الصراع على التشيّع

08 نوفمبر 2016

لم يكن الخميني في البدء مؤمنا بولاية الفقيه (Getty)

+ الخط -
درجة حرارة الصراع على شكل التشيّع آخذة في الارتفاع. التيارات السياسية التي ظن الناس أنها انقرضت، بعد موت مؤسّسها، وعدم حصولها، بعد عودتها من المنفى، على كرسي نيابي واحد في "العراق الجديد"، لم تعد فقط للتنفس، بل أصبحت تزاحم الكتلة الشيعية التي تحكم إيران إدارتها وتوجه خطابها العام، إن من خلال الانتماء لولاية الفقيه، أو في تقاطع المصالح في الحروب القائمة.
تجلى الصراع الشيعي، أكثر ما تجلى، في موسم عاشوراء هذا العام، بعد خطبة الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، وهو المعروف بعزوفه عن الدخول في زواريب النقاشات الشيعية الشيعية الفقهية، وهجومه الشرس على تيار "الطقوسية"، ووصفه بصفاتٍ قاسية، إثر خطبة للشيخ عبد الحميد المهاجري، في منطقة النبطية اللبنانية، وهذا عراقي مقيم في أميركا، وينتمي للتيار الشيرازي. تناول في خطبته "شعيرة" الطبير، وقال "الطبير أصدق مآتم للحسين"، ووصف من يحرّمه بأنه يرتكب "بدعة وضلالة وفي قعر جهنم"، ما استجلب عليه ردة فعلٍ قاسيةٍ من جمهور الحزب، أدّت إلى إبعاده من بيروت، فجمهور الحزب، كما يعلم الجميع، أكثريته الساحقة، إنْ لم تقلد علي خامنئي، فهو بالنسبة لهم أحد الرموز المقدسة، مع أنه الوحيد من مراجع الشيعة الذي يرى حرمة التطبير، لكن رأيه يكتسي أهميةً من موقعه السياسي قائداً للثورة الإسلامية في إيران.
ليس الطبير إلا الشجرة التي تخفي خلفها غابةً من الخلافات السياسية بين التيارات الشيعية، فطالما تنافست هذه الأحزاب على كسب "شرعية" تمثيل الشيعة أمام العالم، وعلى الرغم من أن العلاقة التاريخية كانت جيدة، في مرحلة تأسيس الدولة الإيرانية، بين قائد الثورة الإيرانية الخميني، والسيد الشيرازي الأب الروحي لهذا التيار الذي ينتمي له المهاجري، وغيره من الوجوه البارزة التي كانت تقيم في طهران إبّان حكم الخميني، وقد سمح لها بممارسة أعمالها السياسة والعسكرية على الأراضي الإيرانية، قبل أن تُطرد من إيران لاحقاً، وتفشل، بعد عودة العراقيين من المنفى، في تشكيل خط سياسي، له ثقل في الساحة، يستطيع منافسة الأحزاب السياسية الموالية لإيران، مثل حزب الدعوة والمجلس الأعلى، فقد تحول هذا التيار إلى تيار" طقوسي"، يسعى إلى الظهور بمظهر المنافح عن عقائد الشيعة وطقوسهم، في مقابل تيارات مهادنة، يتهمها بالتفريط في المقدسات، في سبيل الحصول على مكاسب سياسية بالتقرّب لأهل السُنة.
بهذا المنطق السياسي، تم تحويل الطقوس لقضية مصيرية، على الرغم من هامشيتها، أي أن التيار الشيرازي أخذ مسألة الطقوس عنصر تمايز له عن بقية التيارات السياسية، من أجل المنافسة بها في حلبة الصراع على هوية التشيّع، وهي في الأصل معركةٌ على تملك وكالة "التشيع"، وبالتالي، أحقية تمثيله. من هنا، يمكن فهم تصويب نصر الله ضد التيار "الطقوسي"، بسؤاله إياهم: لماذا لا نجدكم في الدفاع عن الحسين وكربلاء وعتبات أهل البيت وزينب عليها السلام؟
على الرغم من التشابه في نظرة المرجعيتين، حيث كانا يدفعان بضرورة مشاركة الفقيه في الشأن السياسي، على عكس خصمهم التقليدي، أبو القاسم الخوئي، زعيم حوزة النجف، الذي تولى الرد على نظرية ولاية الفقيه المطلقة التي طرحها الخميني بشكل نظري أول مرة، في النجف قبل سفره إلى إيران، حيث كان الخوئي يرى أن دور الفقيه مقتصر على الفتاوى الدينية، من غير أن تكون له سلطة الإمام "المعصوم"، كالدعوة إلى الجهاد على سبيل المثال، وهي الفتوى التي استند عليها حزب الله، قبل ذهابه إلى سورية، لكن هذا التشابه وتاريخ التعاون القصير بين التيارين لم يمنع عنهما الانزلاق نحو وحل التخوين والتكفير المتبادل.
نظرية ولاية الفقيه التي بسببها استطاع خامنئي حكم إيران ما بعد الثورة، سبقه الشيرازي في طرحها بسنوات، في مدينة كربلاء العراقية، فالخميني، في بدايات نشاطه السياسي، لم يكن مقتنعاً بالنظرية، بل كان يرى وجوب مشاركة رجال الدين في العمل السياسي، ضمن النظام السياسي القائم، وليس عن طريق الفقيه مباشرةً، لكن مهاجمة الشاه مدرسة لرجال الدين في طهران، وقتل عدد من الطلاب غيّر من نظرة الخميني إلى النظام، وحفزه أكثر على التفكير في التخلص من الشاه.
الصراع الذي يلبس العمامة سياسي على تمثيل الشيعة، وطقوس عاشوراء ما هي إلا المتاريس التي يختبئ خلفها كل تيار، لترسيخ وجوده وشد عصب جمهوره، وإلا فإن مكان مسألة التطبير الطبيعي على هامش التشيع.
59C609B9-D3BD-480F-B605-2AC47CF69F0B
محمد الصادق

كاتب سعودي، مؤلف كتاب "الحراك الشيعي في السعودية"