الربيع العربي مستمر في المغرب

09 سبتمبر 2015

شابة مغربية مبتهجة بفوز "العدالة والتنمية" في الرباط (سبتمبر/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -
مرة أخرى، يحرز حزب العدالة والتنمية المغربي انتصاراً سياسياً كبيراً، بحصوله على المرتبة الأولى في انتخابات الجهات (المحافظات)، والمرتبة الاولى في عدد الأصوات التي شاركت في اقتراع الرابع من سبتمبر/أيلول الجاري، حيث حصل الحزب الإسلامي المعتدل على مليون و600 ألف صوت، فيما لم يحصل غريمه الأول، حزب الأصالة والمعاصرة، سوى على مليون و 200 ألف صوت، وإن جاء في المرتبة الأولى، من حيث عدد المقاعد في البلديات، وخصوصاً في القرى والمناطق الفقيرة، حيث كان السلوك الانتخابي في هذه المناطق محكوماً بالمال، أو نفوذ الأعيان، أو تأثير مراكز القوة.
اللافت في اقتراع الجمعة الماضية أن حزب العدالة والتنمية المغربي اكتسح المجالس البلدية لجل المدن الكبرى (الدار البيضاء، مراكش، طنجة، فاس، مكناس، القنيطرة، الرباط ...)، ما يعني أنه حاز ثقة الطبقة الوسطى التي تعيش في كبريات المدن والحواضر، وبأغلبية مريحة تعكس رضا هذه الفئات على أداء رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران التي يقود حكومة ائتلافية منذ أربع سنوات. هذه أول مرة في تاريخ الانتخابات المغربية، يحصل فيها حزب سياسي على أغلبية أصوات الناخبين في المدن الكبرى، ما يؤشر على عدة خلاصات أهمها:
أولاً: عرفت الانتخابات البلدية والجهوية الأولى بعد دستور 2011 نسبة مشاركة مرتفعة نسة (53%)، ما يؤشر إلى تزايد حجم ثقة المغاربة في العملية السياسية التي انطلقت بعد الحراك المغربي الذي جاء بدستور جديد، تنازل فيه الملك محمد السادس عن جزء مهم من سلطاته لصالح الحكومة والبرلمان.
ثانياً: بحصول حزب العدالة والتنمية على مراكز متقدمة في إدارة كبريات المدن والجهات، يكون الرأي العام المغربي، وخصوصاً الطبقات الوسطى قد عبّرت عن اختيار سياسي مزدوج. من جهة، كافأت الحزب الإسلامي على الإصلاحات الجريئة التي قامت بها حكومته، ورئيسها بنكيران الذي أظهر مرونة كبيرة في إدارة السلطة، وفي إشراك اليساريين والليبراليين معه في ائتلاف حكومي، صمد على الرغم من كل العقبات التي وضعت في طريقه. ومن جهة أخرى، عاقبت الطبقة الوسطى في المدن أحزاب المعارضة التي حاولت أن تجر البلاد إلى صراع هوياتي طاحن مع حزب العدالة والتنمية، من خلال التركيز على القضايا الخلافية حول الدين والعلمانية والحداثة والمحافظة، عِوَض التركيز على البرامج الاقتصادية والاختيارات الاجتماعية والسياسات العمومية.
ثالثاً: حصل رئيس الحكومة وحزبه الإسلامي المحافظ على مليون و600 ألف صوت في انتخابات الجمعة الماضية، في حين لم يصوّت له في آخر انتخابات بلدية جرت سنة 2009، سوى 700 ألف مواطن، وهذا معناه أن حزب العدالة والتنمية استطاع أن يضاعف من قوته ومن شعبيته، في ظرف ست سنوات فقط، وإذا كان الحزب قد فاز في العام 2011 بالمرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية (حصل على 107 مقعداً في البرلمان من أصل 395 مقعداً،) فإن فوزه آنذاك كان مدفوعاً بموجة الربيع العربي الذي اجتاح المنطقة. أما الآن، وعلى الرغم من فشل الإسلاميين في جل الدول العربية، وعلى الرغم من انقلاب الربيع العربي إلى خريف سلطوي، فإن الإسلاميين المعتدلين في المغرب نجحوا في الحفاظ على شعبيتهم في الشارع، وعلى التعايش مع الدولة العميقة، بفضل التدرج في الإصلاحات، وعدم الانزلاق إلى الحروب الدينية والأيديولوجية، والتركيز على الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، وفصل العمل الدعوي الديني عن العمل السياسي الحزبي. تلكم باختصار دروس اقتراع الرابع من سبتمبر/أيلول في المغرب.
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.