روسيا في ليبيا

02 ديسمبر 2016

حفتر خارجا من مبنى وزارة الخارجية الروسية (29/11/2016/فرانس برس)

+ الخط -
عرفت العلاقات الليبية الروسية تطورًا ملحوظًا بعد اعتلاء معمر القذافي السلطة بانقلاب عسكري في الأول من سبتمبر/ أيلول 1969، وأصبحت ليبيا تدور في فلك الاتحاد السوفيتي حليفاً استراتيجياً لها في مقابل الغرب، في إطار الاصطفاف الإقليمي والدولي الذي عرفته الحرب الباردة. وقد حافظت ليبيا القذافي، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في مطلع تسعينيات القرن الماضي، على علاقات جيدة مع الاتحاد الفيدرالي الروسي، في مجالات عديدة غلب عليها الطابعان الاقتصادي والعسكري، على اعتبار أن موسكو هي المصدر الرئيس لتسليح الجيش الليبي، وتزويده بالخبراء والفنيين العسكريين. وجدولت موسكو عام 2008، خلال زيارة الرئيس فلاديمير بوتين طرابلس الغرب ديونها على ليبيا (4.6 مليارات دولار أميركي) مقابل عقود اقتصادية جديدة في الطاقة والسكك الحديدية والاستثمارات. كما كانت الزيارة بمثابة إعلان لاستئناف التعاون العسكري التقني، حيث أبدى نظام القذافي رغبته بشراء مقاتلات روسية سو-35 ودبابات ت-90 أس ومنظومات صواريخ مضادة للجو إلى جانب قطع بحرية حربية.
ومع اندلاع شرارة الثورة الليبية في فبراير/ شباط 2011، كانت بداية الافتراق المرحلي بين موسكو وطرابلس، لا سيما أن الموقف الروسي كان رافضًا التدخل العسكري الغربي في ليبيا، لكن موسكو لم تستخدم حق النقض (الفيتو) على القرار 1973 الذي كان بمثابة الغطاء القانوني للتدخل العسكري الغربي في ليبيا. وأبدت السلطات الليبية رغبتها بتجميد توريد السلاح الروسي، والاعتماد على السلاح الفرنسي والبريطاني.
أدركت موسكو، حينها، أنها أخطأت التقدير في عدم استخدامها "الفيتو" على التدخل الغربي الذي قاد إلى خسارتها منطقة نفوذ وسوق اقتصادي في شمال أفريقيا. وكانت ليبيا الساحة الثانية التي تخسرها موسكو بعد العراق في المنطقة العربية. لذا، سارعت موسكو إلى التكيف واعتماد خطابٍ خارجيٍّ يقوم على محدّدات أساسية تجاه الأزمة الليبية، أهمها التزام موسكو بقرارات مجلس الأمن، والتأكيد على حضورها الفاعل في المؤتمرات الدولية التي تشكل الأزمة الليبية موضوعها، ودعم مخرجات الاتفاقات السياسية التي يجمع عليها كل الأطراف السياسية الليبية، فقد أيدت موسكو الاتفاق السياسي الليبي (الصخيرات) على قاعدة مشاركة كل الأطراف السياسية الفاعلة في المشهد الداخلي الليبي، ما جعل من سلوك موسكو تجاه ليبيا يتّسم بالمرونة والقدرة على المناورة، وقراءة مواقع القوة الأساسية التي يجب التعامل معها، وبناء علاقات مع الداخل الليبي، تخدم في النهاية استراتيجيتها التي تستند على إعادة مناطق نفوذها السابقة، والتأثير في السياسات الدولية من بوابة تلك المناطق، لما لديها من خبرة عمل ودراية بها، وهو ما تقوم به موسكو حاليًا من خلال بناء علاقات مع الجيش الليبي القوة العسكرية الأكثر تنظيمًا وتأثيرًا، خصوصاً بعد سيطرته على منابع الطاقة في ليبيا، في سبتمبر/ أيلول من العام الجاري.
من هنا، يمكن قراءة زيارة العقيد خليفة حفتر موسكو، وهي الثانية في العام الجاري، لبحث قضايا عسكرية مع المسؤولين الروس. وفي هذا الصدد، وصف السفير الروسي لدى ليبيا، إيفان مولوتكوف، التعاون العسكري التقني بين روسيا وليبيا بأنه واعد، لكنه قال إنه من المبكّر الحديث عن إحراز تقدم عملي على هذا الصعيد. وأضاف السفير أن حفتر بحث مع المسؤولين الروس مسألة توريد الأسلحة الروسية إلى ليبيا، بالإضافة إلى مناقشة آخر تطورات الأوضاع في الداخل الليبي. ولعل استثمار موسكو الفراغ الدولي والإقليمي في سورية، والدور الذي تلعبه في دعم نظام بشار الأسد عسكريًا واقتصاديًا، جعلها أكثر قدرةً على التحرك في المنطقة، خصوصًا مع تراجع الولايات المتحدة الأميركية من ناحية، وغياب استراتيجية أمنية دفاعية أوروبية في المنطقة. كما تستند موسكو على ركيزتين أساسيتين في الإقليم، هما مصر والجزائر، في إعادة رسم دور روسي في ليبيا، يجعل موسكو أقرب إلى القارة الأوروبية على الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، وتسترجع منطقة نفوذ كانت قد خسرتها بعد 2011.
05C60754-3195-4BA1-8C61-5E78E41A4B63
أحمد قاسم حسين

كاتب وباحث فلسطيني في مركز الأبحاث ودراسة السياسات، مقيم في الدوحة