المالكي يعود عبر "قادمون"

29 أكتوبر 2016

المالكي يقدم نفسه من جديد رجل مرحلة (17أغسطس/2015/الأناضول)

+ الخط -
عقد في بغداد يوم 22 من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، مؤتمر للمجمع العالمي للصحوة الإسلامية، حضرته شخصيات عراقية وإسلامية، بينهم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري، ورئيس التحالف الوطني عمار الحكيم، وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، فضلا عن ممثلين لـ 22 بلدا بينهم الأمين العام للمجمع علي أكبر ولايتي، المستشار الخاص للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي. وبغض النظر عما يمكن أن يقال عن هذا المجمع وأهدافه غير المعلنة وطبيعة أعضائه، فإن ما فجّره نوري المالكي يعد اختزالاً واضحاً ومباشرا لمقاصد "المجمع" ومن يقف وراءه، ويبرمج له مشروعه وأعماله؛ فالرجل بدأ حديثه بتوجيه أصابع الاتهام إلى السعودية. وأشار بوضوح إلى أن دوره في مشروع تثبيت أسلوب حكم ولاية الفقيه في عموم دول المنطقة يتأتى من إدراكه لدور الدول المتقاطعة مع هذا المشروع؛ كالمملكة العربية السعودية ومعظم دول الخليج العربي وتركيا وغيرها، وعلمه أن كل ما يجري من مشكلات ومواجهات إنما هي بتدبير هذه الدول، من أجل إعاقة تعميم المشروع الإيراني، وتثبيته فكراً وحكماً وممارسةً.
لطالما أبرز نوري المالكي، وهو زعيم لأكبر الكتل في البرلمان العراقي، وبوضوح، أنه الزعيم الأبرز في العملية السياسية العراقية، من خلال عمق علاقته بالقيادات الإيرانية وزعيمها الروحي، خامنئي، وكذلك من خلال حجم الدعم الذي تقدمه له هذه الدولة، بترغيب معارضيه أو بترهيبهم، كما أن الولايات المتحدة مازالت تنظر بعين الاهتمام بقدرات المالكي وملكاته، سواء في التحكّم بالجو السياسي العام، ضمن رعاة العملية السياسية في العراق، أو من خلال قدرته على ضبط الرقم الإقليمي المهم جدا بالنسبة لواشنطن وإسرائيل في المنطقة، وأقصد هنا، إيران.
الرسالة البليغة التي أراد المالكي إرسالها، في كلمته في مؤتمر المجمع العالمي للصحوة الإسلامية ليست في الموضوع الإستراتيجي الإيراني الذي كشف عنه بوضوح، بل في تقديم نفسه من جديد وبقوة على أنه "القائد الأوحد" الذي يمتلك هذه الرؤية الثاقبة والإصرار الواثق على تنفيذ وصايا الخميني، في تحقيق "الثورة" الإسلامية؛ ذاك أنه طرح هذا الموضوع المتعلق بسيادة دولٍ وجه لها خطابه بلغةٍ عدوانيةٍ وتكفيريةٍ، وبحضور رئيسي مجلسي الوزراء حيدر العبادي وسليم الجبوري، وكأنه يقول للجميع: لا تصدقوا كل "الواجهات" القيادية في العراق، فإني أنا القائد الفعلي، وأنا من بات يتحكم بسير المشروع الإيراني الذي بات العراق اليوم أداة رئيسةً وفاعلة لتنفيذه في المنطقة.
لا أعلم ما هي ردود أفعال المملكة العربية السعودية وتركيا وبقية الدول المستهدفة في المشروع الإيراني، وقد وصفهم المالكي بالمرتدين على الفكر الإسلامي، والذي اعتبر الخلاص منهم سيمر عبر بوابة "قادمون" التي بدأت بنينوى بحسب وصفه، ولن تنتهي في اليمن مرورا بالرقه وحلب، وقال موجهاً خطابه إلى المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي" أرى على مستوى مواجهة هؤلاء الإرهابيين أن عمليات "قادمون يا نينوى" تعني، في وجهها الآخر، "قادمون يا رقة" و"قادمون يا حلب" و"قادمون يا يمن"، وقادمون في كل المناطق التي يقاتل فيها المسلمون الذين يريدون "الارتداد عن الفكر الإسلامي".
ليس في الوقت متسع للهدر في مواجهة ما باتت دلائله واضحةً للجميع، فالنفوذ الإيراني يمتد بقوة وبسرعة وسط تعاون وتأييد من دول كبرى وأخرى إقليمية، والعراق الذي توافق العرب، بشكل أو بآخر، على تجاهل دوره في الأمن القومي العربي منذ تسعينيات القرن الماضي، بات اليوم الأداة الأجدر والذراع الأقوى لتمكين إيران من تعزيز مناطق نفوذها وتوسيعها. ولعل الأمن القومي العربي بات في أسوأ حالاته، وهو مهدّد في صميم قدراته الفعلية الآن على مواجهة هذا الخطر. لذا، فإن على الدول المستهدفة أولاً، وهي دول الخليج العربي بشكل عام، والسعودية والإمارات وقطر بشكل خاص، عليها، أن تنوّع من وسائل تحرّكها لمواجهة أدوات ووسائل إيران التي تحاربهم من خلالها، ولعل تعزيز دور تركيا إحدى هذه الوسائل الناجعة، بالإضافة إلى دعم مقاومي المشروع الإيراني في العراق وسورية تحديداً، لتأخير حسمه أولاً، ومن ثم لإعادة توجيه المشروع العربي المقابل، هذا إن وجد.
F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن