حزبا أردوغان وبنكيران.. هل تجوز المقارنة؟

02 سبتمبر 2014

بنكيران يستقبل أردوغان في مطار الرباط (3يونيو/2013/أ.ف.ب)

+ الخط -


كثيراً ما تجري المقارنة بين حزب العدالة والتنمية المغربي ونظيره التركي، ليس فقط بالنظر لما بينهما من مشترك على المستوى الإيديولوجي، أو ما يجمع بينهما من تشابه في الاسم، فهذه من البديهيات. فإلى أي حد تصح مثل هذه المقارنة بين تجربتين، لهما مسارات مختلفة، ويوجدان في بيئاتٍ تكاد تكون متناقضة؟ لا يكفي التشابه في الأسماء والتقارب في المرجعيات الإيديولوجية لعقد مقارنات غالباً ما تكون سطحية، كما أن وجود أكثر من فرق بين التجربتين يجعل المقارنة بينهما غير عادلة أيضاً لعدة أسباب، تحاول هذه السطور استعراض أهمها.

بدءاً من المرجعية التي ينطلق منها كثيرون لعقد مقارناتهم، نجد أن "العدالة والتنمية" التركي لا يصف نفسه بأنه حزب إسلامي، وإنما يعرض نفسه حزباً سياسياً ليبرالياً محافظاً، نجح في فك ارتباطه مع وعائه الدعوي، واستطاع في أدائه البارع أن يبرهن على أنه يملك تصوراً سياسياً، وخطة عمل منتجة، مكنته من نيل ثقة ناخبيه. فيما نجد أن "العدالة والتنمية" المغربي يتباهى بمرجعيته الإسلامية، ومازال يعتمد على ذراعه الأيديولوجية، حركة "التوحيد والإصلاح"، في التأطير والتعبئة والحشد، ما يحدث خلطاً كبيراً عند الرأي العام الذي يصعب عليه التمييز بين ما هو دعوي وبين ما هو سياسي، في خطاب الحزب الذي يمتح مفرداته من قاموس ديني محض. ومن خلال أدائه المرتبك، يبدو أنه يفتقد لخطة طريق واضحة، ولذلك، ما زال يلجأ إلى لغة ديماغوجية، للتغطية على ضعفه، ولمواجهة منتقديه.

كما نجد أن حزب طيب رجب أردوغان استفاد من أخطاء سلفه، حزب "الفضيلة" الذي حله الجيش، ولم يظهر معاداته العلمانية كأساس تنظيمي وفكري للحكم في تركيا، وفي الوقت نفسه، حافظ على الهوية الإسلامية لمشروعه. وهذه مرونة أبداها الحزب، وتجلت في تبني خطاب سياسي براغماتي، يعتمد سياسات ليبرالية، ومقاربات حقوقية كونية، جعلته يواجه العلمانيين داخل ملعبهم، وفي الوقت نفسه، أكسبته دعم الغرب الذي كان يقف دائماً إلى جانب المؤسسة العسكرية التي تنصب نفسها حارسة لأسس الجمهورية القائمة على المبادئ العلمانية.
أما حزب عبد الإله بنكيران، فما زال متوجساً من البعد الكوني للمعايير الحقوقية، في خطابه السياسي والإعلامي، ما يجرّه، في غالب الأحيان، إلى تبنّي قضايا خاسرة، تنفر العلمانيين والليبراليين في الداخل منه، ولا تساعده في تسويق صورته في الخارج، وخصوصاً لدى الغرب.

وفي استقراء سريع للتاريخ النضالي لكل من الحزبين، نجد أن "العدالة والتنمية" التركي حصل على شرعيته من النضال والمواجهة مع السلطة العسكرية العلمانية، بما أن الصراع في تركيا قائم بين مرجعيتين متناقضتين، علمانية ودينية. في حين أن سميّه المغربي لم يخض أي نضال يذكر لفرض قناعاته. فهو حزب أوجدته السلطة، عندما كان الملك الراحل، الحسن الثاني، يريد تجريب إشراك "إسلاميين معتدلين" في اللعبة السياسية، قبل سنتين من رحيله، للتهيئة لمرحلة انتقال الملك إلى ولي عهده.

يضاف إلى ذلك أن طبيعة نظام الحكم الملكي في المغرب، الذي يقوم على شرعية دينية تتمثل في "إمارة المؤمنين"، لا تسمح لأي حزب بأن ينافسها من داخل المرجعية نفسها التي تستمد منها شرعية وجودها واستمرارها.

مع ذلك، استعمل كلا الحزبين نوعاً من الليونة في التعامل مع السلطة القائمة، لكن، لأهداف مختلفة. فحزب أردوغان حاول التماهي مع النظام العلماني القائم من أجل التقرب للغرب، أما حزب بنكيران، فحاول التماهي مع نظام "المخزن" القائم في المغرب، للتقرب من الملك.

على مستوى المقارنة السياسية، تكبر المفارقة. ففي تركيا، يوجد تداول حقيقي على السلطة، تكفله طبيعة النظام السياسي الجمهوري، وينص عليه الدستور، وتحكمه قواعد لعبة ديمقراطية شفافة، وينظمه نمط اقتراع ديمقراطي. أما في المغرب، فالسلطة الحقيقية توجد بيد الملك، وهي خارج كل تنافس حزبي، كما أن نمط الاقتراع، وعدم شفافية اللعبة السياسية، يجعلان من كل عملية انتخابية في المغرب مجرد محاولة لـ"تدوير"، (بكل ما تحمله الكلمة من معنى)، النخب داخل دواليب الدولة، لتهذيبها وتطويعها!

وإذا كانت الانتخابات في تركيا آلية حقيقة للمحاسبة الشعبية، فإنها في المغرب مجرد لحظة لشراء الذمم، ليس فقط ذمم الناخبين البسطاء، وإنما ذمم النخب والأحزاب والنقابات على حد سواء.

ويبقى أن كلا الحزبين جاء إلى السلطة بيدين نظيفتين، وهذه نقطة تحسب لهما، وتكسبهما ثقة ناخبيهما. وخلال عشر سنوات، استطاع حزب أردوغان أن يقفز ببلده من المرتبة 111 إلى المرتبة 14 على مستوى القوى الاقتصادية العالمية. لكن، في العام الماضي، هزت تركيا مظاهرات شعبية، على خلفية فضائح فساد تورط فيها مسؤولون من حزب "العدالة والتنمية" التركي، وأثير فيها اسم نجل أردوغان. أما عن حزب العدالة والتنمية المغربي، فقد نجح، حتى الآن، في احتواء قضايا الفساد المنسوبة إلى بعض ممثليه داخل البلديات. في حين أن الوقت مازال مبكراً للحكم على أدائه الاقتصادي في الحكومة. وفي السنوات الثلاث من حكمه، ركز الحزب، حتى الآن، على ما يعتبرها إصلاحات جوهرية، من قبيل تقليص نفقات صندوق الدعم المخصص للمواد الاستهلاكية الرئيسية، وإصلاح صندوق التقاعد، ما اضطره، أو سيضطره، إلى اتخاذ قرارات غير شعبية، مثل رفع الأسعار ورفع سن التقاعد. وإذا كانت هذه القرارات ستنعكس إيجاباً على نمو الاقتصاد مستقبلاً، فإن ثمارها لن تصل مبكراً إلى الفئات الفقيرة التي تشكل الوعاء الانتخابي لكل حزب سياسي.

أما الكلمة الفصل في إسقاط كل مقارنة بين الحزبين، فيمكن تلخيصها في مقاربتيهما في مواجهة الفساد. ففي وقتٍ تصدّى فيه أردوغان إلى قلاع الفساد داخل بلاده، ونجح في جر مفسدين جنرالات كبار إلى المحاكم، لجأ بنكيران إلى رفع الراية البيضاء، منذ اليوم الأول، عندما أطلق عبارة "عفا الله عما سلف" التي تلخص مقاربته في التطبيع مع الفساد، بدل مواجهته.

وأخيراً، ما كان يفرض مثل هذه المقارنة هو الأداء الناجح للتجربة الاقتصادية التركية التي مازالت تبهر الخصوم قبل الأنصار. لكن، إلى أي حد سيستمر عامل الجذب إلى تجربة أصبح هاجس روادها هو استمرارهم في السلطة التي تستنزف عشّاقها كلما استطابوا البقاء في حضنها!

D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).