مضحكات الشدائد في تونس

30 ابريل 2015
+ الخط -
لم تلق أي حكومة في تونس، قبل الثورة وبعدها، ما لقيته حكومة الحبيب الصيد الحالية من التهكم والسخرية، ردّاً على تصريحات وزرائها وعثراتهم التي تتالت بوتيرة تنبئ عن افتقار هذه الحكومة لأي برنامج يجمعها، ويوجه عملها. فبعد حملة انتخابيةٍ، خاضها حزب نداء تونس، متعهداً بطيّ صفحة فشل حكومة الترويكا، وبعد وعود سخية بالقضاء على الإرهاب والبطالة والتلوث البيئي وتشييد الطرقات السريعة وتزويج العزاب وتخفيض الأسعار وتحقيق الرخاء، يستفيق التونسيون، اليوم، وقد بلغت البلاد حافة هاوية الإفلاس، باعتراف محافظ البنك المركزي. وبعد تأكيدات على شاشات التلفاز بأن حزب نداء تونس يحوز على كفاءات قادرة على تسيير أربع دول، يتندر التونسيون، اليوم، في مجالسهم بمشاهد كوميدية سوداء عن وزراء يفتقدون إلى الحد الأدنى من المعرفة بالمشهد التونسي، ناهيك عن افتقارهم إلى أي برنامج أو رؤية واضحة.
حظي وزير الخارجية، الطيب البكوش، بالقدر الأكبر من تهكم التونسيين في الأسابيع الأخيرة. فقد افتتح الرجل مهمته بالإعلان عن دعمه الغارات المصرية على مدينة درنة الليبية، ليتراجع، بعد يوم، تحت ضغط داخلي وإقليمي، ويعلن عزمه افتتاح قنصليتين تونسيتين في طرابلس والبيضاء، وهو قرار اعتبر اعترافاً مبكراً بتقسيم ليبيا إلى دولتين. وقابل قرار البكوش هجومان من حكومتي عبدالله الثني وحكومة عمر الحاسي، ووصل الأمر بمسؤول هيئة الإعلام في حكومة الثني إلى الرد على البكوش باستعداد حكومته للاعتراف بحكومة "أنصار الشريعة" في جبل الشعانبي، في حال قيامها.
لم يكن التخبط في المستنقع الليبي كافياً للبكوش ليحسب تصريحاته جيداً. بعد أيام، حوّل وجهته نحو تركيا، واتهمها بدعم الإرهاب في تونس، وهو اتهام دفع الخارجية التركية لاستدعاء السفير التونسي في أنقرة، وإبلاغه انزعاج بلاده من هذا التصريح الذي لم يستند إلى أي دليل. وكان الإجراء التركي ضوءاً أحمر أمام البكوش ليعدل خطابه، وليفسر تصريحاته، ولكن وفق المثل الشعبي "بيكحّلها عماها"، فقد كان التونسيون على موعد مع مشهد كوميدي جديد لوزير خارجيتهم على شاشة التلفزيون الرسمي، مؤكداً أن تركيا تجاوبت مع مطالبه، وحذفت لفظ "الجهاد" من التأشيرة التي تمنحها للتونسيين. ولم يعلم الوزير أن التونسي يدخل تركيا من دون تأشيرة، وأن أي دولة في العالم، مهما يكن موقفها، لا يمكن أن تصل في تحديها المجتمع الدولي هذا الحد، وتضع "الجهاد" بين الأغراض التي تمنح من أجلها التأشيرة للمسافرين إليها. وكل ما في الأمر أن الوزير استند إلى صورة معالجة بتقنية الفوتوشوب، نشرها أحد النشطاء الساخرين على صفحته، وأخذها الوزير مأخذ الجد واستخدمها دليلاً لتحديد مواقف بلاده وعلاقاتها الخارجية.
لم يمر أسبوع عن كوميديا الفوتوشوب التي كان بطلها وزير الخارجية، حتى كان التونسيون على موعد مع كوميديا أخرى، بطلتها وزيرة السياحة، سلمى اللومي. فخلال استضافتها، في برنامج إذاعي، للتعليق على تظاهرة خياطة أكبر علم في إحدى المناطق السياحية في الجنوب، وإجابة على سؤال المذيع عن مآل العلم، بعد انتهاء التظاهرة، أجابت الوزيرة أنها ستأذن بتقسيمه إلى قطع صغيرة تمنح للفقراء في المناطق المهمشة لاستغلالها أغطية تقيهم برد الشتاء. لتنطلق بعد تصريح الوزيرة حملة واسعة من التهكم، حيث اعتبرت دليلاً على حالة ضعف شديد وسمت أداء أغلب وزراء الحكومة، ووصلت إلى حد المهزلة. وأظهرت الوزيرة، وأمثالها، نخباً منبتّة تماماً عن المجتمع، وتعيش خارج السياق التونسي، خصوصاً أن أغلبهم من الطبقة المخملية التي لم تكلف نفسها، يوماً، النزول إلى مدن الداخل وأحزمة الفقر في العاصمة والساحل، حيث يعيش المواطن صراعاً متواصلاً لضمان الحد الأدنى من متطلبات العيش. ولم يغفل بعض نشطاء الشبكات الاجتماعية التذكير بالقول المأثور عن ماري أنطوانيت التي خاطبت المتظاهرين الجائعين في باريس "إن لم تجدوا الخبز كلوا الحلوى".
جديد فصول الكوميديا، ولا يعتقد أنها ستكون الأخيرة، بطلها وزير البيئة والتنمية المستدامة، نجيب درويش، الذي عبر عن نيته بعث وكالة للناموس (البعوض) في وزارته، إضافة إلى تحويل سبخة السيجومي في العاصمة إلى بحيرة سياحية لمزاولة رياضة القوارب الشراعية. وكان من الممكن الإشادة بفكرة الوزير، لو كان يتحدث عن مكان يجهله التونسيون، أما حديثه عن سبخة السيجومي، أكثر الأماكن تلوثاً في العاصمة، والمحاطة بأحزمة من أفقر الأحياء وأكثرها تهميشاً، فذلك يصبح تسويقاً للوهم وجهلاً بواقع لا يبعد عن وزارته غير كيلومترات معدودة. فالأحياء المحيطة بالسبخة تفتقر إلى أبسط متطلبات العيش السليم من طرقات ممهدة وأنظمة صرف صحي وتنوير وغيرها. وفي ظل هذا الوضع القاسي، يصبح الحديث عن رياضة القوارب الشراعية نكتة سمجة، قد تضحك قائلها في أفضل الأحوال.
avata
avata
خليفة علي حداد (تونس)
خليفة علي حداد (تونس)