ماذا نستنتج من انتخابات تركيا؟

11 نوفمبر 2015
+ الخط -
هي المرة الأولى في التاريخ السياسي التركي التي يتوجّه فيها الناس للمرةِ الثانية إلى صناديق الاقتراع في فترة قصيرة، لتأتي النتائج مفاجئة للجميع؛ حتى للقادة السياسيّين أنفسهم، إذ أصبح حزب العدالة والتنمية الحزب الأول في التاريخ السياسي التركي الذي يفوز بالسلطة للمرةِ الرابعة.
قبل الانتخابات الثانية، لم يأتِ الإعلام على ذكر حكومةٍ يشكّلها حزبٌ منفردٌ نظرًا لنتائج انتخابات يونيو/حزيران الماضي وعدم الاستقرار في البلاد، إذ جاءت النتائج لتبين خطأ استطلاعات الرأي، حيث قال الناخبون "نعم" لحكومة الحزب الواحد، مفضلين الاستقرار على حكومةٍ ائتلافيةٍ كانوا شهودًا على عدم قدرة الأحزاب على تشكيلها، حيث شعر الأتراك أن وجود حزبٍ واحدٍ في السلطة يجعل الإدارة أسهل، ويجعل الحكومة أقدر على الردّ على الهجمات الإرهابية.
تمكن حزب العدالة والتنمية من الحصول على 49.34٪ من الأصوات، ما يجعله الحزب الوحيد المؤهّل لتشكيل الحكومة مع 316 عضوًا في البرلمان، وكان السبب الرئيسي لارتفاع أصوات العدالة والتنمية، تأييد الجمهور فكرة أن يكون له دور حاسم وبنّاء في القضاء على الإرهاب في تركيا، وعلى الرغم من أنّ هذا ليس كافيًا للقضاء التامّ على الإرهاب، بيد أنّ المساعي البارزة والبداية القويّة، من شأنهما منح الأمل للشعب التركي الذي عانى من الإرهاب عقوداً، علما أن عمليات الجيش التركي الأخيرة قلّلت جزئيًّا من ضغوط المنظمات الإرهابية وتهديداتها. لذا فإنّ الأصوات الممنوحة سابقًا للحزب الديمقراطي التركي أعطيت هذه المرّة إلى حزب العدالة والتنمية.
العامل الآخر الذي أدّى إلى ارتفاع أصوات حزب العدالة والتنمية هو تخلّيه عن خططه السابقة للتحوّل إلى النّظام الرئاسي في انتخابات يونيو. في الواقع إنّ غالبية الأتراك يعارضون هذا النموذج الجديد، إذ من شأنه إحداثُ نظامٍ فيدراليّ، لذا لم يحظ بقبولٍ في البلاد. النظام الرئاسي حكوميٌ شائعٌ في بلدان عديدة، بيد أنّه يشكل تهديدًا كبيرًا لتركيا، لأن النّظام الفيدرالي الذي يشكله النظام الرئاسي سيضرّ كثيرًا بالهيكل الوحدوي التركي، وسيتسبب في مطالبة مناطق فيدرالية عديدة بالاستقلال. من المهمّ جدًا لحزب العدالة والتنمية، ألّا يعود إلى خطاب النظام الرئاسي من جديد، لأنه سيضر به.
كان لشخصيّة رئيس الوزراء داوود أوغلو وقيَمه الروحيّة السامية، دورٌ مهم في حشد الدّعم وكسب أصوات الجمهور، إنّه رجلٌ صادقٌ ومتديّنٌ ومحبٌّ ومتواضعٌ ومخلص. لقد أثرت هذه الصفات على الشعب التركيّ الذي يتكوّن من 99% من المسلمين الّذين يمنحون أهميّة كبيرة لهذه الصفات الرّوحانية.
أيضا، كان للطريقة التي أدار بها الحزب حملته الانتخابية دوراً في إعادة ما فقده في الانتخابات السابقة، فرئيس الوزراء داوود أوغلو شارك بنفسه في الحملات الانتخابية، متنقلًا من مدينةٍ إلى أخرى، ومن مقاطعةٍ إلى أخرى، ملقيًا الخطابات العامّة، ومستمعا إلى مشكلات ومطالب شعبه، كما قام أعضاء حزب العدالة والتنمية بتقييم الانتخابات الأخيرة بدقّة، وحاولوا إصلاح أخطائهم السابقة، بالإضافة إلى أخذهم تحذيرات وسائل الإعلام وميول الشعب بعين الاعتبار، خصوصاً في تركيزهم على الشق الاقتصادي، حيث قدموا وعودا بتجاوز الركود الذي شهده الاقتصاد التركي أخيراً.
في المقابل، شهِد حزبا الشعوب الديمقراطي والحركة القومية انخفاضًا كبيرًا في عدد الأصوات، مقارنةً بالانتخابات السابقة، حيث خسر الأول لعدم إدانته الهجمات الإرهابية التي أودت بحياة جنود وضباط شرطة ومدنيّين عديدين في الأشهر السابقة، في حين خسر الثاني 39 مقعدًا مقارنةً بانتخابات يونيو. كما أن حزب الشعب الجمهوري تأثر سلباً على الرغم من ارتفاع عدد نوابه، بسبب عدم طرح خطة راسخة، وعدم التركيز على القضايا الحاسمة مثل الإرهاب، وتهديد وحدة الهيكل، منشغلا بمسائل ثانوية.
يتعين على الحزب المنتصر تبنّي النصف الآخر الذي لم يصوّت له، إذ سيشعر أنصار الأحزاب المعارضة بالقلق، وعلى رئيس الوزراء أن يستمرّ في منح رسائل الحب لجميع السكّان. وعليه أن يؤكّد باستمرار أنّ لجميع المواطنين حقوقًا متساوية وأنّهم سيعيشون في ظروفٍ متساوية. كما على الحكومة أن تؤمن بأنّ المواطنين من مختلف الأعراق مثل العلويين واليونانيين والأرمن والسوريّين، هم رمز الجمال في هذا البلد، ويجب أن يشعروا بالراحة في بلدٍ يقدّرهم كثيرًا.
6CDB8DD5-0266-422A-AF0D-1E8B6F808880
6CDB8DD5-0266-422A-AF0D-1E8B6F808880
هارون يحيى (تركيا)
هارون يحيى (تركيا)