفزية، مدافعين عن القتل الذي يتعرّض له بنات الشعب السوري المظلوم وأبناؤه. لجأ هؤلاء الفلسطينيون، في دفاعهم عن النظام وحلفائه الإيرانيين وروسيا والمليشيات الشيعية اللبنانية والعراقية والباكستانية والأفغانية، إلى حجج ساقطة، كاختراق الثورة السورية من حركات إسلامية أصولية، غافلين عن أن حزب الله والمليشيات الشيعية الأخرى ليست حركات علمانية أو ماركسية، وغافلين فوق ذلك عن طروحاتهم المتهافتة في تحالف بعضهم ودفاع آخرين عن حركتي حماس والجهاد الإسلامي الأصوليتين في حروب غزة المتكررة.
بلغ تهافت المشهد الثقافي في العمق الفلسطيني والضفة الغربية ذروته في أثناء حصار مدينة حلب وعمليات القصف المدمر لها، حين قام شيوعيون فلسطينيون في الحزب الشيوعي الإسرائيلي والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، بالتعبير العلني على محطات التلفزة الإسرائيلية، وفي الشوارع، بالدفاع عن تدمير حلب، بحجة القتال ضد "داعش" والأصوليين، مستنسخين الخطاب الإسرائيلي نفسه في تدمير غزة، بحجة وجود حركتي حماس والجهاد الإسلامي. وفي الوقت نفسه، يكتب شاعر في رام الله، بكل تبجح واستعلاء وسقوط أخلاقي، يبرر للقتلة وحشيتهم، وكأن المدينة كلها تحولت إلى دواعش وقاطعي رؤوس، وهو الذي تحول، في الحرب الإسرائيلية العدوانية على غزة، إلى ما يشبه الجنرال العسكري، يقدم الخطط ويطلق الصرخات لقوات "حماس" للقتال، وعدم الالتزام بوقف إطلاق النار. لا بل ذهب إلى أكثر من ذلك، في دعواته إلى التخلص من الرئيس محمود عباس، لأنه لم يدعم القتال في غزة، على الرغم من التدمير فيها على رؤوس السكان المدنيين.
أمام هذا المشهد المخزي، وأمام كل هذا السقوط الأخلاقي لهؤلاء، لا نجد أمامنا سوى الاستعانة بعلم النفس التحليلي، علّنا نجد الدوافع وراء هذا السقوط المريع. نخرت هزيمة المشروع الوطني الفلسطيني عقول المثقفين، وصارت الهزيمة جزءاً من التكوين النفسي، وصار قبول هزيمة أحلامهم فضيلةً نموذجيةً يريدونها لكل الشعوب، ولم يعد أمامهم سوى البحث عن حجج واهية، للتملص من الدور الذي تفرضه مظلومية شعبهم بالوقوف إلى جانب الشعوب المظلومة الأخرى. صار الفلسطينيون اليوم لا يفكرون إلاّ من منطلق جهوي، وعصبية مناطقية، وهذا من تجليات الهزيمة الكبرى، حتى مظلومية أشقائهم من الفلسطينيين في الشتات لم تعد تعنيهم بشيء، فقد حافظوا على مواقفهم الداعمة للنظام، على الرغم من حصار مخيمات سورية، وتشريد سكانها، واعتقال مئاتٍ من الفلسطينيين، وقتلهم في أقبية سجون النظام.