"بوكر" أيضاً وأيضاً

15 فبراير 2015
+ الخط -
صارت الرطانة السنوية بشأن الجائزة العالمية للرواية العربية "بوكر" مملة. يزاولها، غالباً، من لا يعرفون ما يحسن أن يعرفوه، مع إعلان أسماء روايات قائمتيها القصيرة والطويلة. يكرّرون الأسئلة نفسها، منذ ثماني سنوات، من قبيل لماذا هذه الأعمال وليست تلك؟ وما أهلية هذا العضو وذاك في لجنة التحكيم؟ تقرأ هذا الكلام في كل موسم للجائزة الأشهر بين الجوائز الثقافية العربية. ومع التسليم بحق أيٍّ كان أن يقول أي شيء، ومع التنويه إلى أن لدى صاحب هذه السطور مؤاخذات على بعض تفاصيل تخص هذه الجائزة، وإلى قناعته بأن روايات وصلت إلى القوائم القصيرة والطويلة في الدورات الماضية لا تستحق هذا التقدير لها، يحسن، للإضاءة على "بوكر" العربية التذكير بالحقائق التالية:
1- ليست مقروئية الرواية العربية بعد إطلاق "بوكر" كما قبلها، فقد صارت موسماً سنوياً ينتظره جمهور القراء العريض، كما أن انجذاب كتاب الرواية العرب إلى التنافس فيها واضح، بدليل الزيادة السنوية لأعداد الروايات التي ترشحها دور النشر للمسابقة. وهذا مبعث نجاح للجائزة، والقائمين عليها.
2- ليست "بوكر" للروائيين العرب وتجاربهم، بل للنصوص، فلا تقوم على آراء نقاد مختصين. إنها تضع في اعتبارها القراء فقط، على تنوع أذواقهم واهتماماتهم، وليس رضى النقاد وناس الأدب والمشتغلين به. لذلك، تصل رواية أولى لكاتبها في الدورة الحالية إلى القائمة القصيرة، فيما رواياتٌ لعتيدين في الكتابة لم تصل. ويفوز روائي مخضرم بالجائزة الأولى، هو بهاء طاهر، ثم يصير من زملائه الفائزين بها، شابان، هما العراقي أحمد سبعاوي والكويتي سعود السنعوسي.
3- تدعم الجائزة مالياً هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، بعد أن كانت تحظى بذلك من "مؤسسة الإمارات"، غير أنها تقوم بالشراكة مع مؤسسة جائزة بوكر الدولية في لندن الخاصة بالرواية، فتأخذ باعتبارات هذه الشراكة، من قبيل عدم حصر اختصاص جميع المحكمين بالنقد الأدبي، بل تتنوع أعمالهم وحقولهم واهتماماتهم، على أن يكونوا قراء رواية وذواقين. ولذلك، ترأس دورتين لـ "مان بوكر" البريطانية وزير الدفاع السابق، مايكل بورتيللو وعميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة لندن، وضمت لجان تحكيم صحافيين ومحررين في جرائد وفي هيئة الإذاعة البريطانية.
4- اتصالاً بما سبق، ووفاء لطبيعة الجائزة وجمهورها، ترأس لجنة تحكيم في "بوكر" العربية أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية، جلال أمين، وضمّت اللجان، إلى نقاد معتبرين، مختصين في علم الاجتماع وشعراء وأكاديميين وإعلاميين. وهذه زميلتنا، بروين حبيب، شاعرة وعاملة في الإعلام الثقافي منذ سنوات، وتحمل الدكتوراه في الأدب الحديث، وقارئة ذواقة، كما زميلات وزملاء آخرون في دورات سابقة، قد لا تروق بعضنا قناعات بعضهم، ولا خياراتهم، لكن ذلك لا يعني التبخيس من خبرتهم في قراءة الرواية. وإذ يبدو خلافياً مدعاة أن تضم لجان التحكيم مستعربين أجانب، فقد يكون مبعث ثناء اختيار مختصة يابانية بالأدب العربي، في الدورة الحالية، ترجمت روايات لإميل حبيبي ورشيد الضعيف.
5- كان شديدَ الأهمية، وبالغ الجوهرية، ومؤكد الضرورة، سماعُنا، نحن حضور جميع حفلات إعلان أسماء الفائزين بالجائزة الأولى في الدورات السبع الماضية، في أبوظبي، من رؤساء اللجان وأعضاء فيها، أن ما انتهوا إليه تعبيرٌ عن توافقهم وخياراتهم، وأن لجاناً أخرى ربما كانت ستختار أعمالاً أخرى للفوز. وطالما تم التنويه منهم إلى تميّز أعمالٍ لم تصعد إلى القائمتين، الطويلة والقصيرة.
6- بالنظر إلى الجاذبية الكبرى التي صارت لجائزة بوكر العربية، في فترة قياسية قصيرة، من بالغ الخطورة أن يشيع اعتقاد يعتبر روايات قوائمها الأعمال الأهم بين جديد الروايات كل عام، وأنها وحدها التي تستحق القراءة. هذا ليس صحيحاً، فلكل قناعاته وذائقته. وأكرر هنا، عدم قناعتي ببعض أعمالٍ فازت، وتحبيذي أعمالاً لم تفز. ولدى كثيرين غيري أمزجتهم، ولذلك، لنقرأ الروايات الست الجديدة، ثم نجهر بأي رأي وأي نميمة.

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.