خلط أوراق سورية بمباركة إسرائيلية

30 يونيو 2015
+ الخط -
ما الذي يُخطط للمنطقة الجنوبية في سورية؟ وما الإشارات التي يجب أن نلتقطها من التزامن المريب للأحداث الموجهة ضد الجبهة الجنوبية والدروز؟ لم يمض على سقوط اللواء 52 في درعا، وتوجه كتائب الجيش الحر إلى مطار الثعلة العسكري، وقت كثير، لكنه كان كافياً ليتّسع أحداثاً غريبة متلاحقة، قد تغيّر فهمنا كل الخطط المرسومة لتلك المنطقة. 
بدأت معركة السيطرة على المطار في العاشر من يونيو/حزيران الحالي، وقد تميزت باهتمام إعلامي كثير، لحساسية المواجهة مع سكان السويداء الدروز، لكنها لم تُحسم بعد، على الرغم من إعلان المعارضة السيطرة على المطار. توقفت المعركة بأوامر من الجهات الداعمة، على الرغم من إمكانية حسمها.
الملفت للنظر ما تلا تلك المعركة، فقد تعرضت قرية قلب لوزة الدرزية في إدلب إلى مجزرة، ارتكبها عناصر من جبهة النصرة، لأسباب اختلفت بين مصدر وآخر، لكن تلك المذبحة تردد صداها قوياً في السويداء، حيث عمل النظام على تضخيمها إعلامياً، لتبدو كأنها مجزرة إبادة طائفية.
بعد بداية المعركة بأيام، تلقت السويداء عدة قذائف هاون، أودت بحياة شخص، وأصابت آخرين. توجهت الأنظار مبدئيا باتجاه درعا، لتتوضح الصورة سريعاً مع تحديد الجهة التي أطلقتها، وكانت قطعة عسكرية تقع في الجزء الشرقي من المدينة، وهو الحي الذي يسكنه بدو السويداء، كما انتشر مثل النار في الهشيم خبر معرفة الفاعل بالتحديد، وهم من بدو المدينة.
أوقد الحدثان نارا في السويداء، توجه لهيبها إلى فصائل المعارضة في درعا، لوجود النصرة بين صفوفها، كما توجه إلى بدو السويداء، حيث لا تزال ذاكرة السكان حية تستعيد أحداث عام 2000 الدامية، وتحتفظ بعداء مبطن بين البدو ودروز المنطقة. لكن تحقيق الهدف المرسوم للمنطقة يحتاج إلى إيقاد النار من الطرفين، وهذا ما فعلته إسرائيل وشبيحة النظام السوري في الجولان، فقد انبرت إسرائيل للإعلان، صراحة، في الشهر الماضي، بأنها لن تسكت على الاعتداء على "إخواننا الدروز في السويداء"، وأنها تتواصل مع بعضهم حالياً، وعلى استعداد لتقديم الدعم اللوجستي، أو حتى العسكري، لهم. ولاقت هذه التصريحات ردود فعل غاضبة من كل أهالي السويداء، بكل مشاربهم وتوجهاتهم. لكنها في المقابل، وضعت الدروز في موضع التخوين من عدة جهات وعلى عدة مستويات. ثم جاءت حادثة اعتداء دروز من شبيحة النظام على سيارة إسعاف إسرائيلية، تقل جرحى من الحدود السورية، وقتلهم أحد الجرحى، لتجهز، للأسف، على وطنية هذه الطائفة بالنسبة لكثيرين.
يحدث ذلك كله في ظل صعود اسم وحيد البلعوس رمزاً للمحافظة، خصوصاً بعد منع رجاله خروج آليات النظام الثقيلة، واستيلائهم عليها. وهو حدث يحمل تساؤلاتٍ كثيرة، لعل أبسطها عن سبب سكوت النظام عن ذلك، لتصل إلى أسئلة أكثر تعقيداً تتعلق بماهية ظاهرة البلعوس الطائفية أصلا، والهدف من إيجادها وتغاضي النظام عنها، لتصبح رمزاً دينيا للمحافظة، بدلا من الرموز الوطنية المطلوبة في هذه المرحلة.
السؤال الأهم: لماذا سُلّط الضوء على السويداء، ولماذا الآن؟
يصب كل ما يحدث في السويداء في مصلحة النظام وحده، فهي ليست أكثر من ورقة، يلعب بها النظام كما يشاء، خصوصاً عندما يدرك احتمال خسارته لها. فللسويداء وضع خاص، يربك الفصائل المعارضة في درعا، لعدم رغبتهم الدخول في معارك طائفية، إضافة إلى وجود أعداد كبيرة من النازحين، من درعا في المدينة، وما زال النظام يستفيد من ذلك. وهناك من يقول إن الهدف أبعد من ذلك بكثير، ويتعلق بمشروع تقسيم سورية. حيث يجهّز النظام، بالتعاون مع الدول الإقليمية وإسرائيل، مناطق مختلفة تكون نواة دول طائفية صغيرة، منها السويداء التي قد يكون المستقبل المرسوم لها ضمن دولة درزية.
أياً كانت الإجابة على هذه الأسئلة، ليست السويداء وحدها على فوهة البركان. ما يُدبّر للمنطقة قد يكون خطيراً على فصائل الجبهة الجنوبية، والأهم أنه قد يهدد محافظة درعا كاملة، وعندها ستكون سورية بكاملها على فوهة البركان، أو في داخله.
avata
غالية شاهين

صحافية سورية من أسرة "العربي الجديد"