يُخشى أن أوضاع لبنان خارج السيطرة
يخشى اللبنانيون من تفاقم الأوضاع وتوسّع رقعة الصراع وتداعيات الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين، ويزدادون خوفا على خوف من الانتقال من حربٍ إلى حربٍ في وضع داخلي متأزّم في العناوين كافة، السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية. لم يخرج لبنان الكبير يوما من دائرة المخاطر، ولن يخرج أبدا منها لأنه بلد لا تنمو فيه الحياة وتزدهر إلا في المخاطر والمصاعب والأزمات وما أكثرها. من حسن طالعه أو من سوء حظه في آن، أنه لا يشبه أحدا في الشرق، وفجأة تحوّل إلى مصدر الإزعاج السلبي للجميع.
قد يكون سيناريو الحرب مجدّدا كارثيا أزيد مما حصل في حرب تموز (2006)، مع اقتصاد مدمّر/ منهك منذ أربع سنوات، وأوضاع سياسية واجتماعية لا تحتمل صدماتٍ جديدةً، تدخل لبنان في مواجهة عسكرية ستكون نهائية على كيان متعثر، ستُفقده فلسفة تآلف الاختلاف بين المكونات اللبنانية.
يعاني لبنان من العطوبة الجغرافيّة، ذلك أن نسبة مساحته إلى حدوده هي 4 و15%، هي من أدنى النسب في العالم ، وتجعل وضعه الأمني مكشوفا ومهدّدا مع أزمة لاجئيين، لا توجد مقاربة اندماج اقتصادي لها مقارنة مع تركيا التي صارت تفضل بقاءهم على عودتهم إلى سورية.
13 شهرا ولبنان بلا رئيس جمهورية، وبحكومة تصريف أعمال وبحاكمية مصرف مركزي بالانابة، ومجلس نواب أصبح دستوريا هيئة ناخبة، والقوى السياسية غاشية ومشغولة بيومياتها. مع هيمنة شبح الحرب، لا إرادة داخلية في لبنان فقط لحزب الله، البلوك السياسي والأمني خارج إطار الدولة ومن خارج إطار العلاقات الدولية، والذي يتصل أكثر بزيارات وزير الخارجية الايراني حسين أمير اللهيان وتصريحاته من لبنان بشكل مخالفٍ لما يحكى عن تاريخ الجمهورية اللبنانية التي مرّ على نشأتها مائة عام. مع ذلك، لبنان ليس وحده، والمجتمع الدولي حريص، أكثر من مسؤوليه، على منع سقوطه، وتؤكد ذلك المبادرة الخماسيّة، والاهتمام الفرنسي الخاص الذي يعبّر عنه موفد الرئيس الفرنسي الخاص جان ايف لودريان في زياراته المتكرّرة إلى لبنان، كما في تحرّكات الفاتيكان ومعظم الدول العربية وفي طليعتها قطر لدعم الجيش، ومساعدة الولايات المتحدة لترسيم الحدود، كما المساعدات من دول أخرى.
على اللبنانيين أن يتكلموا مع بعضهم بدل الاستماع إلى الآخر، ويجب أن تتخلّى الأحزاب عن مكتسباتها لصالح الدولة مرّة واحدة
ولكن مع أن التهديدات تحاصر اللبنانىين، لا وقت ولا مساحة للعمل، كما أنه يسجل غياب القوى المدنية. في الملف الأمني ومع التصعيد على الحدود مع فلسطين المحتلة واستهداف إسرائيل مجموعات كبيرة من مقاتلي حزب الله والقرى والبلدات اللبنانية، تبرز الحاجة إلى التفكير المتعمّق في قواعد الاشتباك الخاصة بعمل قوات الطوارئ الدولية العاملة في لبنان ومستقبل مهمة "يونيفيل"، فأي تصعيد لاحق سيؤدّي إلى تعقيد مهامها، وربما انسحابها، وحده القرار 1701 يزيل الغموض بشأن "الدولة".
الأميركيون والفرنسيون والإسبان جادّون في الدعوة إلى عدم ارتكاب الأخطاء، وفي دعوة اللبنانيين إلى مساعدة أنفسهم، والمساهمة في تحقيق الاستقرار، والدفع في أي تسوية سياسية مقبلة في المنطقة تحقّق طموحات الشعب الفلسطيني، وللبنان مصلحة كبيرة في ذلك، من زاوية الالتزام ببنود مبادرة السلام العربية في بيروت 2002، ومن زاوية الاهتمام بديمومة لبنان وفلسطين معا، وتسمح بوضع ملف العودة مجدّدا على الطاولة. هذا مفهوم واقعي في العلاقات الدولية برز في المفهوم الوستفالي (1648)، وسلوك الدول القاضي بالبحث عن مصلحتها الوطنية من خلال امتلاك القوة كحياد دائم، أساس الدفاع الأصلي. ولكن ليس مع حالة الغزو الاسرائيلي والاجتياح البرّي، أو بالتهديد بتدمير كل لبنان، والخطر الحقيقي الذي يهدّد الناس التي ترى أن حياتها غير محترمة. وفي حالة من الهلع والقلق من موجات نزوح جديدة (50 ألف نازح من الجنوب إلى الداخل)، ومن فقدان المواد والسلع الغذائية والأدوية، ومخزون الموارد من الوقود والقمح. يستورد لبنان نحو 80% من احتياجاته الاستهلاكية مع نسبة تضخّم مرتفعة إلى مستويات قياسية جديدة، وعبء هجرة سورية مستمرّة منذ اندلاع الحرب السورية في العام 2011. أضف إلى ذلك مثال أقصى حد ممكن من نوع ما ترتكبه إسرائيل في حربها على غزّة من إبادة همجيّة، تنتهك فيه حيوات الناس شيوخا وأطفالا ونساء من المدنيين.
يشكل الدفاع أحيانا في حالة لبنان حركة الردع بدرجة أكبر من القتال، فوطأة الحرب ستكون مدمّرة أكثر من غزّة. ستدفع مختلف القطاعات تكاليف باهظة، يحذّر منها المجتمع الدولي، لا سيما أن لبنان ما زال يرزح تحت طوفان من الأزمات والنكسات التي لا تنتهي نتيجة سياسات خاطئة وسوء إدارة أصابها الفساد واللاكفاءة وخمول في الإصلاحات. ليست وليدة النظام الليبرالي المنفتح على العالم. ستكون التكلفة هذه المرّة كبيرةً على وحدة الدولة وإخفاقاً آخر لما تبقى من الاستقرار السياسي والمالي الهشّ، واستنزافاً لاحتياطي المصرف المركزي، وتراجعاً للقوة الشرائية وعدم القدرة على تقديم الخدمات الصحيّة والاحتياجات الأساسية، لا سيما مع استهداف البنية التحتيّة المتداعية أساسا من ماء وكهرباء ومستشفيات، والقطاع السياحي وحده يسهم بأكثر من ستة مليارات دولار في الاقتصاد.
ما يدعو إلى التفاؤل التغيير داخل الجالية اليهودية الأميركية، وبروز تيار يساري/ شيوعي تحديثي في العالم لصالح القضية الفلسطينية
لا أعياد في لبنان هذا العام. يضع احتمال حدوث أي اهتزاز تحويلات المغتربين من ستة مليارات دولار في خطر. سيكون أكبر من سيناريو غزّة في غياب قسم كبير من التعاطف العربي مع لبنان، بسبب حزب الله ومشادّاته، وخروجه عن الحياد في علاقاته مع إيران، أداة تسمح للمكوّنات الاجتماعية والثقافية في المجتمع والمنطقة أن تتفاعل وتنمو، من دون اضطراب. وهي تطوّرات قابلة للتطبيق، إذا أدرك العالم خطورة التصعيد في الشرق الأوسط وتأثيراته في انخفاض الأسهم وشركات النقد والتكنولوجيا وإرباكات بيانات المستثمرين.
يتحدّث الأميركيون عن تسوية كبيرة ما في الشرق الأوسط، وليس هناك من تأمين على حدوثها، وسيرى كيف يمكن أن تنتهي الحرب الإسرائيلية. سيكون حلّ القضية الفلسطينية مطلقا على أرض فلسطين، وطوفان الاقصى سيصل إلى نتيجة حاسمة، وما يدعو إلى التفاؤل التغيير داخل الجالية اليهودية الأميركية، وبروز تيار يساري/ شيوعي تحديثي في العالم لصالح القضية الفلسطينية. وضع لبنان دقيق جدا، استطاعت أميركا أن تمنع توسعة الحرب بالاتفاق مع إيران بشكل ما، وحزب الله متّصل بالأخيرة إلى ما لا نهاية، اكتفى بسياسة الغموض، وأن "الوقت للميدان"، ولا تريد إيران أن تضحّي بمكتسباتها. الأمر الحقيقي الآخر ما قاله رئيس الحكومة نجيب ميقاتي "نخن ما عندنا خبر ولا علم بقرار الحرب والسلم". والسؤال: أين هو القرار السيادي؟ كل ما يجري مناسبة للتضامن الداخلي، يتصرّف اللبنانيون كفريق واحد، وليس للخصوصيات الموقع المتقدّم، وعلى اللبنانيين أن يتكلموا مع بعضهم بدل الاستماع إلى الآخر، ويجب أن تتخلى الأحزاب عن مكتسباتها لصالح الدولة مرّة واحدة.