وحدة الشعوب هي الأجدى

22 ديسمبر 2015

عبد الناصر وشكري القوتلي يوقعان اتفاق الوحدة (فبراير/1958/Getty)

+ الخط -
بعد أكثر من 54 عاماً على انفصال سورية عن مصر، وانتهاء حلم الوحدة العربية، إن تتبعت الكتابات عن الحدث ستجد قليلة منها تحلله، بشكل منطقي أو علمي، وستجد القليل من السرد التاريخي الدقيق، أو تحليل الأسباب الحقيقية لفشل الوحدة وحماقة ودكتاتورية القيادة التي أسهمت في إفشال حلم الوحدة بين البلدين، بينما كتابات كثيرة تتحدث عن مؤامرةٍ كونية كبرى تسببت في فشل الوحدة، وعن دوري "الإخوان المسلمين" والمخابرات الأميركية، أما حماقة عبد الحكيم عامر ودكتاتورية جمال عبد الناصر فبريئتان.
نحن جيل ولد وعاش بعد معاهدة السلام مع إسرائيل، وبعد عيد تحرير سيناء والتطبيع، لم نعش زمنياً حلم الوحدة العربية، ولم نحضر تلك اللحظات العظيمة، لكننا عشنا الأمنيات وصحوة الحلم القديم في دعم الانتفاضة الفلسطينية، والتظاهر ضد الحرب على العراق. نشأنا وتربينا على ذلك الحلم، وسمعنا قصصاً وحكايات وخطباً وأغانيَ كثيرة، تربينا على الحسّ القومي، وسمعنا من زعماء الدول العربية الكثير من التعاون المشترك والسوق المشترك والتنسيق المشترك، ما لم نجد شيئاً منه، فالواقع، طوال الثلاثين عاما الماضية، أن كل الدول العربية تتجه نحو مزيد من القُطرية، ومزيد من الانعزال والانكماش.
فحتى قبل إطلاق حلم القومية والوحدة في الخمسينيات، كانت هناك وحدة حقيقية بدون نظريات ورطرطة. كان هناك مفكرون وفنانون في كل الأقطار العربية لا تعنيهم الحدود التي وضعها الاستعمار، وكان طبيعياً أن تجد رواد الفن والأدب والفكر في مصر من أصول شامية أو عراقية. اليوم، وعلى الرغم من صبغة ناصرية للنظام الحاكم في مصر، تجد حملات شعواء ضارية ضد أي كاتب أو إعلامي أو فنان عربي ارتكب جريمة التعليق على ما يحدث في مصر، ومن أعاجيب هذا الزمان أن تجد من يتحدث عن القومية والوحدة، يدافع، في الوقت نفسه، عن مزيد من القُطرية والانكفاء داخل الدولة وحدودها.
على الرغم من ذلك كله، ومع دكتاتورية من يحاول فرض مفهومه للقومية على الآخرين في الستينيات، فأضاع حلم الوحدة في بداياته، لا تزال الشعوب العربية تحلم بالوحدة. وعلى الرغم من انتهازية الحكام العرب الحاليين، وهرولتهم نحو الغرب، من أجل الحماية أو الاستثمار أو المعونات أو البقاء في السلطة، إلا أن الشعوب لا تزال تحلم بالوحدة الحقيقية.
كان حلم الثورات العربية والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وانتشار تلك المطالب سريعاً في الوطن العربي خير مثال على وحدة الشعوب، وليس الحكام، فالشعوب تشتاق للوحدة والحرية والكرامة والعدالة، كما تشتاق الأنظمة العربية إلى البقاء في السلطة. ولكن، للأسف، انتصر استبداد الأنظمة على تطلعات الشعوب.
لا يزال حلم الوحدة في القلوب، وحدة الثورات والآمال والتطلع للحرية، وحدة الفن والثقافة، الأغاني المستقلة والأفكار الثائرة. أليس ممكناً أن هناك أشكال جديدة للوحدة، بدلا من النماذج والمحاولات القديمة الفاشلة؟ ألا يمكن أن تكون هناك عروبة ووحدة بدون جعجعة الناصريين، بدون نظريات مؤامرة وتخوين، بدون محاولة فرض نموذج سياسي واحد وصوت واحد؟ عروبة ووحدة مع احترام لخصوصيات الأقطار العربية واحترام للتنوع الثقافي؟
التعلم من الماضي جزء من الوعي التاريخي، ومن الحماقة ألا يتغير الخطاب القومي العروبي الوحدوي، منذ أكثر من 60 عاماً. الخطاب والمفردات والأحلام نفسها، والصياح والتعصب والتخوين لكل من يختلف أو يناقش. كانت وحدة زعماء، وليست وحدة شعوب بالمعنى الحقيقي لوحدة الشعوب، وحدة بين الأنظمة والحكومات العربية ومخابراتها ضد المعارضين. كانت وحدة عاطفية أكثر منها واقعية، فورية بعد لقاء الزعماء، وليس بناءً على دراسة وتخطيط.
كانت وحدة تبدأ بالدمج الكامل القسري مع الحزب الواحد والصوت الواحد، بدون أي اعتبار للتدرج، أو احترام التنوع والتعددية. لكن، على الرغم من ظروف المنطقة العربية، وأوضاعها الخطيرة والمحورية، لماذا لا نفكر، وخصوصاً الشباب، في تصورٍ أكثر واقعية للوحدة والعروبة؟ وحدة تعتمد أكثر على الثقافة والفكر والفكرة، على الشعوب، وتتيح حرية انتقال الشعوب العربية في الأقطار العربية، حرية العلم والتعليم، حرية اقتصاد ومناطق حرة وتصنيع مشترك، وحدة وتكامل بين العقول والموارد والإمكانات والخبرات. تنسيقية أو كونفيدرالية أو اتحاد، أو أي مسمى، الأهم أن تكون وحدة شعوب قبل الأنظمة.

DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017