عن "تسريبات الإخوان"

23 يناير 2016
+ الخط -
واضح أن تسريبات جماعة الإخوان المسلمين في مصر، والتي ظهرت أخيراً، لها ما بعدها، وأن الأمر ليس عبثياً أو وليد اللحظة، وإنما هو عمل منظم منهجي ومرتب، فالذي يقوم على الأمر (بغض النظر عن حقيقة انتمائه) يفعل ذلك، وفق خطة تهدف إلى اجتذاب الناس، ولفت أنظارهم إلى شيء ما يعد له، وقد يكون هذا الأمر في صالح "الإخوان"، وقد يكون ضدهم بحيث يكتسب أولاً جمهوراً شبقا (سواء من مؤيدي الإخوان أو عبد الفتاح السيسي)، إذ ينتظر أن تروي تلك التسريبات ظمأه في الكشف عن فضائح أو حقائق جديدة، تدين "الإخوان" أو تنصفهم وتبيض صفحاتهم، لينتقل، بعد ذلك، إلى الجزء الثاني من خطته، ويقلب الطاولة على من يستهدفهم.
طريقة التوجيه الواضحة من خلال بعض المنشورات على صفحة IkhwanLeak (وهي الصفحة القائمة على نشر تلك التسريبات على مواقع فيسبوك وتويتر ويوتيوب)، تشي بالكثير من خلال رسائل مبطنة في سياق حديث القائمين عليها، وردودهم المدروسة على تعليقات أعضائها المختلفة انتماءاتهم وآراؤهم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.
ويتجلى هذا واضحاً أيضاً في انتقائهم المقاطع "المسربة" من بين 15 ساعة، أعلنت الصفحة امتلاكها لها، ففي المقطع الترويجي للصفحة بعنوان "الجماعة السرية"، تم طرح ثلاثة أسئلة، ظهرت بالعامية المصرية كالآتي :هل الإخوان صادقة في كلامها مع الناس؟ وهل ظاهرها زي باطنها زي ما قيادتها بتدعي؟ يا ترى إيه الحاجة اللي عاوزة تخيبيها على الناس والرأي العام؟
أحدثت الأسئلة ضجة كبيرة في الإعلام الموالي للانقلاب وللسلطة الحالية في مصر، واستقبلت بنشوة وتشفٍّ كبيرين، بل وروجها أحد الإعلاميين، طالبا من جمهوره متابعتها بشدة، مشيرا إلى أنها سوف تشهد تسريبات خطيرة تدين الإخوان و"تفضحهم".
أحد التسريبات بعنوان "نزع القناع عن فكر الإخوان"، هو لرجل الأعمال المصري والنائب الأول لمرشد جماعة الإخوان خيرت الشاطر المعتقل حالياً، حيث يتحدث عن رؤية الإخوان ونظرتهم للخلافة والأحزاب والممارسة السياسة.
في تسريب آخر، ظهر ياسر علي، المفرج عنه أخيراً، والمتحدث السابق باسم رئاسة الجمهورية في عهد محمد مرسي، ليتحدث عن انقلاب يوليو 52، وأثره على المجتمع والحياة السياسية والاقتصادية والإجتماعية في مصر، ما يمثل جزءاً من نظرة الإخوان لـ "دولة يوليو" التي يمثلها الجيش المصري والقطاعات المرتبطة به، وأثر ذلك على وجه الحياة في مصر .
أكثر المتابعين لتلك "التسريبات" لا يجد فيها أبداً ما يشين "الإخوان"، بل إنه يزيد من شعبيتهم ويقوي ارتباط قواعدهم ومؤيديهم بهم، وإن كان بعضهم يتندرعلى تسميتها تسريبات، فذلك يرجع إلى تعوّد كثيرين منهم على ما يعنيه، وما يمثله له مصطلح "التسريبات" الذي استجد منذ التسريبات من داخل أروقة الجيش المصري، وخصوصاً من مكتب قائد الإنقلاب عبد الفتاح السيسي، والتي كان فيها كثير مما يدينهم ويشينهم، ويظهر حقائقَ كثيرة أخفوها، ويضعهم في مواقف محرجة.
تكشف تلك التسريبات بعض أفكار الإخوان "التأسيسية" والأصولية التي انبنى عليها منهج الجماعة، منذ نشأتها على يد الشهيد حسن البنا، والتي حاول بعض قادتها أن يخفوها أو يتجنبوا الحديث عنها في الفترة الأخيرة التي سبقت الثورة ثم ما تلاها من فترة عرض الأفكار، إثر مناخ الحرية المؤقت الذي كان من مكتسبات 25 يناير، وخصوصاً في مسائل ما يعرف بـ "الخلافة" والحدود بين الدول، وعلاقة الجماعة بالدولة المصرية الحديثة وممارستها السياسة عبر آلياتها المختلفة عن أبجديات الجماعة وفكرها، مثل الأحزاب وخلافه.
وهو ما علق عليه بعضهم أن للجماعة خطابين، أحدهما للداخل وثانيهما للخارج، خطاب يتم تداوله بين قيادات الجماعة وأعضائها، وآخر يتم تصديره لوسائل الإعلام ودوائر السياسة الغربية، بل ويذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك، ليقول إن هناك خطاب ثالث يكون فقط في الدوائر الضيقة جدا داخل القيادات العليا من الجماعة، ولا يطلع عليه الآخرون، ويستشهد هؤلاء على ذلك بالأزمة الأخيرة التي تعرضت لها الجماعة على المستوى التنظيمي.
avata
avata
عبد الرحمن عز (مصر)
عبد الرحمن عز (مصر)