تكتيك داعش للتسلل إلى منطقة خراسان

10 ابريل 2015

احتجاج على "طالبان باكستان" في بيشاور (ديسمبر/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -
بخطى هادئة، لكن ثابتة، بدأ تنظيم الدولة الإسلامية، داعش، جني حصاد خسارة تنظيم القاعدة وأعدائه. فبالنسبة له، تبقى منطقة خراسان مكاناً استراتيجياً يمتد بين أوزبكستان وتركمانستان الشرقية في الصين إلى إيران وباكستان، وصولاً إلى بنغلادش. وهنا، لا يقتنع داعش باقتناص جنود مشاة، ينتمون إلى أرض المسلمين العجم تلك، بل يبحث، أكثر من ذلك، عن فرض الولاء. وعلى الرغم من أن أتباع أبو بكر البغدادي لا يرغبون في تصدر عناوين الأخبار في هذه المرحلة، إلا أن مصادر الأخبار ليست نائمة.
وفي حين كان استراتيجيون متخصصون يأملون في أن حركة طالبان الأفغانية وحلفاءها في المناطق القبلية الباكستانية محبطون ومنهكون من المشاركة في اللعبة، إلا أن السيناريو بدأ في التغير بشكل مفاجئ. ومع ذلك كله، لا زالت المؤسسة العسكرية الباكستانية تسفّه هذا الاتجاه. ويستبعد مستشار رئيس الوزراء الباكستاني لشؤون الأمن القومي، سرتاج عزيز، وقائد فيلق بيشاور، ورئيس فرقة مكافحة طالبان الباكستان، الجنرال هيدايات الرحمن، أي آثار لتحرك داعش في المنطقة.
وكان تفاؤل الجنرال هدايت إشارة إلى مدى معرفته بتغير الحقائق على أرض الواقع "بالنسبة لنا هذا مجرد تغيير للاسم، ولا حاجة للباكستانيين للقلق. هناك انشقاقات عديدة في حركة طالبان الآن، والتي أصبحت جزءاً من داعش. لكننا ندرك الوضع جيداً، ولدينا القدرة على التصدي لها على نحو فعال".
بدأ كل شيء، في ما تسمى منطقة خراسان، عندما ضرب الخليفة المزعوم، إبراهيم أبو بكر البغدادي، بشدة على أمير طالبان المختبئ، وصرح "أن الملا عمر لا يستحق أي مصداقية روحية أو سياسية". ودعا البغدادي ضيف أسامة بن لادن بـ "المغفل"، وسخر منه عندما سماه "قائد الحرب الأمّي". وكان الهدف من هذه الخطوة جلب انتباه بعض الجماعات في حركة طالبان، وبعض المتطرفين المثبطين والساخطين.
 
ووجدت محاولة داعش تجنيد راغبين عديدين، ينتمي بعضهم إلى الهند وبنغلادش. فقد جاء دعم "الدولة الإسلامية" في مجال الإنترنت من ما يسمى وادي السيليكون الآسيوي، أي بنغالور. فمثلاً، مهدي مسرور بيسواس، وباستخدامه مقبض تويتر "الشاهد الشامي"، استطاع تحقيق شهرة عالمية، بحيث حصل على عدد هائل من أتباع الموقع الاجتماعي، قبل أن تقبض عليه الشرطة المحلية. ووصل هندي آخر من المحافظة الهندوسية في ولاية ماهاراشترا، هو إرييب المجيد، إلى العراق، للانضمام إلى المليشيا سيئة السمعة، وهناك تم تكليفه بتنظيف المراحيض.
ومنذ أكتوبر/تشرين أول الماضي، يتم تداول مقطعي فيديو مع رسالة ولاء لـ"الخليفة" من مجموعة منشقة عن "طالبان باكستان". حتى، أكد المتحدث باسم البغدادي، أبو محمد العدناني، أن قائد هذه الحركة، حافظ سعيد خان، كان قائدا عسكرياً داعشياً، مع آخر هو كاظم عبد الرؤوف. وفي غضون ذلك، اعتقل يوسف السلفي السوري الباكستاني، بسبب وجود أدلة قوية تشير إلى تجنيده أفراداً من أجل "الجهاد" في منطقة الشام. ويوم 9 فبراير/شباط، أودت طائرة أميركية بدون طيار بحياة عبد الرؤوف كاظم. وقتل خليفته حافظ وحيد مع 9 آخرين في منطقة سانجين في 15 مارس/آذار، وفقاً لبيان لوزارة الدفاع الأفغانية.
وقد تعمقت الانشقاقات بين مليشيا الملا عمر، في وقت يرفرف فيه علم داعش فوق محافظات غزنة، وكابول، وزابول، وقندوز، وفرح، ونيمروز. وقد أضحت صفوف "طالبان"، بقيادة الملا فضل الله، في حالة من الفوضى والهوان، يوماً بعد يوم، خصوصاً مع ضغط حملة عسكرية مكثفة من الجيش الباكستاني. ومن المرجح أن تختفي هذه الانشقاقات، تحت مظلة داعش.
وفي الوقت نفسه، ذكرت وسائل الإعلام الصينية مقتل ثلاثة شباب في خضم الانضمام المتشدد في سورية والعراق. وقد أصبح شرق تركمانستان الذي يضم شعب اليوغور المسلم، والذين واجهوا اضطهاداً دينياً لا مثيل له، أرضية استقطاب مفضلة لرجال البغدادي. ويقدر عدد مقاتلي داعش، والمنضوين تحت الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية (حركة تركستان الشرقية الاسلامية) بحوالى 300. كما أنه، سابقاً وعلى مدى عقود، قاتل الانفصاليون الترك مع تنظيم القاعدة وحركة طالبان.
استجابت جماعة جند الله لنداء داعش في جنوب شرق إيران وجنوب غربي باكستان. فسكان محافظة سيستان ـ بلوشستان في إيران، ذوو الأغلبية السنية من البلوش، لم يستسلموا للتمييز الطائفي المتشدد الذي يمارسه آيات الله في إيران. فبالفعل، أعلنت جماعة جند الله ولاءها للدولة الإسلامية. وبالموازاة مع التصعيد الحاد في الهجمات على قوات حرس الحدود الإيرانية على طوال الحدود الباكستانية، يُزعم أن المليشيا هاجمت جماعة الهزارة الشيعة السلمية في باكستان في كويتا، عاصمة بلوشستان الإقليمية.
وبعد إنشاء الجيش السوري الحر، بدأ حزب الله تجنيد شيعة باكستان، وخصوصاً جماعة الهزارة، للقتال إلى جانب حلفاء الأسد. وقد كانت جثث "الشهداء" تصل من لبنان إلى مدن مثل جيلجيت وكراتشي ومولتان وجهانغ. وعلى الرغم من أنهم يشكلون 9% من السكان، إلا أن الشيعة أضحوا جماعة ضغط هائلة في باكستان. كما أن مواكب الشيعة في كراتشي، والتي خرجت لدعم الناشطين البحرينيين، كشفت عن أجندة حزب الله باكستان. هناك، أيضاً، تقارير عن السلفيين الباكستانيين الذين يقاتلون ضد قوات الأسد.
وقد فشلت إسلام أباد، حتى الآن، في كبح جماح الجماعات الطائفية المتشددة، وخنق موارد الممولين من الخارج على جانبي الصراع. ويزداد عدد الجماعات المنشقة عن "طالبان" في الانضمام للقتال في بلاد الشام، وفي تعميق الكراهية بين الشيعة والسنة، ما قد يجعل باكستان نقطة ساخنة أخرى، لأعمال العنف الطائفية بعد العراق. وقد تؤدي مثل هذه الظروف إلى اشتراك الجماعات السلفية المحظورة، مثل عسكر طيبة وجماعة جيش محمد، مع "الدولة الإسلامية" في السعي إلى تحقيق شراكة عالمية وتوفير الضرورات المالية. خصوصاً، وأنهم يتبنون نهج داعش في اعتناق السلفية.
أما في أفغانستان، فالأرض أكثر خصوبة لنمو تجنيد داعش، حيث كان التحدي الرئيسي لكابول، ولا يزال، دمج المقاتلين السابقين والحاليين، من خلال تقديم فرص عمل وحياة مريحة. كما أن قطر تتمتع، وبكل الوسائل، بنفوذ كبير على كل من طالبان والحكومة الأفغانية. كما أن كلاً من باكستان وأميركا على متن المركب نفسه.
 
وعلى مدى الأشهر القليلة المقبلة، سيعتمد تأثير داعش في المنطقة على العوامل التالية في منطقة خراسان:
• إذا فشلت باكستان في سد فراغ السلطة في المناطق القبلية، بعد العملية العسكرية "زربأزب"، فإن الجهات غير الحكومية الفاعلة بقيادة الجيل القادم من المتطرفين ستحاول استغلال الوضع. وبالتالي، ستضطر إسلام أباد إلى إعطاء الحقوق السياسية والدستورية المتساوية لشعب المناطق القبلية، بالإضافة إلى مبالغ ضخمة من المال لرفع مستوى الفقر والجريمة في منطقة النزاعات هذه.
• إذا لم تتخذ إسلام أباد بعدُ تدابير جذرية ضد التمويل الخارجي للجماعات الطائفية، فإن الشيعة والسنة على حد سواء، وداعش ومنافساتها، لن يحتاجوا دعوة عامة أخرى.
• التصعيد في قمع اليوغور المسلمين في الصين لا يخدم بكين، لكنه في صالح البغدادي. فالحظر المفروض على الحجاب والصوم أمثلة حديثة من ضمن أخرى. وقد تجد جماعة حركة تركستان الشرقية الاسلامية المسلحة، والهاربة من المناطق القبلية في باكستان، دماء جديدة ومحسوبية من خلال الانضمام إلى داعش. وإذا كان بإمكان بكين أن تعقد عدة جولات من المحادثات مع طالبان، فلماذا لا يمكنها أن تجلس مع شعبها؟
• في حين تحاول إيران مواجهة داعش كدولة قوية، إلا أن غطرستها في معالجة محنة البلوش السنة قد تشكل لها تهديدات أمنية داخلية خطيرة. وقد استخدمت طهران، حتى الآن، إسلام أباد ذريعة لحل مشكلاتها الناجمة عن جماعة جند الله.
• ومع حكم المتشددين الهندوس في الهند، ستجد جميع الأقليات، ولا سيما المسلمين، نفسها في عين العاصفة. وقد تصدرت قصص تغيير الديانة بشكل قسري، وحظر ذبح الأبقار في ولايات معينة، عناوين الأخبار العالمية بالفعل. ويبقى كل من مهدي ومجيد أمثلة صغيرة لما قد يتهدد دلهي بشكل أكبر بكثير على يد شركة البغدادي.
• وتواجه بنغلادش تحدياً مماثلاً مع الشيخة حسينة واجد، الناقمة، والتي تحكم البلاد باستخدام وسائل انتخابية وإدارية جائرة. وعلاوة على ذلك، تعيد محاكم دكّا المثيرة للجدل إصدار أحكام الإعدام، على غرار مصر، على قادة جماعة الإسلام الكبار. وكان هذا التنظيم، شقيق الإخوان المسلمين، قد ساند الجيش الباكستاني في حرب استقلالها. وهو الآن يجر بنغلادش إلى حالة من الاضطراب الكبير مع تقارير عن مجندي داعش تطفو على السطح كل أسبوع تقريباً.
ليس من نافلة القول إن الحكومات في آسيا الوسطى وجنوب آسيا تحمل عبئاً ثقيلاً من البيروقراطية المتخلفة. الوقت هنا هو جوهر المسألة، أما الاستراتيجية والتكتيكات فعليها أن تتحسن. وقد يساعد الإدراج السياسي للعناصر الإسلامية النافرة، وممارسات أمنية داخلية يقظة، على وأد الشر في مهده.