بورصة الإرهاب في تونس

20 يوليو 2015
+ الخط -
من المتعارف عليه أن لكل خيار سياسي، أو أمني، تداعيات اقتصادية، فيها مستفيد وخاسر، ودرجة الربح مرتبطة بحجم الحدث أو الخيار الذي تقوم به الأطراف السياسية أو الجماعات الإرهابية، فمنطق السوق (منطق الربح و الخسارة) طغى وارتبط بكل شيء، وأصبح كل حدث قابلاً للاستثمار وجني الأرباح. ومن هذا المنطلق، تقرأ الأحداث الأمنية الأخيرة في تونس، بداية من عملية سوسة الإرهابية وإعلان حالة الطوارىء، نهاية بالشروع في بناء ساتر ترابي على الحدود مع ليبيا. 
من الخاسر ومن المستفيد؟
طبعاً، في دول العالم الثالث، والتي تنحاز فيها أنظمتها الحاكمة لرجال الأعمال بدرجة أولى، وهذا التوصيف مقصود، فهؤلاء فعليا لا يملكون مؤسسات حقيقية، بقدر ما يملكون أعمالاً ومالاً، وحتى المؤسسات التي يديرونها تخضع لمنطقهم الخاص الذي يفرضونه على الدولة، بداية من تهربهم الضريبي، وصولاً إلى استغلالهم وسحقهم الطبقة العاملة، من خلال انتهاك حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية.
فهؤلاء الذين يسطرون سياسة البلاد، ويدعمون الحملات الانتخابية، ويسيطرون تماماً على الحركة السياسة والاقتصادية في البلاد، ويحركون المشهد الإعلامي ويشكلونه، لا يمكن أن يتحملوا، بشكل أو بآخر، ثمن الخيارات التي تنتهجها الدولة، اقتصادية كانت أو أمنية. ومن هذا المنطلق، يمكن إدراج عملية سوسة الإرهابية، فبمجرد وقوع الكارثة، سارعت وزيرة السياحة، سلمى اللومي، مباشرة، ودماء السياح لم تجف بعد، للحديث عن صندوق دعم للنزل، يتم تمويله من جيوب الطبقة الوسطى التي تم استنزافها وإنهاكها، طوال السنوات الأخيرة، وإجبارها على دفع ثمن خيارات اقتصادية وتنموية، تخدم بالأساس فئة بعينها.
وتجعلنا سرعة الإعلان عن فكرة بعث صندوق دعم السياحة نتساءل، فعلاً، عن التوقيت الحقيقي لهذا المشروع، والذي من الواضح أنه ليس وليد لحظة عملية سوسة، وإنما كان معداً سلفاً في إحدى الجلسات المالية في الفيلات الفخمة، وكان القرار فقط ينتظر حدثاً يبرر فعله، فالحديث عن إعادة جدولة ديون أصحاب النزل، وتقديم تسهيلات اقتصادية لهم، كان مطروحا قبل عملية سوسة. ولم تكن الأحداث الإرهابية إلا مطية تمرر عليها القرارت، وكأن ابو يحي القيرواني ضغط على مشروع تمرير قرار يفقر الشعب، وهو يضغط على زناد الرشاش.
وتلت إعلان حالة الطوارىء مبادرة قدمتها منظمة الأعراف، تضم قرابة الثماني نقاط، من عدة نقاط تجرّم فيها تعطيل العمل وتعليق الإضرابات. مبادرة صيغت بعيداً عن الاتحادات العمالية، ومن دون تشريك فعلي لمن يدفعون ثمن الخيارات الاقتصادية لهؤلاء ودولت (هم). فبحسب السلطة التونسية ورجال الأعمال، فإن أحد أسباب تفشي ظاهرة الإرهاب الاضرابات العمالية، وليس تعنت الدولة وعدم الايفاء بالتزاماتها المالية تجاه الاطراف الاجتماعية.
حالة الطوارىء والتي شهدت، في أول أيام إعلانها فض اعتصام قابس بالقوة، والتي جاءت بمثابة طوق نجاة لتصفية الحراك الاجتماعي، واستهدفت المحتجين على الأوضاع الاجتماعية المتردية. ولم يمض وقت طويل على إعلان حالة طوارئ، حتى أعلنت الحكومة عن البدء في تشيد ساتر ترابي للحد من تنقلات الإرهابيين، وكأن ما يهرب إلى تونس من أسلحة يتمثل في دبابات و مدرعات، في حين أن سلاحاً خفيفاً واحداً يمكن أن يقسم ظهر البلاد، فعملية سوسة مثلا لم تنفذ من فوق ظهر دبابة، بل نفذت بسلاح خفيف واحد، جعل دولة كاملة محط تندر.
سيظل الشعب التونسي يدفع من جيبه ثمن الخيارات الأمنية الفاشلة التي تنتهجها الحكومة، والخيارات الاقتصادية التي تملى عليها من حفنة اللوبيات التي تسيطر على مفاصل الدولة، في حين أن هذه اللوبيات ستظل تستثمر في جراح الشعب ومعاناته، وتحول خوفه وجوعه إلى أرقام وحسابات بنكية.
27D5F4EF-5B05-449B-AC6C-7303748A696C
27D5F4EF-5B05-449B-AC6C-7303748A696C
محمد بوكوم (تونس)
محمد بوكوم (تونس)