مأزق "حزب الله"

28 فبراير 2014
+ الخط -

كثير من الأصدقاء اللبنانيين أخذوا على كاتب هذه السطور (وغيره) تفريقه بين "طورين" في مسيرة حزب الله، الأول: مقاومة اسرائيل حتى حرب يوليو/ تموز 2006، وإجبارها، في غضون ذلك، على الانسحاب من الجنوب وتمريغ أنفها المتغطرس بالوحل، والثاني: انخراطه، بحماسة دينية مؤسفة، في حرب النظام السوري ضد شعبه. أولئك لم يروا في حزب الله، مقاوماً ضد اسرائيل ومنخرطا في قتال الشعب السوري، سوى "أداة" إيرانية، على طول الخط، من لحظة تأسيسه الى يومنا هذا، فإن كان حزب الله قد قاوم اسرائيل، فذلك لأن راعيته إيران تريد أن تجد "موطئ" قدم على المتوسط، والتحوّل الى رقم صعب في أعقد صراعات المنطقة وأطولها زمنا، يمكن أن تقايض بهما، لاحقا، ملفات أخرى. هذا هو حزب الله ودوره في نظر فريق من اللبنانيين لم "يقبض" فكرة المقاومة على أساس ديني ومذهبي، فلم يكن طبيعيا، في نظرهم، أن يحتكر المقاوم جبهة المواجهة مع اسرائيل ويمنع أي جهد مقاوم آخر ضدها، فهذا تقنينٌ للمقاومة وضبط لها على الساعة السورية أو الإيرانية أو الاثنتين معا، ما دامت العلاقة بين طهران ودمشق ذات طابع "استراتيجي"، لم يطل الوقت حتى اتضحت مفاعيله الرهيبة.

مَنْ هو صاحب هذه الفكرة الاستراتيجية الخبيثة؟

النظام السوري؟

إيران؟

الاثنان معا؟

ليس مهما الآن. ولكن شبه المؤكد أنها فكرة سورية "بعيدة النظر"، تلقفتها إيران بالدعم المادي السخي والتسليح، القصد منها وضع بندقية المقاومة تحت إمرة جهة واحدة معتمدة عليهما بالكامل، فقد فعل النظام السوري ما فعله بشير الجميل في المناطق الشرقية عندما أجبر فصائل "المقاومة اللبنانية" على الانضواء، بالحديد والنار، في تنظيم واحد سماه "القوات اللبنانية"، فلم تعد في المناطق "المسيحية" بندقية واحدة "فالتة".

هذا كله تاريخ.

غير أن التاريخ يذرُّ بقرنه الآن.

كان مستحيلا أن نرى، من مقعدنا في تلك اللحظة الماضية، بندقية "حزب الله" وهي تُوجَّه، بعد ثماني سنين من انتصاره المعنوي على اسرائيل، الى صدور السوريين. ذلك رجمٌ بالغيب. فلا أحد كان يتخيل هذه الانحرافة الخطيرة في بندقية حزب الله. غير أن "المستحيل" حصل، وها هي المقاومة (الفعلية حتى 2006) تصبح أداة نشطة وفعالة في قتل السوريين. البندقية "الطاهرة"، التي أقسم "سيد المقاومة" على ألاّ تدار الى الداخل يوماً، دارت وراحت تحصد أرواح السوريين باسم "المقاومة" أيضاً!

"المقاومة" التي لا تقاوم الا اسرئيل تسبح اليوم في بحر الدم السوري مع تعديل للبوصلة: فبدل أن تشير بوصلة المقاومة، كما هو معتاد، الى الجنوب.. أخذت تشير الى الشرق والشمال الشرقي حيث القرى والمدن السورية المحاذية للبنان.. وأحيانا أبعد وأعمق من ذلك. لكن الأسوأ.. أن المقاومة، التي اعتادت الرد على أي انتهاك اسرائيلي، صارت تستلهم "الحكمة" السياسية السورية بـ "الاحتفاظ" بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين.. اللذين لم يأتيا قط.

من مفارقات الحياة العربية العجيبة أن أولويات حزب الله لا تتيح له الرد على عدوان اسرائيلي طال مواقع له، فهو منهمك في حرب أخرى تتصدر أولوياته ولن تحدد غارة اسرائيلية رد حزب الله. من قبلُ قال نظام الأسد الأب إنه لن يترك اسرائيل تجرّه الى معركة هو غير مستعد لها، وها هو حزب الله ينكر، مثل نظام الأسد، أن اسرائيل أغارت على موقع له، ثم عندما تنفضح الغارة ويصبح لا مجال لإنكارها، يعترف بها ولكن يرفض "الانجرار" إلى معركة ليست على أجندته الآن.

حزب الله في مأزق. إنْ ردّ عبر الجنوب اللبناني، فتح باب جهنم عليه و"شوَّش" على معركته ضد "التكفيريين"، وإن لم يرُدّ ستكون سابقة لها طابع الفضيحة لـ "المقاومة".. ولا معنى، بالطبع، للرد خارج لبنان: مصلحة اسرائيلية هنا أو هناك. فهو حدّد منذ أمد بعيد ساحة معركته مع اسرائيل: جنوب لبنان.

فهل لا تزال هذه الساحة مفتوحة؟

أم أنها أغلقت لحساب ساحة جديدة؟

لنر.

E7B23353-660D-472F-8CF3-11E46785FF04
أمجد ناصر

شاعر وكاتب وصحفي من الأردن