الانتخابات المصرية وقمع الإنتلجنسيا

01 نوفمبر 2015
+ الخط -
من المعروف أن القوى السياسية والاجتماعية التي تحكم في الدول الديموقراطية تنتمي لطبقتين، الأولى البورجوازية الكبيرة بجناحيها (الزراعي الصناعي، التجاري المالي)، حيث تعرف تلك الطبقة بالرأسماليين مالكي وسائل الإنتاج الإجتماعي الذين يستخدمون العمل المأجور، أي هم ملاك وسائل الانتاج الذين يعيشون على القيمة الفائضة بأشكالها الثلاث: الريع للأراضي، والفائدة للأموال، والربح للتجارة والصناعة، ويستخدمون تلك الوسائل من أجل إبقاء القرار والسلطة بأيديهم. الطبقة الثانية هي البورجوازية الصغيرة التي تقوم على جناح المثقفين بالذات، فدائما وأبدا تعتبر طبقة البورجوازية الصغيرة بأجنحتها (التجاري والصناعي، الانتلجنسيا، الزراعي ) أحد الركائز والدعائم الأساسية للثورات، بل المشغل الأساسي لحركتها الديالكتيكية، ففي أوروبا كان لجناح الانتلجنسيا دور فاعل في نجاح ثوراتها، فهي جماعة المثقفين ذوي التفكير النقدي الذين يقتربون من الشعب، وهي السند الطبيعي للحكم الديموقراطي الليبرالي. ومن هنا، كانت البورجوازية الصغيرة نصير الحكومات الديموقراطية المعتدلة.
في مصر الآن، عصب طبقة البورجوازية الصغيرة أو الطبقة الوسطى التي تآكلت لم يعد جناح الانتلجنسيا، ذلك الجناح الذي يشمل المثقفين والموظفين الصحفيين وأساتذة الجامعات وغيرهم، فلم يستطيع هذا الجناح أن يمثل في مصر ما مثله في أوروبا وأميركا. وبالتالي، فلم يستطع أن يقوم بدوره التاريخي، ما انعكس سلبا على استحقاقات الثورة، وهو ما تجلى في مشهد استحقاق الانتخاب البرلماني، فالأشخاص المؤهلون لهذا المشهد استبعدوا عمدا.
لحرمان الانتلجنسيا من المشاركة في مشهد الاستحقاق الانتخابي آثاره الوخيمة على الحياة السياسية المصرية، فعندما تقوى الانتلجنسيا ويكون لها دور فعال تقوى الفكرة القومية على حساب فكرة الرابطة أو الجامعة الدينية، نتيجة احتكاكها المتواصل بالغرب والثقافة الغربية، حيث تختلف ثقافتها عن الثقافة الدينية التي تلقتها الرابطة الإسلامية، كذلك عندما تقوى الإنتلجنسيا تقوى الديموقراطية الليبرالية، فدائما تقف بجانبها، باعتبار أن الديموقراطية هي الوجه الآخر والأساسي للقومية.
من أضرار إضعاف الانتلجنسيا فقد لغة التخاطب مع طبقة البروليتاريا، تلك الطبقة التي تمثل الجانب الأكبر والأهم من الشعب، فهى طبقة العمال والأجراء المعاصرين الذين لا يملكون أية وسائل إنتاج، ويبيعون قوتهم لكي يعيشوا، فالانتلجنسيا هي الوحيدة التي تستطيع التعاطي مع طبقة البروليتاريا عندما تثور، بسبب ما تمتلكه من كاريزما حركة التخاطب اللغوي، ولقربها من الحركات العمالية، والأهم أن طبقة البروليتاريا دائما وأبدا تقف إلى جانب القوى المدعومة بالإنتلجنسيا في النضال السياسي ضد الحكم المطلق وضد قوانين الانتخابات والدساتير الرجعية .
من ينظر إلى مشهد الانتخاب البرلماني يجده هزلياً بكل مواقفه، فعزوف الناخبين، وخصوصاً الشباب، رسالة قوية وواضحة، عنوانها رفض تلك الانتخابات جملة وتفصيلا، فهناك عدد كبير من المرشحين أنفق كل منهم في حملته مايزيد عن عشرة ملايين جنيه مصري من أجل الحصول على مقعد في البرلمان، فهل يعقل أن يكون هذا من أجل المواطن الفقير؟
البرلمان القادم من أخطر البرلمانات، وربع مواد الدستور المصري تتكلم عن البرلمان، وجاءت لخدمة البورجوازية الكبيرة بكل أجنحتها، حيث تتجلى سيطرتها على التشريع في الدستور والقانون، لتضمن بقاءها والاحتفاظ بممتلكاتها وتكوين امبراطوريتها بقوة الدستور، وأي مسألة خارج نص مادة الدستور تعتبر جريمة يعاقب عليها القانون، أي استخدام الدستور وسيلة لمناهضة الدعوات التي تدعو إلى محاسبة تلك الطبقة.
04962194-B326-404B-8E6A-BE9981B50615
04962194-B326-404B-8E6A-BE9981B50615
أحمد البهائي (مصر)
أحمد البهائي (مصر)