يوم في دوما

19 اغسطس 2015
+ الخط -
استيقظ، وكعادته صباح كل يوم، بدأ يستعد للذهاب إلى مدرسته الإعدادية في مدينة دوما، قرب العاصمة دمشق. لكنه فوجئ بأن لباسه المدرسي لازال مبللاً، ولم يجف بعد غسله ليلا. ذلك اللباس الذي كان يدعى، في ذلك الوقت، بدلة الفتوة ذات اللون الخاكي العسكري، والتي يتوجب على طلاب المدارس السورية بعد المرحلة الإبتدائية ارتداؤها، ما اضطره إلى أن يرتدي جاكيت أخيه المدخن والأكبر منه سناً. وحين هم بمغادرة المنزل، طلبت منه والدته أن يأخذ معه سكين المطبخ، ليعطيه لمعلم شحذ وسن السكاكين القريب من المدرسة، ويعيده معه ظهراً. في تلك الأيام التي لم تكن قد انتشرت فيه تلك الأدوات الخاصة بالسن والشحذ في المنازل.
وفي المدرسة، وبعد الاصطفاف لتحية العلم أولاً. ومن ثم ترديد النشيد الوطني، وليس قبل ترديد شعار حزب البعث: أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة، وحدة حرية إشتراكيه. وأنتهاءً بلازمة: قائدنا إلى الأبد الأمين حافظ الأسد. والتي يتعين على طلاب المدارس السورية، بمختلف مراحلها، أن يرددوها صباح كل يوم مدرسي.
وها هو صديقي من بعدها يخضع لتفتيش مفاجئ مع كافة زملائه في المدرسة، وكان من ذلك النوع من التفتيش يركز عادة على اللباس (بدلة الفتوة والبوط العسكري). والنظافة الشخصية (قص الأظافر وحلاقة الذقن للطلاب الأكبر سناً). ليجد نفسه في ورطة، فهو لم يرتدي لباسه العسكري المدرسي من جهة. ومن جهة أخرى، حين أدخل مدرب الفتوة، المسؤول عن عملية التفتيش يده في جيوب ذلك الجاكيت الذي ارتداه بدلا من اللباس الرسمي، وجد عقب سيجارة في جيبه الأول. أما في جيبه الآخر، فقد وجد ذلك السكين الذي نسي أن يعطيه لمعلم شحذ السكاكين، في طريقه إلى المدرسة، كما أوصته والدته.
تلك الأدلة القاطعة جعلت صديقي يقف مذهولاً، إلى درجة أنه لم يفكر بالدفاع عن نفسه، ويشرح حقيقة تلك الأدلة، وليتلقى من بعدها عقابه في ذلك اليوم، كطالب مدخن، وإرهابي مسلح.
تلك العقوبة التي لازال، وبعد مرور وقت طويل على تلك الحادثة، يتذكّرها جيداً ليرويها لنا.
فرصة لم يحظ بها بائعو سوق الخضار، القريب من تلك المدرسة التي تلقى بها صديقي عقابه في مدينة دوما المحاصرة منذ سنوات، أولئك المدنيون الذين قتلوا بقصفهم بالطائرات الحربية، بدون أن تكون لديهم الفرصة، ليرووا لنا كيف كانوا يمارسون إرهابهم من على منصات وعربات بيع الخضار والفواكه.
avata
avata
عزمي مخول (سورية)
عزمي مخول (سورية)