10 ابريل 2019
إسرائيل في أفريقيا
نسبة لما تمثله أفريقيا من عمق استراتيجي للشرق الأوسط، ظلّت القارة في دائرة الاهتمام للاستراتيجية الإسرائيلية ودبلوماسيتها المزدوجة. وما فتئت إسرائيل تجتهد في كسر الحصار العربي عليها تارة، وتلتف حوله، مستخدمةً كل الوسائل السياسية والعسكرية والاقتصادية والاستخباراتية تارة أخرى، حتى وصلت، بمساعدة العرب أنفسهم، إلى إيجاد فراغ عربي في أفريقيا. ومما ساعد إسرائيل في تنفيذ استراتيجيتها في أفريقيا حصولها على عملية التسوية السياسية السلمية في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، والتي أدّت إلى تأمين وجودها بما يمكن أن يُسمى تطبيقاً عملياً لنظرية ملء الفراغ، الذي خلّفه العرب بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر.
أسّست إيران، في المقابل، حديقتها الخلفية في أفريقيا، انطلاقاً من السودان قبل قراره قطع العلاقات، وإغلاقه المراكز الثقافية، وكانت عين إيران على البحر الأحمر الممتد جنوباً من مضيق باب المندب الذي يُعتبر من أهم الممرات المائية العالمية، لأنّه يصل البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب، وصولاً شمالاً إلى قناة السويس، حيث تطلّ من هناك عيون العدو اللدود. ولكي تخلق إيران ممرات بحرية تمكّنها من وضع يدها على مناطق حيوية واستراتيجية، ومن ثم تخدم أطماعها التوسعية، بعد السيطرة على المضيق وقطع الطريق البحري على إسرائيل، أرسلت، عبر ميناء عصب الإريتري ومضيق باب المندب، المساعدات والأسلحة لتزويد الحوثيين في اليمن، قبل الثورة هناك. كما استخدمت إيران خليج عدن، بالقرب من القرن الأفريقي، لتزويد الإسلاميين المتشدّدين في الصومال بالسلاح والعتاد العسكري. ومن البديهي الاعتقاد بأنّ اختراق إيران اليمن بدعم متمرّديها ومحاذاتها للسواحل الصومالية لم تكن لتتم من دون مساعدة دولية ما، من دول في المنطقة، فكثيرٌ من دول القرن الأفريقي تسعى، بعد جني ثمار هذه العلاقة، إلى أن يكون لها حليف، وإن لم يكن هذا الحليف إسرائيل فعدوتها إيران.
هذه السياسة التي تنتهجها إيران ذرائعية، فحين تطمح إلى إيجاد منفذ استراتيجي للنفط والغاز الإيرانيين، فإنّ رغبتها الأصيلة في مدّ نفوذها بمنطقة القرن الأفريقي هو في الحقيقة محاولة جادة لمواصلة مشروعها التوسعي في المنطقة، والذي يهدف أساساً إلى السيطرة على منطقة البحر الأحمر.
دخلت إسرائيل إلى أفريقيا من بوابة المساعدات، وتعتبر زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المتطرّف عام 2014، إلى عدة دول أفريقية، من بينها بعض دول حوض النيل التي بينها وبين مصر خلاف حول حصص مياه
النيل، اصطياداً في الماء العكر. ففي كينيا، أعلن المذكور جملة مساعدات في مجال الري والزراعة، ولم تنس بالطبع أفضال إسرائيل في مساعدتها في محاربة الإرهاب، كما في قضية تحرير الطائرة المخطوفة في مطار عينتيبي في أوغندا، وتسليم مواطنين ألمان عملوا في خدمة ما أسمته الإرهاب الفلسطيني، وفي نيجيريا، وهي إحدى أكبر الدول الأفريقية وأغناها وأهمها، وتوجد فيها مجموعة كبيرة نسبياً من رجال الأعمال الإسرائيليين الناشطين في مجال الزراعة والبنية التحتية، بالإضافة إلى اعتبار نيجيريا هدفاً لصادرات الأسلحة الإسرائيلية. وعلى الرغم من بُعد نيجيريا نسبياً عن مصادر المياه الأفريقية، إلّا أنّ التركيز العسكري والاستخباراتي جاء لإحاطة دول حوض النيل وتطويقها. وأخطر ما روّجه ليبرمان في زيارته تلك عرض فكرة "تدويل الأنهار المشتركة"، أو "خصخصة المياه" على الأمم المتحدة، بتوصية إلى البنك الدولي لدراستها، بدعوى منع قيام حروب مياه.
المضحك المبكي أنّ البنك الدولي، الذي تعاني 34% من عقود المياه والصرف الصحي الخاصة بمشروعاته بين العامين 2000 و2010، من صعوباتٍ شديدةٍ، هو من أعلن أخيراً اعتماد التوصية وتبنيها. ووجهُ السخرية في أنّ البنك الدولي الذي تقوم على عاتقه حلّ مشكلات التنمية في البلدان النامية، عن طريق تقديم القروض والموارد والمشاريع، هو من يوصي بخصخصة إدارة المياه. يبدو أنّ هذه التوصية أطربت دولاً نامية فاستجابت، بيد أن هذه الاستجابة تعتبر تجاهلاً للتحدّي الأساسي، المتمثل في معالجة ندرة المياه وتلوثها، وفي ظروف أسوأ الصراعات على الحصص منها، كما يحدث الآن في نهر النيل.
وجاءت جولة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في يوليو/ تموز الماضي، في أوغندا وكينيا ورواندا وإثيوبيا؛ شاهدةً على ما تمّ في العقد الماضي من سعي إلى تحقيق أغراض معلنة، كطلب الدعم الأمني الإسرائيلي المتزايد، وحاجة إسرائيل لإقامة تحالفات جديدة، وغرض مخفي هو مياه النيل.
كان علاج أزمات المياه في ما قبل يتم في إطارٍ يضمن التعايش السلمي لضمان سريان هذا الشريان الحيوي بطرق آمنة، بالسعي نحو إيجاد سبل التعاون، بدلاً من الصراع والاقتتال، إلّا أنّ دخول المياه في مربع السياسة حوّلها من مصدر حياةٍ إلى دافعٍ للموت، فالتعامل مع أزمة المياه أصبح تحدّياً آخر من التحديات السياسية العديدة. وتدخّل إسرائيل وإيران ونفاذهما إلى دول أفريقيا ومحاولة السيطرة على منابع النيل والممرّات على البحر الأحمر يحوّلها إلى أزمة عسكرية.
ما يمكن إدراكه بوضوح أنّ مشكلات المياه في أفريقيا ليست بسبب الندرة وحدها، لأنّ الندرة تنشأ على نحو مصطنع، بسبب العمليات السياسية، لكنها تشكل قضية أمنية بامتياز. إلّا أنّ الإدراك الذي جاء متأخراً أنّ أمن المياه لا يظهر بشكل مطلق، وإنّما بصورة تعكس المنافسة الجيوسياسية الدولية المحتدمة حولها. ولم يحول هذا الوضع المياه في أفريقيا إلى محركات للصراع بين الحدود الدولية فحسب، وإنّما حوّلها إلى صراع عابر للقارات.
أسّست إيران، في المقابل، حديقتها الخلفية في أفريقيا، انطلاقاً من السودان قبل قراره قطع العلاقات، وإغلاقه المراكز الثقافية، وكانت عين إيران على البحر الأحمر الممتد جنوباً من مضيق باب المندب الذي يُعتبر من أهم الممرات المائية العالمية، لأنّه يصل البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب، وصولاً شمالاً إلى قناة السويس، حيث تطلّ من هناك عيون العدو اللدود. ولكي تخلق إيران ممرات بحرية تمكّنها من وضع يدها على مناطق حيوية واستراتيجية، ومن ثم تخدم أطماعها التوسعية، بعد السيطرة على المضيق وقطع الطريق البحري على إسرائيل، أرسلت، عبر ميناء عصب الإريتري ومضيق باب المندب، المساعدات والأسلحة لتزويد الحوثيين في اليمن، قبل الثورة هناك. كما استخدمت إيران خليج عدن، بالقرب من القرن الأفريقي، لتزويد الإسلاميين المتشدّدين في الصومال بالسلاح والعتاد العسكري. ومن البديهي الاعتقاد بأنّ اختراق إيران اليمن بدعم متمرّديها ومحاذاتها للسواحل الصومالية لم تكن لتتم من دون مساعدة دولية ما، من دول في المنطقة، فكثيرٌ من دول القرن الأفريقي تسعى، بعد جني ثمار هذه العلاقة، إلى أن يكون لها حليف، وإن لم يكن هذا الحليف إسرائيل فعدوتها إيران.
هذه السياسة التي تنتهجها إيران ذرائعية، فحين تطمح إلى إيجاد منفذ استراتيجي للنفط والغاز الإيرانيين، فإنّ رغبتها الأصيلة في مدّ نفوذها بمنطقة القرن الأفريقي هو في الحقيقة محاولة جادة لمواصلة مشروعها التوسعي في المنطقة، والذي يهدف أساساً إلى السيطرة على منطقة البحر الأحمر.
دخلت إسرائيل إلى أفريقيا من بوابة المساعدات، وتعتبر زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المتطرّف عام 2014، إلى عدة دول أفريقية، من بينها بعض دول حوض النيل التي بينها وبين مصر خلاف حول حصص مياه
المضحك المبكي أنّ البنك الدولي، الذي تعاني 34% من عقود المياه والصرف الصحي الخاصة بمشروعاته بين العامين 2000 و2010، من صعوباتٍ شديدةٍ، هو من أعلن أخيراً اعتماد التوصية وتبنيها. ووجهُ السخرية في أنّ البنك الدولي الذي تقوم على عاتقه حلّ مشكلات التنمية في البلدان النامية، عن طريق تقديم القروض والموارد والمشاريع، هو من يوصي بخصخصة إدارة المياه. يبدو أنّ هذه التوصية أطربت دولاً نامية فاستجابت، بيد أن هذه الاستجابة تعتبر تجاهلاً للتحدّي الأساسي، المتمثل في معالجة ندرة المياه وتلوثها، وفي ظروف أسوأ الصراعات على الحصص منها، كما يحدث الآن في نهر النيل.
وجاءت جولة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في يوليو/ تموز الماضي، في أوغندا وكينيا ورواندا وإثيوبيا؛ شاهدةً على ما تمّ في العقد الماضي من سعي إلى تحقيق أغراض معلنة، كطلب الدعم الأمني الإسرائيلي المتزايد، وحاجة إسرائيل لإقامة تحالفات جديدة، وغرض مخفي هو مياه النيل.
كان علاج أزمات المياه في ما قبل يتم في إطارٍ يضمن التعايش السلمي لضمان سريان هذا الشريان الحيوي بطرق آمنة، بالسعي نحو إيجاد سبل التعاون، بدلاً من الصراع والاقتتال، إلّا أنّ دخول المياه في مربع السياسة حوّلها من مصدر حياةٍ إلى دافعٍ للموت، فالتعامل مع أزمة المياه أصبح تحدّياً آخر من التحديات السياسية العديدة. وتدخّل إسرائيل وإيران ونفاذهما إلى دول أفريقيا ومحاولة السيطرة على منابع النيل والممرّات على البحر الأحمر يحوّلها إلى أزمة عسكرية.
ما يمكن إدراكه بوضوح أنّ مشكلات المياه في أفريقيا ليست بسبب الندرة وحدها، لأنّ الندرة تنشأ على نحو مصطنع، بسبب العمليات السياسية، لكنها تشكل قضية أمنية بامتياز. إلّا أنّ الإدراك الذي جاء متأخراً أنّ أمن المياه لا يظهر بشكل مطلق، وإنّما بصورة تعكس المنافسة الجيوسياسية الدولية المحتدمة حولها. ولم يحول هذا الوضع المياه في أفريقيا إلى محركات للصراع بين الحدود الدولية فحسب، وإنّما حوّلها إلى صراع عابر للقارات.