وماذا عن القنبلة الإسرائيلية القذرة؟

15 نوفمبر 2022
+ الخط -

ما إن أصدر خبراء وكالة الطاقة النووية تقريرهم عن خلوّ الأراضي الأوكرانية مما أسمته روسيا قنبلة قذرة في طور التصنيع النهائي، حتى أعلنت إسرائيل، عبر انتخابات الكنيست أخيرا، إشهار قنبلتها القذرة (نتنياهو وبن غفير وسموترش) التي كان يجري تصنيعها حثيثاً داخل أحشاء مجتمع يمور بالتطرّف والعنصرية، ويصعد بخطواتٍ واسعةٍ على درج الأبارتهايد، ويسابق نفسه بنفسه على سلّم الفاشية، هذه التي تجلت بأوضح صورها، أخيراً، في انزياح المجتمع الاستيطاني أكثر فأكثر، من اليمين إلى أقصى اليمين، وانتقال غلاة المتعصبين فيه من هامش الحياة السياسية إلى مركز صناعة القرار.
ولعل فوز ممثلي الصهيونية الدينية، جنباً إلى جنب، مع كلٍّ من حزب الليكود والأحزاب الحريدية، بأغلبية مقاعد الكنيست، ناهيك عن اضمحلال ما كانت تسمّى "أحزاب اليسار" خير دليل على اجتياز دولة الاحتلال نقطة اللا عودة في طريق العنف الأعمى، وعلى قطيعتها السافرة مع كل القيم التي ظلت تدّعيها، أو قل تتمسّح بها، حول الديمقراطية والليبرالية والحريات، الأمر الذي يشي، موضوعياً، بإقصائها من ملعب الديمقراطيات الغربية، الذي لعبت فيه وحدَها طوال عقود خلت، وبالتالي حرمانها، في مستقبلٍ غير بعيد، من هذه الميزة النسبية، السياسية والأخلاقية، التي تفوّقت بها على معظم أعدائها العرب الغارقين في غياهب الدكتاتورية والاستبداد والأصولية.
وإذا كان صحيحاً أن مثل هذا التحوّل، في الشكل والمضمون، قد وضعنا أمام إسرائيل أخرى، أكثر عدوانيةً وأقل تحسّسا، وتحسّباً، للرأي العام الدولي، وإذا كان علينا أيضاً بعد اليوم ألا نتوقع إمكانية السير خطوة صغيرة نحو السلام مع دولة فاشية، فمن الصحيح كذلك أن المعركة، المتواصلة بكل أشكالها المتاحة، مع حكومةٍ يمسك بمقودها نتنياهو في الواجهة، ويتحكّم بها إيتمار بن غفير وأمثاله من الخلف، معركة أسهل من تلك الحروب الطويلة، التي أدارها ضد الفلسطينيين والعرب رؤساء حكومات سابقين من أمثال بيريس وغولدا مائير ورابين وغيرهم، ممن تمتّعوا بمقبوليةٍ في الغرب، مكّنتهم من تمرير خطابهم المراوغ، وكسب لعبة الرأي العام بنجاحٍ لافت.
نحن، إذن، أمام إسرائيل مع قنبلة قذرة، أي أمام دولة شديدة الخطورة، ليس على محيطها المجاور فحسب، وإنما على نفسها أيضاً، الأمر الذي يعيد إلى الذاكرة تصريحات سابقة منسوبة إلى مسؤولين أوروبيين وأميركيين، كانوا يقولون فيها إن أكبر الأخطار التي تهدّد هذه الدولة المعربدة، التي أسكرتها نشوة القوة العسكرية المجرّدة، هي إسرائيل ذاتها، المعتنقة مبدأ أن المشكلة التي لا تحلها العمليات الحربية، يحلها مزيد من العمليات الأوسع، طالما أنها دولة فوق القانون الدولي، تحظى بدعم أميركي مديد، وتسامح أوروبي مُعيب مع استمرار احتلالها، وغضّ نظر طويل عن انتهاكاتها أبسط حقوق الإنسان الفلسطيني، وفي مقدمتها حقه في الحياة الكريمة والاستقلال والحرية.
والحق أن هذه المقولات الغربية في زمن الانتفاضة بشأن حقيقة أن خطر إسرائيل على نفسها أشد من خطر أعدائها عليها، لم يؤخذ على محمل الجد لدينا، كما كان موضع سخرية كثيرين بين ظهرانينا، إزاء نظرة من اعتادوا على اعتماد المعايير المزدوجة كلما تعلّق الأمر بالدولة العبرية. أما اليوم، ونحن نرى "بطل" غزوات حي الشيخ جرّاح، وعربيد اقتحامات ساحة المسجد الأقصى، في موقع القرار المركزي الإسرائيلي، فإن من الصواب منح تلك المقولات قدراً من المصداقية الحذرة، وإبداء بعض حُسن الظن حيال ما قد تنجلي عنه السياسات المحتملة لهذه الدول، التي ملّ الرأي العام فيها غضّ بصر حكوماته عن جرائم قوات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ومع أن إسرائيل بات تمتلك كلاً من القنبلة النووية والقنبلة القذرة معاً، إلا أن مقارعتها بكل أشكال المقاومة المشروعة، والتمكّن من ليّ ذراعها، خارج ملعب القوة العسكرية، صار أيسر، وأضحى أقرب منالاً مما كان عليه الحال مع حكوماتٍ سابقة، كانت تعرف كيفية التخاطب مع الدبلوماسيين والإعلاميين وصنّاع القرار في الشرق وفي الغرب، إن لم نقل إن المواجهة متعدّدة الأدوات باتت أسهل من ذي قبل، مع تسنّم مثل هؤلاء الفاشيين الأوغاد سدة الحكم في الدولة التي تسند ظهرها، بين عوامل أخرى، إلى رأي عام دولي ضاق ذرعاً بها وبممارساتها الوحشية، حيث أصبح الغرب يرى، بأم العين، مدللته في الشرق الأوسط وهي تمضي بسرعة فائقة على دروب نظام الفصل العنصري البائد في جنوب أفريقيا السابقة، التي سقطت، بين عوامل أخرى، تحت ضغط العقوبات الغربية.

45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
عيسى الشعيبي

كاتب وصحافي من الأردن

عيسى الشعيبي