وما زالت فاتن تريد حلاً
ما زال الممثل رامز جلال يصرّ على أن يطل على بيوتنا العربية ببرنامجه السخيف الذي يرى أنّه برنامج مقالب فكاهي يتكلّف مبالغ طائلة، ويجد من يدعمه رغم المطالبات كلّ عام، ومع بداية الموسم الرمضاني للدراما والبرامج الرمضانية، بوقفه، إلّا أنّه قد حصل على تمويل ضخم ومن دون حساب لمدة عشر سنوات لتقديم برنامجه. ونتذكّر أنّ المخرج العبقري صاحب الرؤية العالمية، مصطفى العقاد، أمضى الربع قرن الأخير من حياته يبحث عن مموّل لفيلمه عن صلاح الدين الأيوبي. ومع بلوغنا هذا الانحدار الكارثي والثقافي بسبب المال الذي يعمل على إفساد العقول وطمس هوية الأجيال، فإنّ الأمل يلوح بأنّ هناك أعمالاً نادرة وذات رسالة تظهر في السباق الماراثوني المتعمّد، والمقصود به هدر وقت الصائم، والحقيقة أنّه يفسد عقله، ومن هذه الأعمال المسلسل الذي يعرض حالياً "فاتن أمل حربي".
تصرّ "فاتن" الزوجة التي تعيش مع زوج سيئ ومتسلّط على الطلاق، بعدما أنجبت طفلتين، وبعد مرور عشر سنوات على العِشرة. وهنا نتساءل عمّا يجعل امرأة تتردّد في طلب الطلاق، رغم أنّ "فاتن" قد أخبرت المأذون الذي جاء لتنفيذ إجراءات الطلاق بأنّها كانت تفكّر بالطلاق منذ تسع سنوات وتسعة أشهر، يعني منذ بداية حياتها الزوجية. والإجابة بالتأكيد أنّ معظم النساء يتردّدن في طلب الطلاق رغم أنّ الزوج السيئ أو بوادر الاختيار الخاطئ تظهر بعد انقشاع غيمة الخطوبة والهدايا والورود، لكنّها لا تفعل ذلك لأنّها تعرف جيداً أنّ المطلّقة في مجتمعاتنا تشبه "الدجاجة المنتوفة الريش" حسب تعبير خالة فاتن، وأنّها تصبح فريسةً سهلةً كما أنها سوف تُظلم من أقرب الناس لها، وسوف تحرم من أطفالها، وتعيش في دوّامة المطالبة بحقوقهم. وفي حال عدم وجود أطفال سوف تدخل أيضاً في دائرة المحاكم، للمطالبة بحقوقها الشرعية التي نصّ عليها عقد الزواج، إذ إنّ مهر الزوجة ينقسم إلى قسمين: تتسلم أحدهما عند العقد، والثاني يكون إلى أقرب الأجلين (وفاة الزوج أو الطلاق). إضافة إلى حقوق أخرى، قد تكون بناء على القوانين الوضعية حسب اختلاف البلد. كما نجد الأطفال هم ضحايا الطلاق دائماً. ولكلّ ذلك تتردّد النساء في طلب الطلاق.
قدّمت فاتن حمامة، في عام 1975، فيلم "أريد حلا" وقد صُنف من أفضل مائة فيلم عربي. وبناء على قضية "درّية" التي طلبت الطلاق من زوجها لسوء خلقه، جرى تغيير في قانون الأحوال الشخصية سنة 1987، بعد إجراء عدة تعديلات، وأطلقوا عليه "قانون جيهان" وهو قانون الخلع، ما ساعد في حلّ قضايا كثيرة عالقة منذ سنوات طويلة في المحاكم. ورغم ذلك، وجد من التحايل عليه ثغراتٍ كثيرة أساءت له، ولما سمح به من توسعة لحقوق المرأة. واليوم تطلّ نيللي كريم، وفي عمل درامي من تأليف إبراهيم عيسى، ويطرحان، تأليفاً وتمثيلاً، قضية صراع المطلقة من أجل استمرار حضانة أطفالها، على الرغم من عدم توفر سكن آمن لها ولهم، وحقها في الولاية التعليمية عليهم، طالما كانوا في حضانتها. ويصرّ إبراهيم عيسى على دسّ السم في الدسم، من خلال سقطاتٍ أثارت غضب الجمهور الملتفّ حول مسلسله، والمصنف بأنّه أفضل عمل درامي لهذا الموسم الرمضاني، فهو كاتب مثير للجدل ومشهور بتزييف التاريخ والتجرؤ في قضايا الإسلام، فاستغلّ لسان البطلة لتمرير آراء وجدالات دينية أثارت الجمهور. لكنّنا أولاً وأخيراً أمام عمل درامي يستحقّ المتابعة، لأنّه لامس آلام آلاف النساء المطلقات وآمالهن. وقبل ذلك هو يرسل رسالة إلى كلّ امرأة تفكّر بالزواج، ألّا تفعل ذلك للهروب من واقعها، فنتيجة الاختيار المتسرّع والخاطئ تكون غالباً أن المرأة تصبح من رواد محاكم الأسرة لا محالة وعاجلاً أم آجلاً.