عادل إمام و"الخواسر"

22 يونيو 2015

عادل إمام في مشهد من "أستاذ ورئيس قسم"

+ الخط -
في عمله الدرامي الجديد "أستاذ ورئيس قسم"، يقدم عادل إمام، الشخصية المحورية في هذا العمل الدرامي الرمضاني، رؤية فنية لمصر ما قبل الثورة بقليل، مصر حسني مبارك، حيث لا تخفى الدلالات السياسية، وتبدو الوجوه والملامح قريبة من واقع تلك المرحلة. كما يتشابه اللاعبون على المسرح السياسي في زمن مبارك مع الشخصيات "الكارتونية" التي نحتها مخرج العمل، وائل إحسان، بدقة، علماً أن التوجه لـ"كرتنة" الشخصيات، بقدر ما يشكل حلاً فنياً، ينمّطها اجتماعياً، إلا أن ذلك يسقطها حتماً في الكليشيهات الجاهزة. وربما لا تبتعد الحلقات الأولى عن ذلك، حتى أن نشطاء الساحة المصرية، والذين يضعون عادل إمام، ومَن لفّ لفّه، في دائرة الحكم الحالي، لا يمنع من القول، من حيث المقاربة الفنية، كون عمل إمام الجديد محاولة لتفكيك "المضحكات المبكيات" التي قام عليها نظام مبارك، وما سيأتي بعده، فتلك المقدمات البنيوية هي ما أدى إلى النتائج المتوالية في مسلسل الحراك الاجتماعي والسياسي في مصر. 
ولو قورن هذا مع ما يعرض من دارما عربية، لتبيّن الفرق كبيراً. ليس لأن العمل يقوم على ركيزة فنية، اسمها عادل إمام، معروف بإيفيهاته الفنية المبهرة. ولكن، لأنه يحاول أن يقترب من موضوع ما زال مستمراً في الزمان والمكان، وهو الحراك الشعبي في مصر، مع ما يحمله ذلك من نقاش ومن خلاف حول تلك المرحلة وأخطائها، وكيف تطورت الأمور بعد ذلك، وآلت إلى المصير الذي نعرف.
وربما من حيث المقاربة الفنية الخالصة، يبرز كم هو مثير للمخاطر ومعرّض لمجافاة الحقائق، تقطيع الزمن السياسي المعقد، وتعليبه ضمن عمل فني يجري تقطيره على جرعات إلى مشاهد ممتلئ المعدة ومعطل التفكير. وهنا تكمن خطورة عمل فني، مثل "أستاذ ورئيس قسم"، يحاكم مرحلة سياسية دامت أكثر من عشر سنوات، لتأتي الثورة لتدفنها، قبل أن تعود المسوخ من جديد في هيئة كابوسية هذه المرة، وليس بمثل شخصيات عمل عادل إمام، بالغة الظرف والمثيرة للشفقة.
مؤكد أن ذائقة المشاهد العربي تجاوزت مثل هذه الأعمال، لأن أحداث الشارع وسرعتها فرضت واقعاً نفسياً آخر. لكن، يبدو أن الدراما المصرية قررت الخوض في هذه المياه المريضة، ولا يعرف هل هذا قرار القيمين الفنيين عليها، أم قرار شركات الإنتاج وأصحاب المال أو سُلَط أخرى مرتبطة بها.
ولكن، مهما كانت الخطابات التي تحاول أن تقدمها للمشاهد المصري، مستهدفها الضمني، فإن المشاهد العربي مستهدفها الرئيسي، حيث التركيز على فكرة الدولة البوليسية التي تتعقب مشاريع الإصلاح في الجامعة والمجتمع والأحزاب، وتنشغل أجهزتها بإدارة الأعمال القذرة.
وهي حالة عربية بامتياز، مستمرة في الزمان والمكان، لم ينهِ الربيع العربي بشاعتها، بل زادها شيوعاً وبراعة تحت مسميات كثيرة، انتقلت من حصار الأفراد إلى قتل الجماعات وتهجير المدن تحت سماء من البارود.
سيكون "أستاذ ورئيس قسم" ساحة للنزال الفني بين عادل إمام وأحمد بدير، وفرصة لوجوه شابة عديدة، لكي تؤكد أحقيتها الفنية، ومادة إعلامية خصبة للصحف وللإعلام الجديد، وهناك من سيربح وهناك من سيخسر في هذا العرض الفني المشبع بالسياسي.
في الجهة الأخرى من عالم العرب، تعرض القناة المغربية الثانية (دوزيم) دراما مغربية بعنوان "الخواسر"، حاول صاحبها أن يحاكي مسلسل "الكواسر" التاريخي، عن طريق المزج بين اللغة العربية والدارجة المغربية.
أولى ردود الفعل كانت من الائتلاف المغربي لحماية اللغة العربية الذي دعا إلى وقف بث المسلسل، لأنه يهزأ من اللغة العربية، ووصف القناة التي تبثه بـ"الماخور".
شعب "فيسبوك" غاضب من "حموضة" الدراما المغربية المنتجة من القناتين، يشير بعضهم إلى تبذير للمال العام ومحسوبيات، وهو أمر يتكرر كل سنة، ليكون المغاربة هم "الخواسر" في الحكاية الأصلية!
6A0D14DB-D974-44D0-BAC8-67F17323CCBF
حكيم عنكر
كاتب وصحافي مغربي، من أسرة "العربي الجديد". يقول: الكرامة أولاً واخيراً، حين تسير على قدميها في مدننا، سنصبح أحراراً..